مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص مجتمع | "الأمّ بتلمّ" مناسبة | من رُزق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حُبّها أذكار | شهر رمضان المبارك آخر الكلام | الأوراق المغلّفة الافتتاحية | ما أفضل أعمال شهر رمضان؟ القرآنُ مشروع حياة

كيف ندعو؟

لئن كان الدعاء أعلى شكل من أشكال العلاقة بالله تعالى، فإنّ خير من يتحدّث عن هذا النّوع من العلاقة هم العارفون بالله، وهم النبي محمد  صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الأطهار، فقد وصفوا الدعاء بأنه: مخّ العبادة، ولا يهلك مع الدعاء أحد، وبأنه سلاح المؤمن، وأنه ما من شيء أكرم على الله تعالى من الدعاء، وأنه أفضل العبادة1. وورد عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه أحب الأعمال إلى الله عز وجل في الأرض2.

ولعلّ الروايات التي تحدّثت عن الدعاء، وعن بركاته وآثاره وعن آدابه وشروط استجابته، وعن حالات الداعي وما ينبغي أن يراعيه في دعائه بلغت من الكثرة ما يحتاج المرء معها إلى وقت طويل ليتدبر في معانيها، ولهذا فقد اقتصرت هذه المقالة على آداب الدعاء وأركانه التي تيسّر الإجابة.

* لماذا ندعو فلا نجاب؟
عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "احفظ آداب الدعاء، فإن لم تأت بشرط الدعاء فلا تنتظر الإجابة، واعلم أنّه لو لم يكن الله أمرنا بالدعاء لكنا إذا أخلصنا الدعاء تفضل علينا بالإجابة، فكيف وقد ضمن ذلك لمن أتى بشرائط الدعاء؟"3.
إنّ هذا الحديث الشّريف يبيّن لنا السّبب الرّئيس الّذي يحول دون استجابة الدعاء وتحقّق الغاية منه، والسبب في ذلك هو عدم مراعاة الشروط الآداب.
فما هي الآداب التي ينبغي أن يراعيها الداعي؟
هناك مجموعة من الآداب عرضتها الروايات الشريفة وهي مقسمة إلى ثلاثة أقسام.

* القسم الأول: آداب قبل الدعاء
أمّا الآداب التي ينبغي مراعاتها قبل البدء بالدعاء فهي:
1 - البقاء على طهارة: ونقصد بها الطهارة الشرعيّة التي تسوّغ للإنسان الصلاة ومسّ آيات القرآن، فمن أراد أن يلتمس من نور الله بالدعاء جدير به أن يكون على طهارة، التي هي نور على نور.
2 - استقبال القبلة: إنّ الدعاء عبادة، بل هو مخّها، وقد أمرنا الله تعالى بالتّوجه إلى القبلة حال العبادة.
3 - التصدّق: ولو باليسير، فإنّ الصدقة تزيل الحجاب بين المتصدّق والله تعالى، فالله تعالى يقول: ﴿فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً (المجادلة 12).
4 - التطيّب: فالطّيب من سنن الأنبياء وأخلاقهم، وهو يشدّ القلب4 كما نصّت الروايات الشّريفة، وهو سبب معين على استجابة الدعاء.
5 - اختيار الأوقات المناسبة: صحيح أن كلّ الأوقات تعتبر ظرفاً صالحاً للدعاء، لكن النصوص دلّت على أنّ لبعض الأوقات ميزة على أوقات أخرى مثل: وقت السحر، وليلة الجمعة ونهارها، وعصر يوم الجمعة، وعقيب الفريضة.وعن الإمام الصادق عليه السلام: "ثلاثة أوقات لا يحجب فيها الدعاء عن الله: في أثر المكتوبة، وعند نزول القطر، وظهور آية معجزة لله في أرضه"5.
6 - حسن الظن بالله تعالى: ومعناه أن يثق الداعي بالله تعالى، ويوقن بأن الله الذي يسمعه ويراه سيجيب دعوته، ويحقق مطلبه. وكيف لا يحسن الظن به وهو أكرم الأكرمين أرحم الراحمين، وهو الذي سبقت رحمته غضبه، ووسع الخلق في فضله، وأنعم عليهم من غير أن يسألوه، فكيف لو سألوه؟ ففي الحديث القدسي يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، إنْ خيراً فخيراً6.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة"7. وفي هذا تصحيح لما يفكر به بعض المذنبين خطأً من أن الله تعالى لا يقبل دعاءهم.
7 - تنظيف البطن من الحرام: إن للحرام، طعاماً كان أو شرابا،ً آثاراً سلبية على النفس الإنسانية، ما يمنعها من الإقبال على الله تعالى. ومن لم يُقبل على الله لم يُقبل الله عليه، ففي الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن لله ملكاً ينادي على بيت المقدس كل ليلة: من أكل حراماً لم يَقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً، والصرف: النافلة، والعدل: الفريضة"8.
8 - صلاة ركعتين: فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من توضأ فأحسن الوضوء، ثم صلّى ركعتين، فأتمّ ركوعهما وسجودهما، ثم سلّم، وأثنى على الله عز وجل وعلى رسول الله ثم سأل حاجته، فقد طلب في مظانه، ومن طلب الخير في مظانه لم يخب"9.


* القسم الثاني:الآداب حال الدعاء
الآداب التي ينبغي مراعاتها حال الدعاء هي:
1 - إفراغ القلب عما سوى الله: والتوجه الكامل إليه، تعالى، فلا ينشغل بغيره، فالقلب حرم الله ولا ينبغي للداعي أن يسكن غيره فيه. فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يقبل الله عز وجل دعاء قلب لاهٍ"10.
2 - تقديم المدحة: الإكثار من حمد الله والثناء عليه.
3 - الصلاة على محمد وآله: فإن محمداً وآله هم الوسيلة الفضلى التي بها ترتفع الأعمال إلى الله فيقبلها، ويجيب الداعين بفضلها وبركتها.
فعن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "من كانت له حاجة إلى الله عز وجل فليبدأ بالصلاة على محمد وآله، ثم يسأل حاجته، ثم يختم بالصلاة على محمد وآل محمد، فإن الله عز وجل أكرم من أن يقبل الطرفين ويدع الوسط إذ كانت الصلاة على محمد وآل محمد لا تحجب عنه"11.
4 - الإقرار بالذنب: لأن الإقرار بالذنب يعين الإنسان على التوبة، ويوقفه على ضرورة التحول الإيجابي من المعصية إلى الطاعة. وقد دلت النصوص الشريفة على الأمور المتقدمة، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "إنما هي المدحة ثم الثناء ثم الإقرار ثم المسألة، إنه والله ما خرج عبد من الذنب إلا بالإقرار"12.
وعنه عليه السلام أنه قال: "إيّاكم إذا أراد أن يسأل أحدكم ربه شيئاً من حوائج الدنيا حتى يبدأ بالثناء على الله عز وجل والمدحة له، والصلاة على النبي وآله ثم يسأل الله حوائجه"13.
5 - التلبث بالدعاء وترك الاستعجال فيه: وذلك أن الدّعاء صلة بالله تعالى وخلوة ولقاء به، وليس من الأدب المسارعة إلى ترك ذلك، فضلاً عن أن قاضي الحاجات هو الله تعالى لا سواه، فمن استعجل في الدعاء كان كمن يظن أن حاجته عند غير الله. فعن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "إنّ العبد إذا دعا لم يزل الله تعالى في حاجته ما لم يستعجل"14.
6 - الإلحاح في الدعاء: فإن الله يحب السائل اللحوح. فضلاً عن أنّ الدعاء ربما يؤخر الله إجابته محبة منه بسماع صوت العبد، لأن من خُلُق العبيد أنّهم إذا ما قُضيت حاجاتهم نسُوا ربّهم وأعرضوا عنه.
7 - الإسرار بالدعاء: والمقصود منه عدم المجاهرة بالطلب على رؤوس الأشهاد، ابتعاداً بالداعي عن الرياء وطلب السمعة، قال تعالى: ﴿ادْعُوا ْرَبَّكُم ْتَضَرُّعًا وَخُفْيَةً (الأعراف:55).
8 - تحديد الحاجة وذكرها: والمقصود من هذا أن يذكر الإنسان حاجته بين يدي الله. وصحيح أنه تعالى مطَّلع على بواطن الإنسان عالم بحاجاته علماً تفصيلياً لكنه يحب أن يبث عبده إليه بحوائجه كما ورد في الخبر عن الإمام الصادق عليه السلام.
9 - الاجتماع في الدعاء: فإنه كلما كثر الداعون، كثر احتمال الإجابة، فربما كان الداعي غير جدير بها فيستجيب الله له تبعاً لغيره ممن يكون لائقاً بذلك من الله. وقد أمر الله تعالى بالاجتماع للدعاء فقال: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ (الكهف:28). وعن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "ما اجتمع أربعة قط على أمر فدعوا الله تعالى إلاّ تفرّقوا عن إجابة"15.
10 - الخشوع: لأنّ الخشوع والخضوع والخشية والشعور بالرهبة بين يديه تعالى يجعل القلب مستعداً لنيل البركات والفيوضات التي يفيضها الله على قلب الداعي ما يجعله مقبلاً على الله غير مُدبر عنه، وهذا غاية ما يروم العبد الوصول إليه.
11 - البكاء حالة الدعاء: لأنه دلالة على رقة القلب ورهافة الإحساس، وهو دليل على الإخلاص والتّوجه المطلق إليه تعالى. وقد ورد في الخبر عن الإمام الصّادق عليه السلام: "إذا اقشعرّ جلدك ودمعت عيناك ووجل قلبك فدونك دونك فقد قصد قصدك"16.
12 - الدعاء للإخوان والتماسه منهم: وهذا من روائع الإسلام الذي يجعل الفرد محباً للجماعة طالباً الخير لها، ففي الخبر عن الإمام الصادق عليه السلام: "من قدّم أربعين من المؤمنين ثم دعا استجيب"17.
13 - رفع اليدين حال الدعاء: فقد كان رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم يرفع يديه إذا ابتهل ودعا كما يستطعم المسكين.

* القسم الثالث:آداب بعد الدعاء
أمّا الآداب التي ينبغي مراعاتها بعد الدعاء فهي:
1- معاودة الدعاء: سواء استجيب دعاؤه أم لم يستجب، فإن كان الدعاء قد استجيب كان تكرار الدعاء نحواً من الشكر، وإن لم يستجب كان الدعاء المتكرر نوعاً من الإلحاح وكلاهما مطلوب. وعند عدم الاستجابة يكون ترك التكرار دالاً على سوء الظن بالله واليأس من رحمته.
2 - المسح باليدين على الوجه: وهذا من الآداب المتأخرة عن الدعاء لأنهما تمتلئان بالبركة والخير حين الدعاء، وبالمسح بهما على الوجه يضيء الوجه نوراً وخيراً، ففي الخبر عن الإمام الصادق عليه السلام: "ما أبرز عبد يده إلى الله العزيز الجبار إلاّ استحى الله عزّ وجلّ أن يردّها صفراً، فإذا دعا أحدكم فلا يرد يده حتى يمسح على وجهه ورأسه"18.
3 - أن يكون بعد الدعاء خيراً منه قبله: فإن الدعاء عبادة، والعبادة تهذّب الإنسان وتنهاه عن الفحشاء والمنكر، وتتحوّل به من حال إلى حال أفضل، فضلاً عن أن الذنوب إذا ما وقعت بعد الدعاء ربما منعت من إجابته.


1- الأحاديث من كتاب "الدعوات سلوة الحزين"، قطب الدين الراوندي، ص18.
2- عقائد الإماميّة، المظفر، ص88.
3- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج5، ص272.
4- الوافي، الفيض الكاشاني، ج6، ص694.
5- بحار الأنوار، المجلسي، ج90، ص347.
6- الوافي، م.س، ج3، ص289..
7- بحار الأنوار، م.س،ج74، ص173.
8- ميزان الحكمة، الريشهري، ج3، ص1803.
9- بحار الأنوار، م.س، ج81، ص252.
10- الكافي، الكليني، ج2، ص473.
11- الوافي، م.س، ج9، ص1515.
12- عدّة الداعي ونجاح الساعي، ابن فهد الحلي، ص149
13-  م.ن، ص 147.
14-  م.ن، ص 154.
15-  م.ن، ص 158.
16-  م.ن، ص167.
17- م.ن، ص 182.
18- م.ن، ص 210.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع