نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

نور روح الله: شرف المؤمن وزينة الآخرة


عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام قال: "كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: نبّه بالتفكّر قلبك، وجافِ عن اللّيل جنبك، واتّقِ الله ربّك"(1).

*كمال صلاة اللّيل وفضيلتها
في هذا الكلام المبارك يقرن الإمام عليه السلام الأعمال القلبيّة والتفكّر المنبّه، وتقوى الله تعالى، بإحياء اللّيل ومجافاة الفراش من أجل العبادة. وهذا دليل على كمال صلاة اللّيل وفضيلتها وأهميّتها. كما أنّ الأحاديث الشريفة تمجّد هذا العمل الشريف كثيراً. ويُستدلّ من سيرة أئمّة الهدى عليهم السلام والمشايخ العظام والعلماء الأعلام أنّهم كانوا مثابرين على أدائها، بل كانوا يحرصون على اليقظة في الهزيع الأخير من اللّيل، بصَرف النظر عن التعبّد فيه. لقد جاء في كتاب (وسائل الشيعة) - الذي يُعتبر من أعظم كتب الإماميّة، ومدار المذهب ومرجع العلماء والفقهاء - واحد وأربعون حديثاً في فضلها، والعديد من الأحاديث في كراهية تركها. وهناك، بالطبع، أحاديث كثيرة جدّاً في كتب الأدعية وغيرها، ولكننا، من أجل التيمّن والتبرّك نورد بعضاً منها:
"عن الكافي بإسناده عن معاوية بن عمّار قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: كان في وصيَّة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لعليّ قوله: يا عليّ! أوصيك في نفسك بخِصال فاحفظها، ثم قال: اللهمَّ أَعِنْهُ... إلى أن قال: وعليك بصلاة اللّيل وعليك بصلاة اللّيل وعليك بصلاة اللّيل"(2).
يتبيَّن من صدر هذا الحديث وذيله ما لصلاة اللّيل من أهميّة.

*رداء الخلّة
وثمّة أحاديث كثيرة أشير فيها إلى أنّ صلاة اللّيل هي شرف المؤمن، وزينة الآخرة، مثلما أنّ المال والبنين زينة الحياة الدنيا.

"وعن العلل بإسناده إلى جابر بن عبد الله الأنصاريّ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ما اتّخذ الله إبراهيم خليلاً إلّا لإطعام الطعام والصلاة باللّيل والناس نيام"(3). إنّنا لا نعلم شيئاً عن عَظَمة رداء الخَلّة وما يعني مقام اتّخاذ الله تعالى العبد حبيباً وخليلاً. فكلّ العقول تعجز عن تصوُّر ذلك. فلو أنهم أكرموا الخليل بكلّ ما في الجنَّة من نِعَم، فإنّه لا يلتفت إليها (ما دام مع خليله). وأنت أيضاً إذا كان لك محبوب عزيز، أو كان لك صديق حميم ودخل عليك، فإنّك تترك كلّ نعمة ورفاه، وتستغني عن ذلك بجمال المحبوب ولقاء الصديق، بالرغم من أنّ هذا المثل بعيد عن المقام بُعد المشرقين.

*الله لم يبيِّن ثوابها
وعن عليّ بن إبراهيم بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "ما من عمل حسن يعمله العبد إلّا وله ثواب في القرآن إلّا صلاة اللّيل فإنّ الله لم يبيِّن ثوابها لعظيم خطرها عنده فقال: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" (السجدة: 16-17)(4).

ترى ما قرَّة العين هذه التي يدّخرها الله ويخفيها حتّى لا يعلم أحد عنها شيئاً؟ وما يمكن أن تكون؟ إنّها أعظم من أن ينوّه بها لأحد، وخصوصاً لأحد من أهل هذه الدنيا. إنّه لا تقارن نِعَم ذلك العالم بالنِّعم هنا، ولا تظننّ أنّ الفردوس والجنان تُشبه بساتين الدنيا. هناك دار كرامة الله ودار ضيافته. فكلّ هذه الدنيا لا شيء إزاء شعرة واحدة من الحور العين في الجنة، بل ليست شيئاً إزاء خيط من خيوط الحلل الفردوسيّة التي أُعدَّت لأهل الجنّة. ومع كلّ هذا الوصف، لم يجعلها الله ثواب من يؤدّي صلاة اللّيل، وإنّما ذكرها من باب التعظيم له. ولكن هيهات! نحن الضعفاء في الإيمان لسنا من أصحاب اليقين، وإلّا لما كنّا نستمرّ في غفلتنا، ونعانق النوم حتّى الصباح. لو أنّ يقظة اللّيل تكشف للإنسان حقيقة الصلاة وسرّها، لأنس بذكر الله والتفكّر في الله، ولجعل اللّيالي مركوبه للعروج إلى قربِهِ تعالى، ولمّا كان ثمّة ثواب له إلّا جمال الحقّ الجميل وحده.

*علينا أن لا نيأس
الويل لنا نحن الغافلين الذين لا نستيقظ من النوم حتى آخر العمر. نبقى في سكر الطبيعة غارقين، بل نزداد كلّ يوم سكراً وغَفلة، ولا نفهم شيئاً سوى الحالة الحيوانيّة من مأكل ومشرب ومنكح، ومهما فعلنا، وإن كان من سنخ العبادات، فإنّما نفعله في سبيل البطن والفرج. أَتَحسب أنّ صلاة خليل الرحمن كانت مثل صلاتنا؟ الخليل لم يطلب حاجة حتّى من جبرائيل، ونحن نطلب حاجاتنا من الشيطان نفسه ظنّاً منّا بأنّه يقضي الحاجات! ولكن علينا أن لا نيأس. فلعلّك بعد مدّة من سهر اللّيالي والاستئناس بذلك والاعتياد عليه، يُلبسك الله بلطفه الخفيّ خلعة الرحمة. كما أنّ عليك ألا تغفل عن سرّ العبادة بصورة عامّة، ولا تقصر همّك على التجويد في القراءة وتصحيح الظاهر فقط. ولئن لم تقدر أن تكون خالصاً لله تعالى، فاسعَ، على الأقل، من أجل قرَّة العين التي يخفيها الله عزَّ وجلّ، وتذكَّر الفقير، العاصي، الحيوانيّ السيرة الذي اكتفى من كلّ المراتب بالحيوانية. وإذا وجدت في نفسك الرغبة، فقل بخلوص نيَّة:
"اللهمَّ ارزقني التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل حلول الفوت"(5).


1- الكافي، الكليني، ج2، ص54.
2- وسائل الشيعة (آل البيت)، الحرّ العاملي، ج4، ص91.
3- م.ن، ص216.
4- م.ن، ج8، ص163.
5- مفاتيح الجنان، الشيخ عبّاس القمّي، أعمال ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع