أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

الآداب المعنوية للصلاة: إزالة موانع حضور القلب


إن الموانع التي تقف سداً أمام حضور القلب في الصلاة أما أن تكون ناشئة من الحس أوالخيال أو العقل أو القلب. فها هنا أربع مراتب من النفس، كل واحدة إذا تلوثت وفسدت فأنها تصبح مانعاً حقيقياً أمام تحصيل الحضور والخشوع في العبادات، فكثرة الانشغال بالأمور المادية والحسية تؤدي إلى انطباع الصور الكثيرة في الخيال وعندما يقف المصلي بين يدي اللَّه، فإن هذه الصور تهجم عليه كالسيل الجارف فلا تبقي له لحظة انس وحال مناجاة.

وانشغال الإنسان بالأمور الخيالية كالتصاوير البرزخية يؤدي إلى تشتت الخيال وكثرة الخواطر، كما يحدث مع الذين يشتغلون بالشعر والفن والرسم وأمثاله، وهذا الاشتغال المستمر قد يحرمهم من الالتفات إلى المعاني المجردة والأمور المعنوية الخالصة.
وعندما ينصرف جل اهتمام المرء إلى تحصيل العلوم العقلية والمعارف الاصطلاحية، ويصبح أكبر همه جمع البراهين اليقينية، ومعرفة آراء أصحاب الفنون العلمية يتحول عقله إلى مجمع للكثرات اللفظية التي تمنعه من إدراك المعاني القلبية، كما حدث بالنسبة للفلاسفة الذين فسروا الإيمان بالمعرفة واللقاء بالعلم.

وإذا صار قلب الإنسان أسيراً للدنيا ومتوجهاً إلى لذاتها تسيطر عليه همومها ويستغرق في متاهاتها التي لا تنتهي، كما قال أمير الموحدين عليه السلام:
"أما بعد، فإن الدنيا مشغلة عن غيرها، ولم يصب صاحبها منها شيئاً إلا فتحت له حرصاً عليها ولهجاً بها، ولن يستغني صاحبها بما نال فيها عما لم يبلغه منها، ومن وراء ذلك فراق ما جمع..." (نهج البلاغة).
فللوصول إلى القلب قنوات تبدأ من عالم الحس وتمر بالخيال والعقل لتنتهي إلى القلب.. وعلى السالك الباحث عن حضور القلب أن يطهر هذه القنوات ويصفي هذه المجاري، ليسري فيها نور الذكر وتشع في ساحة القلب أضواء العبادة.

ولكن ينبغي الالتفات إلى هذه المسألة عند البدء بعملية إزالة الموانع وتصفية القنوات، وهي، أن بعض هذه الموانع ينشأ من أمور طبيعية لا يجوز للإنسان أن يقتلعها، والبعض الآخر يكون نتيجة خبث الباطن وسوء الأفعال والأعمال، ويجب عليه أن يقتلع جذورها ليحصل له الحضور.
فإن ارتباط الإنسان بعالم الحس أمر طبيعي وهو مقتضى وجوده في عالم الدنيا، ولا يجوز للإنسان بأي شكل أن يتعمد البعد عن المحسوسات بحجة تحصيل الخضوع والتوجه، والإمام عليه السلام يورد إشكالاً في "الآداب المعنوية للصلاة" على أولئك الذين يعتمدون هذه الطريقة أثناء الصلاة: "مثل أن يصلي الإنسان في غرفة مظلمة أو مكان خال ويغض عينيه، ولا يصلي في المواضع التي تجلب النظر" فيقول: "ولكن من المعلوم أن هذا لا يرفع المانع ولا يقلع المادة لأن العمدة هي تصرف الخيال".

والإمام يفتي بكراهة إغماض العين أثناء الصلاة (أنظر تحرير الوسيلة) ولعل الاشتباه الذي وقع فيه البعض ناشئ من عدم التمييز ما بين السبب الحقيقي والنتيجة.

لقد بين الشرع الأنور حدود الارتباط بعالم الحس، وليس من المعقول ان تكون رؤية الأشياء مطلقاً والاستماع إلى أي صوت وملامسة أي شيء هي الصبب والعلة لتشتت الخيال، بل أن النظر إلى الأمور المحرمة والمكروهة والاشتغال الدائم بالأمور الحسية دون إعطاء القلب حظه من المعنويات كل هذا يترك المجال لهذه الصور لتدخل إلى بيت الخيال وتعبث به.
إن النظر الحرام، أو كثرة النظر إلى الزينة، والتفرج على الأسواق والملاهي، والاستماع إلى الغناء أو مجالسة أهل اللغو والمزاح بلا طائل وكثرة الكلام، كل هذه تكون سبباً لضعف وزوال المعنويات.
وأن القول بأن العين تخطئ والأذن تخطئ هو تعبير مجازي، لأن العين لا تملك سلطة القرار من نفسها، بل هي مأمورة وخاضعة للقوى النفسانية وقد ورد في الروايات أن "القلب هو أمير البدن" ولا يفعل الإنسان أي فعل بدون أمر يصدره القلب. نعم، على أثر العادة والتكرار المستمر قد يتوهم الإنسان عدم وجود هذا الرابط في السلطة والقرار، ولكن الواقع أن هذه الأعضاء لم تعد بحاجة إلى قرار تتم دراسته على مهل لأن خبث النفس- وكذلك طهارتها- يسري في المملكة الظاهرية مباشرة وبدون واسطة، وعلى المرء أن يبحث عن فساد العين وفساد اللسان في القلب الفاسد.

أما تكدر الخيال وتشتته والذي يعتبر من أكثر الموانع صعوبة فأنه ينبع من الطبيعة المطلقة لهذه المرتبة من النفس، أي أن هذا الخيال إذا ترك وشأنه دون تقييد وضبط أو رياضة وتوجيه فأنه يكون كطائر من غصن إلى غصن. وهذا قد يكون بمعزل عن الأمور القلبيية الفاسدة وكما يقول الإمام:
"بل كون الخيال فراراً مصيبة يبتلى بها الناس حتى التاركين للدنيا ولا شك أن المنشأ الثاني لتشتت الخيال هو حب الدنيا وتعلق الخاطر بالحيثيات الدنيوية التي هي رأس الخطايا وأم الأمراض الباطنية، والواقع أن هذا المنشأ يرتبط بالمرتبة القلبية، لذلك فإن علاجه سيأتي عند الحديث عنها بأذن اللَّه.
أما علاج الطبيعة الإطلاقية للخيال فيحصل بعد الاقتناع بأن جميع القوى الإنسانية قابلة للتربية والترويض، فالإمام يقول في هذا المجال:
"فاعلم أن كلاً من القوى الظاهرية والباطنية للنفس قابل للتربية والتعليم بارتياض مخصوص، فعين الإنسان مثلاً، لا تقدر أن تنظر إلى نقطة معينة أو إلى نور شديد كنور عين الشمس مدة طويلة من دون أن تغمض، ولكن، إذا رباها، كبعض أصحاب الرياضات الباطلة فيمكن أن تنظر إلى الشمس ساعات مديدة من دون أن تغمض أو تتعب، وكذلك يمكن له أن ينظر إلى نقطة معينة لساعاتٍ من دون أية حركة... وكذلك سائر القوى مثل حبس النفس، فإن في أصحاب الرياضات الباطلة أفراداً يحبسون أنفاسهم مدة زائدة عما هو متعارف عليه".

ورغم أن الإمام لا يوافق أبداً على هذه الرياضات وأهدافها التي تندرج تحت عنوان سلطنة النفس ورؤيتها وإظهار آنيتها، إلا أنه ساق هذه الأمثلة ليبين لنا أن ما يكون مستحيلاً في العادة وعند معظم الناس يصبح سهلاً وعادياً بالرياضة والتمرين، لذلك لا ينبغي أن ييأس المصلي بعد بعض محاولات للسيطرة على الخيال وعدم تشتته يقول الإمام:
"ومن القوى التي تقبل التربية قوة الخيال وقوة الواهمة فإنهما قبل التربية كطائر فرار ومتحرك لا يعرف التوقف، يطير من غصن إلى غصن ويتحرك من شيء إلى شيء آخر، بحيث أن الإنسان إذا أراد أن يحبسه دقيقة واحدة يرى أنه ينتقل بشكل متسلسل ولاسباب واهية وسخيفة جداً، حتى ظن كثير من العلماء أن حفظ طائر الخيال وجعله طائعاً من الأمور الخارجة عن حيز الإمكان وملحق بالمحالات العادية".

فإذا اقتنع المصلي بأهمية الرياضة وجرّب الأمر لفترة يدرك أهميته ويندفع لأجله، هذا، بالرغم من أن المسألة لا تتوقف عند هذه القناعة لأن العهدة في هذا الباب الشعور بالاحتياج إلى الصلاة وإلى المعنويات، يقول الإمام:
"ولكن العهدة في هذا الباب هو حس الاحتياج الذي هو فينا قليل، وإن قلوبنا لم تؤمن بأن رأس المال في سعادة العالم الآخر ووسيلة العيش في الأيام اللامتناهية هو الصلاة!!".
وما دام المصلي لا يرى في الصلاة باب النجاة ومعراج القرب وطريق الخلاص وحقيقة الانقطاع فلن يقبل على الرياضة والمجاهدة وأن كان مقتنعاً بها.

ولكن على كل حال نذكر هنا طريقة لعلاج هذه الطبيعة ونترك المجال لعلاج حب الدنيا إلى مقال آخر. يقول الإمام الخميني قدس سره:
1- "والطريق العهدة لهذا التطويع هو العمل على الخلاف وطريقه: أن الإنسان حينما يريد أن يصلي يهيئ نفسه لحفظ خياله في الصلاة وحبسه في العمل" وهذا هو الاستعداد النفسي والتوجه الأولي الذي ينبغي للمصلي أن يستحضره قبل الصلاة.

2- "وبمجرد أن يريد الخيال الفرار من يد الإنسان يسترجعه فوراً"
.

3- "ويلتفت إلى حاله في جميع حركات الصلاة وسكناتها وأذكارها وأعمالها ويفتش عن حاله ولا يدعه على رسله...".
وهذا هو الالتفات المستمر والاستحضار الدائم للمجاهدة أثناء الصلاة بشرط الالتفات إلى نفس الصلاة وأذكارها، لأن هذا الالتفات مع ذلك التوجه وتلك الرياضة هي الكفيلة بالسيطرة على الخيال وخضوعه للصلاة.

4- "وهذا في أول الأمر ربما يبدو أمراً صعباً، ولكنه بعد العمل فيه لمدة وبدقة وعلاج يصبر طائعاً حتماً ويرتاض على الإطاعة" وهذا هو الثبات اللازم الذي هو أحد أسرار تكرار العبادات وخصوصاً الصلاة اليومية.

5- "فأنت لا تتوقع أن تتمكن في أول مرة من حفظ طائر الخيال في كل الصلاة، فإن هذا الأمر غير ممكن ومحال البتة، ولعل الذين ادعوا استحـالة هذا الأمر كانوا يتوقعون ذلك منذ البداية".

6- "ولكن الأمر لا بد أن يكون بكمال التدرج والتأني والصبر والتأمل فيمكن أن يحبس الخيال في أول الأمر في عشر من الصلاة فيحصل حضور القلب في هذا العشر... وهكذا".

وقد ورد في الأحاديث الشريفة أن الصبر له الموقعية ال
كبرى في الإيمان الذي هو القرب منها:
"أن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد فكما أنه لا خير في جسد لا رأس معه، كذلك لا خير في إيمان لا صبر معه".
ولذلك جاءت الوصية بالصبر على الصلاة، بل قد جاء في التفاسير تفسير الصبر بالصلاة لأن الصلاة تقوم عليها، قال اللَّه تعالى:
ـ  ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى  (طه: 132).
ـ   ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا  (مريم: 65).

فإذا كان أحدنا يريد سلوك هذا الطريق، هل يظن أن مجرد الطلب والتوجه كافٍ؟ أن السلوك بهذا الفتور والقدم العرجاء لا ينتهي إلى ما اعد اللَّه لنا من مقام أمين.
ونذكر هنا في خاتمة المطاف وصية للإمام جامعة بالغة قد يكون لنا معها وقفة طويلة في لقاء آخر، تستبطن التحذير من مرض الاعتماد على النفس والغرور بها:
"ومن الوظائف المهمة للسالك إلى اللَّه والمجاهد في سبيل اللَّه أن يرفع اليد كلياً خلال مجاهداته وسلوكه عن الاعتماد على نفسه، ويكون بجبلته متوجهاً إلى مسبب الأسباب، وبفطرته متعلقاً بمبدأ المبادئ، ويطلب من ذاته المقدسة العصمة والحفظ، ويعتمد على تأييد ذاته الأقدس ويتضرع في خلواته إلى حضرته ويطلب إصلاح حاله مع كمال الجد في الطلب منه تعالى، فأنه لا ملجأ دون ذاته المقدسة والحمد لله".

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع

الانتباه ي الصلاة

انوار

2015-07-17 17:50:23

السلام عليكم انا احاول منذ فترهالانتباه في الصلاه وعندما اسمع كلامكم قد انبه ليوم او يومين ثم اعود