صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

منبر القادة: أعزّاء... بالحسين عليه السلام (*)

السيد عباس الموسوي قدس سره

لا تزال هذه الأيَّام أيام الإمام الحسين عليه السلام التي يجب أن ندرس كل مرحلة من مراحلها، وكلّ ناحية من نواحيها، لأننا نستطيع من خلال فهمنا واستيعابنا لها أَخْذَ درس عظيم.

*هيهات منّا الذلّة
إنَّ أهمّ مسألة ملفتة في ثورة الإمام الحسين عليه السلام هي مسألة العزّة، ففي ثورته كثير من الجوانب المهمة، ولكن نجد أن العزّة والكرامة لازما كلّ الخطوات التي قام بها، سواء عندما طُلب منه، وهو في المدينة المنوّرة، إعطاء البيعة ليزيد، أو عندما توجّه إلى مكة المكرمة، أو عندما كان متوجّهاً إلى كربلاء، أو عندما وصل إليها، وحتى عندما أعلن رفضه البيعة، علّل هذا الرفض بالعزّة: "هيهات منّا الذلّة"(1)!
يجب أن تُدرس هذه المسألة بدقَّة، لأنها تُقدّم أكبر درس في ثورة كربلاء. فالعزّة ليست مسألة مادية، وإنما هي مسألة معنويّة محضة. وغالباً ما تغيب هذه المسألة المعنوية عن الإنسان.

قد يفكر الإنسان ويعتبر أنه أحاط بكثير من المسائل، أما مسألة العزّة فإنه، وإن وصل إليها، لا يفكر فيها، أو يتجاوزها. بينما نجد أنَّ الإمام الحسين عليه السلام اعتبرها أساس الثورة، والمنطلق الأساس لرفض البيعة ليزيد بن معاوية. ولذلك عندما تكون المسألة بهذا المستوى في نظر أبي عبد الله الحسين عليه السلام ، فإنَّها تكون جديرة بالدرس والبحث والتوقف. ولعلّنا نقتبس منها معيار التعامل مع قضايانا في ضوء المنهج الذي سار عليه أبو عبد الله الحسين عليه السلام .

*الصراع أساسهُ العزَّة
قد يكون للصراع مع الأعداء، بشكلٍ عام، مظهر مادي، ولكن أساسه العزّة. ويجب مراعاة ذلك في جميع تفاصيل حياة الإنسان، وحتى في المشاكل الجزئية. فإذا دخل شخص إلى منـزلك عنوةً وبالقوة مثلاً، ثم قال لك: أنا مستعد أن أخرج من البيت، وعندما ينفّذ ذلك، يجب عليك أن تقبل وترضى، وكأن المشكلة مقتصرة على البيت، وهي ليست كذلك. مَن يلحظ العزّة والكرامة يرفض لأنَّه يعتبر أن المشكلة ذات شقين: شق مادي وهو البيت، وشقّ معنويّ هو الكرامة. ولا شكَّ في أنَّ الاعتداء المعنوي هو الأهم، وليست المسألة هي مسألة الجدران والسقف والأرض والأعمدة، بل المسألة أولاً، مسألة كرامته وعزّته، بذلك يكون هذا الإنسان إنساناً.

وهذه هي الحال أيضاً على مستوى المشاكل الكبيرة مع الأعداء، فعندما يدخل عدو إلى أرض المسلمين، ويعتدي عليها، فلا يجب التعامل معه فقط على أساس مسألة الأرض، أو على القاعدة المتداولة "الأرض مقابل السلام". ولو تعاملنا مع العدو، فقط، على أساس هذه المسألة، فإن في ذلك ذلّاً ومهانةً لنا. وهل يقبل أحد ذلك؟ أليس من الواجب أن يطالب شخص ما بكرامته بعد أن اعتُدي على أرضه؟ فأن لا يحدث ذلك هو المذلّة والمهانة.

*الحياة في موتكم قاهرين
إن المسألة المعنوية هي أساس. ولو كانت مسألة الأرض هي الأساس في ثورة الإمام الحسين عليه السلام ، لملك الأرض والقصور، ولأصبح بين يديه الشيء الذي يريده!
عندما ندرس تاريخ الإمام الخميني، نجد أنَّ في حياته هي النهج الذي نهجه الإمام الحسين عليه السلام ، والأسلوب الذي كان يفكّر به.
وهذا ما ينطبق عليه قول الإمام علي عليه السلام : "والحياة في موتكم قاهرين"(2).

عندما يتضايق الإنسان المؤمن، فإنّه يقول: أريد أن أموت موتاً عزيزاً، ليسجَّل مع الشهداء. وهذا هو المصداق الذي يفسِّر فقط معنى الرواية الشريفة التي وردت عن أحد أئمتنا الأطهار عليهم السلام والتي بدأت بـ: "يخرج رجل من وُلد الحسين"، فلماذا لم يقل من وُلد علي بن أبي طالب عليه السلام ؟

إنَّ علي بن أبي طالب عليه السلام صلب جدّاً، ولكن الإمام الحسين عليه السلام ، وبما تضمنت كربلاء من معانٍ ثورية، تحوّل إلى مدرسة من نوع آخر: "يخرج رجل من وُلد الحسين، لو استقبلته الجبال لهدّها، واتخذ فيها طرقاً"(3). أي: مهما تعالت الصعاب والجبال في وجهه، فإنَّ الله يصنع له في قلب هذه الجبال طرقاً ليصل بها إلى هدفه.

*حتى نتقدّم إلى الأمام
يجب أن نتربّى على هذا النهج في تفكيرنا، وفي قضايانا الإسلامية الكبرى، وعلى رأسها مسألة القدس، وإلّا إذا تنازلنا، ولو قليلاً، وشممنا رائحة التراب، وطغى على تفكيرنا الوهن، لن نتمكن من أن نتقدّم ولو خطوة واحدة.
نحن لا نستوحش في طريق الهدى لقلة أهله، وهذه هي القاعدة التي تعلّمناها من الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام (4)، ومن الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام الذي لم يستوحش بالقلَّة القليلة التي رافقته إلى كربلاء.
وكذلك مسلم بن عقيل الذي وجد نفسه وحيداً في الكوفة، قاتل بكل عزّة، وعندما دمعت عيناه وبكى، ظنّ العدو أن فيه ضعفاً، لكنه أبى وكان يقول إنه لا يبكي لنفسه، بل يبكي لغربة أبي عبد الله الحسين عليه السلام (5).

أسأل الله الذي نصر محمداً صلى الله عليه وآله وسلم وأعزّه أن ينصرنا على القوم الظالمين، وأن يثبّت أقدامنا على دينه، وأن يجعلنا من الحماة لدعوته ورسالته.


(*) خطبة ألقاها سماحته بتاريخ 12/9/1986.
1- ميزان الحكمة، الريشهري، ج3، ص2688.
2- نهج البلاغة، الإمام علي عليه السلام ، الخطبة 51.
3- الملاحم والفتن، ابن طاووس، ص179.
4- نهج البلاغة، خطبة 201.
5- روضة الواعظين، الفتال النيسابوري، ص176.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع