نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

وصايا العلماء: الخواطر باب الغفلة

آية الله الشيخ جوادي الآملي(حفظه الله)


بعد الحديث في العدد السابق عن أبرز موانع السير والسلوك: الغفلة، وما يقابلها، أي اليقظة، نكمل في هذا العدد الحديث عن عوامل الغفلة وأسبابها.

*الفضول والعقول
من جملة موانع تهذيب النفس والسير والسلوك إلى الله تعالى أننا نتطلّع باستمرار إلى خارجنا ونغفل عن أنفسنا. وفي الحقيقة نحن "فضوليون" ولسنا "عقوليين". والفرق بين "لفضول" و"العقول" أن الشخص العقول يتطلّع بدايةً إلى داخله، ثم إلى خارجه. والفضول يتطلّع باستمرار إلى خارجه وهذه هي مشكلتنا التي ذكر الإمام علي عليه السلام شرحها المفصّل في إحدى خطبه بعد قراءة الآية الشريفة: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (الانفطار: 6).

يقول الإمام عليه السلام: "يا أيها الإنسان ما جرأك على ذنبك وما غرك بربك وما آنسك بهلكة نفسك؟ أما من دائك بلول، أم ليس من نومتك يقظة؟ أما ترحم من نفسك ما ترحم من غيرك..؟ فربما ترى الضاحي لحر الشمس فتظلّه، أو ترى المبتلى بألم يمضّ جسده فتبكي رحمة له، فما صبرك على دائك، وجَلَدُكَ على مصابك، وعزاك عن البكاء على نفسك، وهي أعزّ الأنفس عليك؟ وكيف لا يوقظك خوف بيات نقمة... وأيم الله لو أن هذه الصفة كانت في متفقين في القوة، متوازيين في القدرة لكنت أول حاكم على نفسك بذميم الأخلاق ومساوي الأعمال. وحقاً أقول ما الدنيا غرتك ولكن بها اغتررت"(1).

*إصلاح النفس.. واجب
ذلك أن "الفضول" هو الذي يؤدّي الزائد من الأعمال ولكن إذا حكم العقل فقام الإنسان بإصلاح نفسه جعل إصلاح الآخرين جزءاً من حسن الخلق.
نكون مكلفين بإصلاح الآخرين عندما نصلح أنفسنا؛ ولا يمتلك أي شخص حق القول: بما أنني لم أبادر إلى إصلاح نفسي فلا يجب عليَّ إصلاح المجتمع، بل هو مكلّف بإصلاح نفسه بسرعة.

قد نقول تارة: نحن لسنا أطباء ولا يحق لنا المعالجة. هذا كلام حق وينبغي أن لا يقوم شخص بإجبارنا على دراسة الطب. وعليه، فإذا لم نتمكّن من علاج مرض ما، فعذرنا مقبول، لأن ذلك ليس باستطاعتنا، ولكن إذا كان شخص ما يعاني من مشكلة أخلاقية فلا يمكننا القول إننا عاجزون عن إصلاحه لأننا لم نصلح أنفسنا؛ لأن الإنسان مكلّف بإصلاح نفسه باستمرار. وإصلاح النفس هو في استطاعة كل إنسان وإلا لم يجعله الله تعالى واجباً علينا. طبعاً الأمر صعب في البداية إلا أن صعوبته كاذبة وما كانت صعوبته كاذبة فسهولته صادقة.

بناء على ما تقدم، فإصلاح النفس سهل، والإنسان هو الذي يظن صعوبته. يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "... فما صبرك على دائك وجَلَدُكَ على مصابك وعزاك من البكاء على نفسك...".

*يروي روحه والآخرين
العقل هو أن يَشبع الإنسان من الطعام الموجود على المائدة ويُشْبع به الجائعين. وهكذا الأمر في خصوص غذاء الروح وتهذيب الأخلاق. الإنسان مكلّف بإرواء روحه العطشى بالفضائل والكرائم الأخلاقية ثم يبادر إلى إرواء الآخرين بمقدار منها أي أن يعمل على تهذيب الآخرين بعد تهذيب نفسه.

إذا لم نصلح أنفسنا، فنحن في الحقيقة لا نحب المعروف ولا نكره المنكر وإلا لعملنا بالمعروف وابتعدنا عن المنكر. وبناءً على هذا التحليل العلوي يتضح من هو الفضول ومن هو العقول!
يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في العقول أيضاً: "إن ربي وهب لي قلباً عقولاً ولساناً سؤولاً"(2).
القلب العقول هو الذي يفكر مع العقل، واللسان السؤول هو كثير السؤال الذي يسأل عن كل ما لا يعلم.

*الخواطر من أسباب الغفلة
للغفلة عوامل وأسباب عديدة من أبرزها الخواطر غير المتوقّعة. ونبدأ شرح هذا المطلب بهذه المقدمة:
عندما نريد القيام بعمل ما نكون في بدايَته غير عارفين به وغير متخصصين، بعبارة أخرى: لا يكون ذاك العمل "ملكة" لدينا. ومن هنا، فنحن نقوم به بداية بصعوبة لنصبح بعد ذلك معتادين عليه حتى يصبح ملكة عندنا.

أنبياء الله تعالى وأولياؤه يأتون بالفضائل الدينية بسرعة وسهولة؛ وقد تحدث الله تعالى عن نوح عليه السلام والرسول صلى الله عليه وآله وسلم باعتبار أن كل واحد منهما عبد شكور؛ لأن شكر الله تعالى كان يصدر عنهما بسهولة كبيرة.
يقول الله تعالى حول شخص الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى (الأعلى: 8) بمعنى أنك أصبحت ميسراً لأعمال الخير وليس بمعنى أن أعمال الخير أصبحت ميسرة لك.
وجاء حول موسى الكليم عليه السلام أيضاً: ﴿وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (طه: 26).

هناك فرق كبير بين أن يصبح جوهر ذات الإنسان مصدر أعمال الخير بسهولة، كما ورد في حقّ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وبين أن تتيسّر أعمال الخير له، وهو ما ورد في موسى الكليم عليه السلام في القرآن الكريم.
على كل الأحوال، معنى الآية الكريمة عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم تقول: "أنت جوهر شفّاف تنبع منك أعمال وخصال الخير بسهولة". العظماء موفقون في العطاء، والإيثار، ويأتون بأعمال الخير بسهولة. هكذا كان أهل البيت عليهم السلام ﴿يُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (الإنسان: 8). بينما كان صعباً عند الآخرين إيثار اللّقمة الخاصة بهم وإعطاؤها للمسكين.

*انسجام الظاهر والباطن
ويكون سير تحوّل الإنسان بحيث يصدر عنه عمل الخير بداية بشكل عادي ثم يصبح ملكة فيصدر عنه حينذاك عمل الخير بسهولة.
وهكذا هي الخواطر، في البداية ترتسم في الذهن مجموعة من الخواطر نتيجة ما يقال وما يسمع ونتيجة المشاركة في المجالس وقراءة بعض الإصدارات، وعندما تتراكم، تتهيّأ أرضية الشوق فتكون في النهاية منشأ "ملَكة نفسانيّة" توقظ الخواطر في الذهن، فيغفل الإنسان عن ذكر الله والمعاد.

لذلك، فالإنسان الطبيعي يفكر دائماً في مسائل الملذات المادية. وأثناء الانشغال بالعمل يشغل بدنه وفكره، وفي هذه الحالة يتلاءم الظاهر والباطن، حيث يتجه البدن نحو الملاهي ويتحرك القلب نحو المكان نفسه؛ يتوجه القالب [البدن] نحو العمل اللذيذ المتعلق بالمال مثلاً والقلب يتوجه أيضاً نحو ذلك. ولذا، في حال الصلاة، عندما يركع ويسجد في الصلاة، فإن الذي يركع ويسجد هو بدنه، فيما يكون فكره متوجّهاً نحو اللذائذ المادية وروحه تتوجه نحو المال، وهذه الحالة لا يتلاءم فيها الظاهر مع الباطن.


1- نهج البلاغة، من كلام له عليه السلام (223).
2- بحار الأنوار، المجلسي، ج30، ص670.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع