مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الآداب المعنوية للصلاة: في آداب الشهادة بالرسالة



السيد عباس نور الدين


ما زال الحديث حول الآذان والإقامة، اللذين هما من مقدمات الصلاة، ولهما تأثير كبير في تهيئة السالك للدخول إل الصلاة التي هي الحرم الأكبر ومقام القرب وساحة الحضور. وإن عظمة الصلاة تتجلى من خلال هذه المقدمات المعنوية التي تسبقها، وفيها أسرار كثيرة لا تحصى، وآداب جمة لا تتيسر إلا للكمل.

وفي الآذان والإقامة ينبغي أن يشهد المصلي برسالة محمد نبي الله. أما بالنسبة للشهادة بالولاية لأمير المؤمنين عليه السلام وأولاده المعصومين عليه السلام فهي وإن كانت مستحبة عند كل شهادة بالرسالة، إلا أن إتيانها في الآذان والإقامة ينبغي أن يكون بنية القربى المطلقة، وليس على نحو الاستحباب (الآداب المعنوية - ص‏264).

ومع كل حال فإن الشهادة بالولاية مستبطنة في الشهادة بالرسالة. وعندما يشهد المصلي بهذه الرسالة الختمية لسيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم فإنه يكون قد شهد بالولاية للأئمة المعصومين (عليهم السلام) (الآداب - ص‏265).

إن لمثل هذه الشهادة أثراً عظيماً في التهيؤ للدخول إلى الصلاة فيما إذا روعيت آدابها. وهذه الآداب تقوم على معرفة مقدمات؛ وهي:
أ - إن حقيقة الشهادة وباطنها عبارة عن الاستمداد والتمسك بمقام روحانية هداة طرق المعرفة وأنوار سبل الهداية.
ب - وإن هذا الاستمداد شرط لطيّ الطريق والوصول إلى الله.

ويعد هذا الأمر الأخير من أهم مميزات المدرسة العرفانية، وينبع من رؤيتها لحقيقة الوجود. حيث يمثل الإنسان الكامل، العجز عنه بالولي والخليفة، المظهر الأتم لهذه الحقيقة، وبمعرفته يعرف الله تعالى، كما جاء: "بنا عُرف الله، بنا عُبد الله".
فلا يمكن فهم حقيقة هذه الرابطة بدون فهم هذه الرؤية العرفانية. بل قد يصل الأمر إلى حد إنكار مقام أهل البيت عليهم السلام بالكامل. ويروى أن محمد بن عبد الوهاب مؤسس الفرقة الوهابية الضالة كان يقول: "والله إن عصاي هذه خير من محمد وهو ميت". وهذا الكلام يعبر عن حقيقة اعتقاد هؤلاء الذين تغلغلوا في العالم الإسلامي تحت ستار التوحيد.
وحيث أن هذا المقال لا يتسع لمثل هذا البحث العقائدي، فإننا نكتفي بذكر إشارات من كلام الإمام حول هذه الرؤية، وعلى القارئ‏ البحث عن الجواب التفصيلي في مكانه.

* الرؤية العرفانية للوجود:
تبين الرؤية العرفانية الوجود على أنه حقيقة واحدة بسيطة منحصرة بالذات الإلهية المقدسة، وإن كل ما سواه هو مظاهر وتجليات هذه الحقيقة. وهذه المظاهر تتفاوت من حيث الوجود. فهناك من هو مظهر تام، وهناك من تكاد لا ترى فيه أية مظهرية.
فإذا نظرنا بعين الوحدة لا نرى سو الله، وإذا نظرنا بعين الكثرة لم نجد إلا المظاهر، والعارف الكامل هو ذو العينين. قال أمير المؤمنين عليه السلام: "وما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله معه وفيه وقبله".
وقد اقتضت حكمة الله سبحانه ظهور الوجود من معدن عظمته في نظام بديع هو عبارة عن عوالم تبدأ من المظهرية التامة لتتنزل إلى أسفل سافلين الذي هو عالم الطبيعة. كما أن مقتضى الحب الإلهي رجوع الكل إليه، حيث يعبر السافل إلى العالي ماراً بمراتب الوجود والظهور حتى يصل إليه.
كذلك اقتضت رحمة الله تعالى أن يكون الرجوع إليه من خلال وسائط الفيض. لذلك يقول الإمام: (وإذا لم تكن الواسطة موجودة فلا يعبر الفيض الثابت القديم. بحسب السنّة الإلهية. منه سبحانه إلى المتغير الحادث".

* من هو هذا الرابط؟
فرجوع الممكنات إلى الحق مشروط بالاستمداد من فيضه الأقدس، لأن التكامل ليس إلا سريان الفيض الإلهي في المظاهر، وبمقدار ما يسري من الفيض ينال الممكن من الكمال.
وليست هذه الوساطة من محدودية القدرة الإلهية. تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، بل من مظاهر الرحمة التي تتجلى في جميع أنواع الهداية.
وبعبارة أخرى، إن هذا النظام البديع الذي يقوم على أساس المراتب والحاجة إلى الوسائط هو من مظاهر قدرة الحق سبحانه ولطفه المطلق. وقد تجلى لطفه الشامل بجعل هذه الوسائط بينه وبين الممكنات، لأن كمال هذه الممكنات لا يحصل إلا بمثل هذا النظام الذي ه وفي منظر العارف الأجمل وفي بصر الحكيم الأحسن.
قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾. وإن الأمر بالسجود لهذا الخليفة المستجمع للأسماء: طريق عروج الممكنات. ومن يرفض يطرد ويكون من المرجومين.

* يقول الإمام الخميني قدس سره:
"وفي الذوق العرفاني يكون الرابط هو الفيض المقدس والوجود المنبسط الذي له مقام البرزخية الكبرى والواسطية العظمى. وهو بعينه مقام روحانية الرسول الخاتم وولايته المتحدة مع مقام الولاية العلوية المطلقة".
والحديث الشريف المروي عنهم عليهم السلام: "نحن أسماء الله الحسنى" (الآداب: 260) يشير إلى هذا المطلب. فإنهم عليهم السلام قد وصلوا إلى مقام الواسطة العظمى، وهي مجرى الفيض الإلهي وباب الله الذي منه يؤتى، يقول الإمام قدس سره:
"وبالجملة، فإن التمسك بأولياء النعم الذين اهتدوا إلى طريق العروج إلى المعارج وأتموا السير إلى الله من لوازم السير إلى الله. كما أشير إلى ذلك في الأحاديث الكثيرة. وقد عقد في الوسائل باب في أن العبادة بدون ولاية الأئمة والاعتقاد بإمامتهم باطلة".
وقد روي عن باقر العلوم عليه السلام أنه قال: "واعلم يا محمد أن أئمة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين الله، قد ضلوا وأضلوا. فأعمالهم التي يعملونها كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف، لا يقدرون مما كسبوا على شي‏ء ذلك هو الضلال البعيد" (الكافي).
وفي رواية أخرى عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: "أما لو أن رجلاً قام ليله وصام نهارة وتصدق بجميع ماله وحج جميع دهره ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه، فتكون جميع أعماله بدلالته إليه ما كان لهم على الله حق في ثوابه وما كان من أهل الإيمان".
وروى الصدوق بسنده عن أبي حمزة الثمالي قال: قال لنا علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام: أي البقاع أفضل؟ فقلت: الله ورسوله أعلم. فقال: إن أفضل البقاع ما بين الركن المقام، ولو أن رجلاً عمّر ما عمّر نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً يصوم النهار ويقوم الليل في ذلك الموضع، ثم لقي الله بغير ولايتنا لم ينفعه ذلك شيئاً".

فإذا علم السالك حقيقة الرابطة الوجودية للإنسان الكامل، وأدرك ضرورة الارتباط به والاستمداد منه في هذا الطريق، يصبح مؤهلاً لفهم حقيقة الشهادة وربطها بالآذان والإقامة. يقول الإمام قدس سره:
"وقد عُلم مما ذكر إلى الآن ارتباط الشهادة بالرسالة بالآذان وإقامة الصلاة لأن السالك في هذا الطريق الروحاني محتاج إلى التمسك بذاك الوجود المقدس حتى يعرج بذاك الوجود المقدس حتى يعرج بمصاحبته وتأييده عروجاً روحانياً" (الآداب: 262).
أي أن الشهادة تعبير عن هذا التمسك النابع من عرفان موقع وساطة النبي وآله(صلى الله عليهم أجمعين). وبمقدار ما يستحضر المصلي من هذه المعرفة أثناء أذانه وإقامته ينال من فيض الله وبركاته.

كما أن الشهادة تمثل إعلاناً لجميع قوى النفس عن حقيقة الصلاة التي كانت نتيجة الكشف التام المحمدي صلى الله عليه وآله وسلم. يقول الإمام الخميني قدس سره:
"... إن في هذه الشهادة إعلاناً للقوى الملكية والملكوتية بأن الصلاة التي هي حقيقة معراج المؤمنين ومنبع معارف أصحاب العرفان وأرباب الإيقان. هي نتيجة الكشف التام المحمدي صلى الله عليه وآله وسلم. وهو (صلوات الله عليه وآله) بسلوكه الروحاني والجذبات الإلهية والجذوات الرحمانية قد وصل إلى مقام قاب قوسين أو أدنى. وتبعاً للتجليات الذاتية والأسمائية والصفاتية والإلهامات الإنسية كشف حقيقة هذه الصلاة من الحضرة الغيبية الأحدية. وفي الحقيقة هي هدية لأمته خير الأمم جاء بها من هذا السفر المعنوي الروحاني ومن بها عليهم وأغرقهم في بحر النعمة..." (ص: 262).

* آداب الشهادة:
يقول الإمام الخميني قدس سره:
"وأما آداب الشهادة بالرسالة فهي أن يوصلها إلى القلب. وخصوصاً الشهادة بالرسالة الختمية التي جميع دائرة الوجود من عوالم الغيب والشهادة تتنعم تكويناً وتشريعاً ووجوداً وهداية من سقطات موائد نعم هذا الرسول الخاتم. وإن هذا السيد الكريم هو الواسطة لفيض الحق والرابط بين الحق والخلق. ولولا مقام روحانيته وولايته المطلقة لم يكن لأحد من الموجودات لياقة الاستفادة من مقام الغيب الأحدي، ولما عبر فيض الحق إلى موجود من الموجودات، ولما أشرق نور الهداية في عالم من عوالم الظاهر والباطن".

وخلاصة هذا الأدب هو السعي لإيصال حقيقة هذه الرسالة والولاية من العقل إلى القلب. ويحصل ذلك من خلال تكرار التوجه إليها حال الآذان والإقامة، وتأييد النبي صلى الله عليه وآله وسلم له إن شاء الله يقول الإمام:
"فإذا استقرت هذه العقيدة في القلب، وتمكن بالتكرار، يدرك السالك عظمة المقام وجلالة المحل حتماً. ويطوي هذه المرحلة بقدمي الخوف والرجاء. والمرجو منه صلى الله عليه وآله وسلم أن يؤيده إن شاء الله. ويقربه إلى مقام القرب الأحدي الذي هو المقصد الأصلي والمقصود الفطري، إذا قام السالك للأمر بمقدار قدرته.." (ص‏26).

إذاً، يقوم هذا الأدب على أساس إيصال الحقيقة إلى القلب من خلال:
1 - تكرار التوجه إلى مقام النبي وآله الذي هو مقام الواسطية الكبرى والولاية المطلقة.
2 - طي هذا الطريق بقدمي الخوف والرجاء. الخوف من عدم التوفيق الناشئ من سوء الظن بالنفس. والرجاء التام بأن الله سبحانه قادر، وفي أية لحظة على إيصاله إلى المقصود.
3 - الاستمداد من مقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم والتوجه إليه فهو المعين والمؤيد إن شاء الله.

* آثار هذه الشهادة:
قد مرَّ في طيات الكلام إشارات إلى الآثار الحاصلة من جراء هذه الشهادة. وأعظمها وصول المصلي إلى مقام القرب الأحدي. ويوجد آثار مرحلية ينالها السالك من خلال التوجه إلى حقيقة مقام النبوة والولاية، وذلك فيما إذا استقرت في القلب. فيقول الإمام قدس سره:
"فإذا أدرك القلب عظمتها، تخضع له سائر القوى الملكية والملكوتية وتنفذ الشريعة المقدسة في كل المملكة الإنسانية" (ص‏261).
وهذا الأثر هو حقيقة التقوى التي هي عبارة عن نفوذ الشريعة الإلهية في جميع مراتب النفس، بسبب استحكام المقام في القلب.

* علامة صدق الشهادة:
كل مصلّ يعلن الشهادة، لكن من هو الذي يشهد حقاً وصدقاً؟ يقول الإمام قدس سره:
"وعلامة صدق الشهادة ظهور آثارها في جميع القوى الغيبة والظاهرة ولا تتخل عنها". (ص‏262).

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع