يقول تعالى في كتابه العزيز في سورة القمر: (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مذكر).
حثّ الإسلام العزيز الناس على ضرورة قراءة القرآن وتدبّره وأشار إلى أنّه كتاب ميسّر لجميع البشر كلّ بحسب فهمه ودرجته العلمية وعمقه في تدبّر الكتاب العظيم.
وجاء الحث واضحاً بل صريحاً من حيث خطورة تعاهد القرآن وقراءته في الآية 88 من سورة الإسراء حيث قال عزّ وجل (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها).
وقد جاء في أول سورة الفرقان أنّه نذير لكلّ العالمين وليس لمجموعة خاصّة حيث قال تعالى: (تبارك الذي نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا).
وفي آية ثالثة: (وما يعلم جنود ربك إلاّ هو، وما هي إلاّ ذكرى للبشر) (المدثر/31)، قال العلاّمة الطباطبائي في الجزء 20 من تفسير الميزان: "وفي الآية دلالة على أنّ الخطابات القرآنية لعامة البشر".
وحول نفس المفهوم تحدثت الآية 185 من سورة البقرة: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان)، وكذا الآية 15 من سورة المائدة (يا أيها الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير، قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين).
أخي الكريم ثمّة حشد من الآيات التي تنسف مقولات كانت تهدف إلى إيجاد مانع بين القرآن وبين سائر البشر، فقد راجت مفاهيم واعتبارات وضعت حدوداً لفظية أو قل صورية للتعامل مع القرآن الكريم وثمّة عرف لا يقرّه العلماء هو أن أقصى ما يطلبه الإسلام من المسلم العامي هو إحكام تلاوته وتجويده للقرآن والاهتمام باللفظ دون المعنى لأن التفسير حكر على جماعة معينة.
إلاّ أنّ الإسلام العزيز يرى خلاف ذلك وهو إذ يعتبر أنّ لتفسير القرآن شروطاً إلاّ أنّه لا يعتبر تدبّر القرآن تفسيراً ولا سيّما أنّ الإحاطة بكلّ ما ورد في القرآن من معاني لا تتيسّر إلاّ للمعصوم الذي يعرف حقائق هذا القرآن وهو المكلّف الأول بتفسيره وتبيانه بشكله الكامل، بإذن من الله وبفيض منه تبارك وتعالى.. ولما كان القرآن كتاباً عاماً للعالمين، كان حقاً على الله تعالى أن لا يخلق الإنسان بطريقة تتعسّر – معها – عملية فهم القرآن.
كما أنّه حق على الله تعالى أن لا يترك مجالاً لأحد كي يتهرّب من مسؤوليته تجاه عبوديته للحق ومتابعته للحقيقة، فيصبح القرآن هنا كما المعصوم المرسل حجة على العباد يحتج الله.. بهما على كلّ من وصلته هذه الحقيقة ولم يعبأ بها، وهنا تحدّث الله مع الناس في القرآن بلغة الفطرة التي تنفذ إلى كلّ القلوب وتقبلها فلم يخاطب فئة دون فئة بل خاطب الناس أجمعين.
ولم تقترن خطابات القرآن مرحلة دون أخرى أو أنّها اقتصرت على زمن معين، بل إنّ عظمة هذا الكتاب الكريم أنّه ليس من الكتب التي يتعامل معها الإنسان لفترة وجيزة ويقرؤها لأيام طالت أو قصرت ثمّ يتركها إلى غير رجعة..
إنّما هذا الكتاب خطاب من البارئ عزّ وجل، يفترض بل يجب على الإنسان أن يخدمه صاغراً طيلة حياته حتّى ولو قدر الله له البقاء حياً إلى يوم القيامة.
حتّى أنّ الآيات والأحاديث أكّدت أنّ القرآن يكون شفيعاً يوم القيامة الذي هو يوم الفصل فيظهر في أجمل صورة يؤنس متعهده ومتدبره ويذهب وحشته ويبشره ويجعله في مراتب الأنبياء والأولياء والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً.