نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

الإيمان بمعناه الحقيقي عند السيد الصدر



السيد حسين الموسوي*


في ميثاق الحركة الذي كتبه الإمام السيد موسى الصدر كان البند الأول: الإيمان بالله بمعناه الحقيقي وليس التجريدي. وإن الهدف من الحركة بناء الإنسان الكامل والمجتمع الكامل أي الإنسان الذي صوّره الله تعالى في القرآن الكريم ودعا أهل الإيمان ليحفظوا هذه الصورة الحسنى.
وفي خطبه ومحاضراته ذكر الإمام الصدر أبناءه وإخوانه: {إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم} وأكد عليهم أن استعادة الكرامة والحقوق والأرض لا تتم إلا بالعودة إلى الله تعالى، إلى نهج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الأطهار، وأن العقيدة السليمة هي أساس خير الدنيا والآخرة.


الإنسان. كما يفهمه موسى الصدر وكما رآه في كتاب الله تعالى. هو خليفة الله على الأرض، وقد علّمه الله الأسماء كلها فعكس بذلك إمكانياته الهائلة، وسجد له الملائكة فكان تأكيداً صريحاً لخضوع كامل الموجودات وإطاعتها له، ونفخ فيه الله من روحه تعبيراً عن الكرامة التي يتمتع بها الإنسان وأنه ذروة في الخلق.

وقد جعل الله الإنسان يشعر بكرامته لأن هذا الشعور يحدد مقام الإنسان ويرسم الخطوط العريضة لمسيرة تعيين أهدافه السامية ومميزاً الخصوم وطريقة الدفاع. وقد جعل الله له ميزة كبيرة تمكنه أن يتخلق بأخلاق الله، ولهذا خلقه حراً يتمكن من العلم والمعرفة.
وأخبره أن الله قريب جداً منه وأقرب إليه من أي شيء، لذا عليه أن يشعر بهذا القرب ويقبل على الله لكي يجد قوته واعتزازه ويبعد عنه الكثير من الرذائل الخلقية.
وعندما يحمل الإنسان الأمانة التي عجز الكون كله عن حملها، هذا الاختصاص للإنسان تكريم له وإشادة بمقامه العظيم. وعندما يخصص مقام النبوة للإنسان مقام التكلم مع الله والاصطفاء مقام المحبة مع الله يتضح أن الله أراد الإنسان في مقام أشرف ما يصل إليه مخلوق من خلقه.

ثم يدخل الإسلام، كما يفهم الإمام الصدر، في تفاصيل وجود الإنسان ويعتمد في تشريع أحكامه وقوانينه على قاعدة تكريم هذا الإنسان، وهذا المبدأ هدف رئيسي من أهداف الدين:
1- الدين فطرة الله التي فطر الناس عليها.
2- احترم الإسلام حياة الإنسان واعتبر من أحياها كأنما أحيا الناس جميعاً ومن قتلها متعمداً كأنما قتل الناس جميعاً وجزاؤه جهنم.
3- نزّه الإسلام مقام الإنسان فحرم عليه عبادة الأصنام وعبادة البشر واعتبر الإنسان أرفع من أن يعبد غير الله أو يخضع أمام محدود مثله ومنعه في كثير من التعاليم أن يطلب الحاجة من غير الله الكريم.
4- وردت تعاليم كثيرة تعتمد على تكريم ما يتلفظ به الإنسان باعتباره جزء منه ولذا أوجب صيانته وجعل تسديد مفتاحاً لجلب كل خير ولدفع كل شر.
وأوجب عليه تحمل مسؤولية الشهادة، وأداءها فبها تثبت الدعاوى وتستقر الحقوق وتتحقق العقوبات ولا تُقبل إلا من الإنسان العدل، والعهد محترم وأوجب الله على الإنسان الوفاء به.
5- أما عمل الإنسان فلا شيء يغني عنه: "يا فاطمة اعملي لنفسك فإني لا أغني عنك من الله شيئا". وعمل الإنسان يكوّن المجتمعات وينظمها، وهو القوة الوحيدة لتكوين التاريخ ولتحريكه وتطويره دون سواه وذلك بالتفاعل بين الإنسان والكون، فالبطل ا لوحيد على مسرح التاريخ هو الإنسان يكونه ويطوره ويحركه.

هذا الإنسان كما عرفه موسى الصدر: عليه أن يخلق جبهة من المؤمنين تكون استمراراً لجبهة الأنبياء التي بدأت مع الخلق وتصل إلى الأبد، والحسين بن علي بن فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو وارث الأنبياء وحامل راية هذا الخط النيّر، إن اعتقاد الإنسان باستمرارية الرسالة على جبهة الحق المفتوحة للصراع مع الباطل تمنعا لشعور بالغربة وتُشعر الإنسان بالمواكبة الكونية وتؤكد له سلامة الخط الذي هو فيه، وتوضح له أن العلاقات بين الإنسان والموجودات وبين الإنسان ونفسه وبينه وبين بني الإنسان وبينه وبين الخالق كلها في تنظيم واحد هو الإسلام، هي رسالة التسليم إلى الله فعلاً وقلباً وجسداً، المؤمنون يمثلون الجانب الإنساني من الرسالة مقابل الجانب الإلهي، إنها أمة الله أمة التسليم إلى الله.
وحتى يمكن تحقيق الهدف لا بد من التعاون بين الإنسان وأخيه الإنسان، تعاون يجب أن يعتمد على القيم الروحية والأخلاقية. هذا هو الإيمان بالله بمعناه الحقيقي في رأي السيد موسى وسوف يبقى الناس يتخبطون في الظلام ما لم يعودوا إلى الله تعالى من هذا الطريق.

ويذكّر السيد، أن الإنسان الكامل يشعر بالمسؤولية عن نقل المجتمع إلى وضع أفضل باتجاه المجتمع الكامل، وفي جهاده في هذا السبيل يصطدم مع الذين يستفيدون من الواقع القائم، فيتعذب عذاباً هو في سبيل خلق الأفضل، ولما كانت الدنيا مزرعة الآخرة، والقطاف يوم القيامة ليستبشر المؤمنون بوعد الله، ويردّدون مع عزيزهم السيد موسى الذي طال انتظاره.
{إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة} صدق الله العلي العظيم.

هي آية سمعتُها وسمعها معي المؤمنون من لسان الإمام الصدر عشرات المرات، فأفاد منها {الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه}، وسمعتها آذان أناس آخرين، كُثُر، كمن لم تسمعها قلوبهم.

(*) رئيس حركة أمل الإسلامية.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع