نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

الإمام الصدر رجل المستقبل الاستثنائي



سماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد حسن نصر الله


عندما نتحدث عن الإمام موسى الصدر القائد الكبير والحكيم والاستثنائي في منطقتنا يجب أن نحدد مسؤوليتنا تجاهه وهو الحاضر في الساحة يقاتل ويقاوم ويستنهض بروحه وبأنفاسه الزكية وبصوته وكلماته وخطبه.

نرى بأن مسؤولية الأمة كانت وما زالت بالدرجة الأولى هي العمل على استعادته وحمل الأمل بأن يعود هذا الفارس الكبير إلى ساحة الجهاد دليلاً ومرشداً وواحداً من الأنصار الكبار لصاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف، هذا على المستوى المادي.

أما على المستوى المعنوي وفي دائر أخرى تكمن مسؤولية الأمة تجاه هذا الإمام باستعادته فكراً وروحاً وهدفاً وممارسةً وسلوكاً يتخطى عنوان التنظيم والطائفة والمؤسسة والزمن الذي عاصره قبل سنين لنستعيده في موقعه الطبيعي في العقل والوجدان وفي وعي أمتنا وعاطفتها قائداً للمقاومة وعنواناً للصحوة والنهضة في لبنان انطلقت من الشيعة لتخرجهم من عزلتهم وأفقهم الضيق وتحولهم إلى فئة تتحمل مسؤوليتها في القضايا الوطنية والقومية والإسلامية الكبرى لتكون بمستوى الأمة جديرة بالوقوف في الصفوف المتقدمة للجبهة الإمامية لهذه الأمة، ويمكن في هذا المجال استحضار الإمام الصدر كعنوان للوحدة بين المسلمين والتقريب بين المذاهب الإسلامية على مدار العالم العربي والإسلامي للرد على المشتبهين الذين اعتبروا مسألة الوحدة الإسلامية أمراً مستحدثاً.
وليس هذا فحسب بل أن مسؤوليتنا ترتكز أيضاً على استعادة الإمام الصدر عنواناً للمحرومين والمستضعفين يخدمهم ويضحي من أجلهم ويرفع الصوت بوجه ظالميهم وجلاديهم ومصاصي دمائهم..
لقد كان الإمام الصدر عنواناً للمستقبل المشرق في لبنان، شجع أسس الطرح الإيجابي خارج دائرة السلبية والرفض المطلق لكل شيء.. وطرح الفكر الإسلامي القرآني كفكر جديد بقيادة وحل مشاكل العصر قادر على إقامة دولة حديثة عصرية على الأسس التي أقام عليها رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم دولته، ومثل بطروحاته العنوان الأكبر للمسؤولية كإمام للدنيا وإمام للآخرة يكمن سعيه وحركته وجهاده وتضحياته من منطلق الاستجابة لنداء الله وأداء التكليف الشرعي للتقرب من الله، ولن أتحدث في مناسبة اختطاف الإمام الصدر عن التاريخ بل سأطرح نقاط عدة تستقرى الحاضر مع الإمام الصدر..

فلو عدنا بكل بساطة لنقرأ ما أمكن جمعه من خطب وبيانات ومؤتمرات صحفية وكلمات للإمام الصدر وبعد 20 عاماً لأمكننا القول بشكل قاطع أن هذه المواقف تستطيع أن تكون من أفضل الدلائل للتعاطي مع ساحتنا في المرحلة الحالية على كل الخطوط وفي شتى الميادين وبمواجهة المجموعة الكبرى من التقنيات التي تعيشها ساحتنا أيضاً.
فتجربته وفكره وخطه ونهجه ما زالت غضة لم تتحول إلى فكر كلاسيكي يوضع في المتاحف، بل نشعر اليوم أنها حاضرة أكثر من عشرين أو ثلاثين سنة مضت.

* أولاً: المقاومة..
في قضية المقاومة أصبح من النافل القول إن الإمام الصدر كان العالم الإسلامي الديني الكبير في لبنان الذي تفرد مبكراً بالدعوة إلى مقاومة العدو الإسرائيلي واعتبر المقاومة أولوية نذر لها حياته فقفز من أجلها فوق الكثير من الاعتبارات والبروتوكولات وتعرض لسيل من الاتهامات والظلامات وواجه الكثير من الأخطار والتحديات..
ولقد حدد باختصار مركّز وعميق ماهية هذه المقاومة وقناعاته بها حيث قال: "إن معركتنا هذه ذات وجوه كثيرة فهي معركة حضارية طويلة الأمد متعددة الجبهات وطنية وقومية ودينية، أنها معركة الماضي والمستقبل، إنها معركة المصير".
وبملاحظة المقاومة الإسلامية كهوية وماهية وخلفية نرى بأن الإمام الصدر قرأ قبل ثلاثين عاماً هذا التطور في صورة المقاومة، ولا سيما أن قتال اليوم هو قتال الأمس إلا أن روح هذا القتال ومدلوله الحضاري اختلف مضموناً، كما أنه لم يدعُ أحداً إلى مقاومة تنتهي بعد سنة أو سنتين ولم يخدع أحداً بل أكد على طول أمد هذه المعركة واتساع جبهاتها وشمولية مستوياتها وطاقاتها. فمن خلال طرحه لحضارية هذه المعركة أبرز تعدد وجوهها الثقافية والاجتماعية والفكرية والاقتصادية وحتى الأخلاقية متجاوزاً حدود الحزبيات والقوميات ومؤكداً على مصيرية هذه المعركة لكل الديانات والرسالات السماوية بمواجهة كيان فاسد ومفسد عدو لكل الكتب والرسالات والديانات السماوية، وقد وضع الإمام الصدر إصبعه مشيراً إلى المرض متجاوزاً حتى الجغرافيات.
فلم يكن أصل وجود إسرائيل قابلاً للنقاش عند الإمام الصدر الذي قال: "إسرائيل شر مطلق"، و"عداؤنا معها عداء مطلق ومعركتنا معها هي معركة الأمة".

كانت المقاومة عند الإمام الصدر عنواناً للمسؤولية الشرعية ونحن نراه يستجيز مراجعنا الكبار لدفع الحقوق الشرعية للمقاومة، فضلاً عن رؤيته لقضية القدس التي تجاوزت طروحات كل رجال الدين عندنا وحتى الفلسطينيين فها هو يؤكد "إن شرف القدس يأبى أن يتحرر إلا على أيدي المؤمنين الشرفاء".
وها هو كذلك يبذل قصارى جهده ويقضي عمره على الطرقات ومن عاصمة عربية إلى أخرى حتى يتمكن من إنقاذ المقاومة الفلسطينية ويعيد تسديد هدفها وتوجيه بندقيتها لتصبح القدس تمر بالجليل وليس بجونية، هذا الإمام الذي كانت القدس شعاراً بالنسبة إليه يؤكد إيمانه ودينه وعقيدته وأمله عشقاً وفكراً بالقدس، يقف رداً على محاولات البعض في المقاومة الفلسطينية باغتياله وتهجيره والتآمر عليه ليقول "سأحمي المقاومة بعمامتي ومنبري ومحرابي"، وهنا تحمل الإمام الصدر من المظلومية الشخصية والعناء والأذى متجاوزاً الانفعالات والحسابات الشخصية ليدافع عن أفكاره ورؤاه ومواقع إقدامه تجاه المقاومة.

* ثانياً: الإمام الخميني قدس سره والثورة..
في إطار صلته بالثورة الإسلامية في إيران وبالإمام الخميني قدس سره ليس خافياً علاقة الإمام الصدر العفوية بهذه الثورة، وتميزت بعلاقة متميزة بكير أنصاره، الشهيد الدكتور مصطفى شمران الذي عاد إلى إيران الإسلام عندما انتصرت الثورة ليكون له موقع متقدم في الساحة الجهادية ولينال شرف الشهادة فيها، حتى بلغ وصف الإمام الخميني قدس سره الذي لا يجامل ولا يداري له وصفاً عظيماً عندما قال بحقه "أنه (الشهيد شمران) مالك الأشتر في هذه الثورة المباركة".

* ثالثاً: رجل الدين السياسي..
لقد كسر الإمام موسى الصدر في لبنان الكثير من التقليد والتحجر وحطم نظرية فصل الدين عن السياسة وكان رجل الدين السياسي الذي تحمل ما تحمل من الاتهام بالخروج عن الدين والانحراف، وتحطيم هذه النظرية في لبنان كان يحتاج إلى كثير من البركات، فلم يكن الإمام الصدر خطيب المساجد فقط بل ذهب إلى الجامعات والكنائس ليفاجأ أهلها بشمولية الفكر والطرح والرؤية، وشموليته بالصفات من خلال الخطاب، الحوار والنقاش الهادئ البنّاء وسعة الصدر وتقديم أسس مختلفة للعيش والبقاء في لبنان، وهذا كان إنجازاً حضارياً، أيد مشروع الدولة كنظام ومؤسسات واختلف كثيراً مع السلطة ولم يكن معها في أغلب الأحيان، بل كان مع المحرومين والمستضعفين من كل الطوائف وحمل قضية حرمان وآلام الشعب اللبناني بكل فئاته وطوائفه مخلصاً ومتألماً ومضحياً..

وهنا لا بد أن أقف لأتساءل عن خصوصية فريدة في شخصية الإمام الصدر كرجل دين سياسي، وهي كيف استطاع أن يحفظ أولوياته دون أن يتجاوزها لأسباب شخصية أو غير شخصية محتفظاً بمستوى عالٍ من الوضوح والإشراق والحضور بالرغم من كثرة العدو وندرة الصديق، وكيف استطاع أن يحقق هذه الإنجازات بأكملها منطلقاً من الصفر مع قلة الإمكانيات والموارد البشرية متحركاً داخل الانفعال وخارجه، في لهيب الحرب الأهلية وضياع المقاومة الفلسطينية واحتراق الوطن وازدياد آلاف المحرومين وتكالب العالم على هذا البلد لتدميره كوطن وكمنطلق لتحرير فلسطين من خلال تجربة المقاومة الفلسطينية، أليس رجل المستقبل الاستثنائي الذي ما عرفناه إلا بعد افتقاده.

سوف نبقى نتعلم منه الشهادة، نحمل دمنا على الأكف لا يهمنا أن نقتل برصاص في خاصرتنا كشيخ الشهداء راغب حرب أو تمزقنا الصواريخ كسيد شهداء المقاومة السيد عباس الموسوي أو نؤسر كالشيخ عبد الكريم عبيد أو نخطف كالإمام موسى الصدر، حسبنا أننا نمشي في الطريق الصحيح والصراط المستقيم الذي فيه عز الدنيا والآخرة.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع