يصل أهل الكفر والنفاق والمشركون والملحدون وذوو الأخلاق القبيحة، والملكات الخبيثة وأهل المعصية والعصيان، أحياناً إلى درجة الإعجاب بغرورهم وزندقتهم تلك، أو بسيئات أخلاقهم وموبقات أعمالهم، ويسرّون بها، ويرون بها أنفسهم من ذوي الأرواح الحرة، الخارجة عن التقليد وغير المعقدة بالأوهام والخرافات، ويرون أنفسهم أولي شهامة ورجولة ويتصورون أن الإيمان بالله من الأوهام، وأن التعبد بالشرائع من ضعف العقل وصغره، ويرون أن الأخلاق الحسنة والملكات الفاضلة، هي من ضعف النفس والمسكنة، ويحسبون أن الأعمال الحسنة والمناسك والعبادات هي من ضعف الإدراك ونقصان الإحساس، ويرون أنفسهم تستحق المدح والثناء، بسبب الروح الحرة التي لا تعتقد بالخرافات ولا تبالي بالشرائع. لقد تأصلت في قلوبهم الخصال القبيحة والسيئة وأصبحوا يأنسون بها، وبها امتلأت أعينهم وآذانهم فرأوها حسنة، وتصوروها كمالاً مثلما وردت الإشارة إلى ذلك في هذا الحديث الشريف حيث قال: "العجب درجات، منها أن يُزين للعبد سوء عمله فيراه حسناً فيعجبه ويحسب أنه يحسن صنعاً" وهذه إشارة إلى قول الله تعالى: ﴿أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ وكما يقول تعالى: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا﴾.
تلك المجموعة من الناس الذين هم في الواقع جهلة ويحسبون أنفسهم علماء، أولئك هم أكثر الناس مسكنة وأسوأ الخلائق حظاً، أولئك يعجز أطباء النفوس عن علاجهم، ولا تؤثر فيهم الدعوة والنصيحة، بل قد تعطي أحياناً نتيجة عكسية. أولئك لا يعون الدليل، ويسدّون أسماعهم عن هداية الأنبياء عليهم السلام وبرهان الحكماء ومواعظ العلماء.
وعليه فتجب الاستعاذة بالله من شر النفس ومكائدها التي تجر الإنسان من المعصية إلى الكفر إلى العجب. إن النفس والشيطان بتهوينهما بعض المعاصي، يلقيان بالإنسان في المعصية، وبعد تأصيلها في قلبه وتحقيرها في عينه، يبتلى الإنسان بمعصية أخرى أكبر قليلاً من الأولى، ومع التكرار تسقط المعصية الثانية من النظر أيضاً وتبدو صغيرة وهيئة في عين الإنسان، فيبتلى بما هو أعظم، وهكذا يسير الإنسان نحو الهاوية خطوة فخطوة، وشيئاً فشيئاً فتصفو كبائر المعاصي في عينه إلى أن تسقط جميع المعاصي في نظره، فيستهين بالشريعة والقانون الإلهي، ويؤول عمله إلى الكفر والزندقة والإعجاب بهما.