أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

أدب الأنبياء: نبي الله سليمان عليه السلام

 


 ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ * وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾
﴿ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾  ﴿قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيم﴾ٌ
(سورة النمل/الآيات 16، 17، 19، 40).
 ﴿يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُور﴾ (سبأ/13).
 ﴿وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّاب﴾ٌ  (ص/30).

النبي الملك سليمان الحكيم عليه السلام، ملك الإنس والجن والشياطين والحيوانات من وحوش وطيور وملك الرياح المسخّرة بأمر حيث أراد.
البلاء إمّا أن يكون بقَدْر النعمة وحرمان الإنسان منها وإمّا أن يكون بإغداقها وإغراق الإنسان بشتّى صنوفها من النعم الدنيوية، من مال وملك وبنين وغير ذلك من زينة الحياة الدنيا. قال تعالى:   ﴿فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ِ  *  وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ﴾ (الفجر 15 و 16).
وابتلاء سليمان الحكيم عليه السلام كان بإغداق النِعَم والملك وكلّ مظاهر العزة في الحياة الدنيا وذلك بدعاء أطلقه قائلاً:  ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ﴾  (ص /35).
ومع ما وهبه الله تعالى من القوة الجسمانية والمعنوية مما لم يكن لأحد بعد، مع ذلك كان النبي العابد المتواضع الشاكر لربّه والذاكر له دون انقطاع، والخائف الخاشع له أبداً.
لقد أوتي هذا النبي المتواضع من العلم والحكمة والعبادة والذكر ربما، أكثر مما أوتي من الملك ومظاهره المختلفة.
قال تعالى:  ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِين﴾َ  وجاء بلفظة العلم نكرة للدلالة على تفخيم وعظيم مكانة هذا العلم، وقال تعالى:  ﴿فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ﴾ في قصة نفش الغنم.

* في العلم والشكر:
في قوله تعالى:  ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ إذ فضّل سليمان وأباه داود عليهما السلام بالعلم وكثير من المواهب.
 ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ﴾ . وذلك الشكر بتعداد النعم الإلهية والتي فيها أمر إلهي بالحديث عنها، إذ قال تعالى:  ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّث﴾ْ (الضحى/11).
أمّا ذكره وشكره فقد أخبر الله تعالى عنهما في قصّته مع النملة، رسولة قومها:  ﴿حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ* فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾.
ففي أثناء التعداد للنعم الإلهية التي فيها من الشكر والطاعة ما لا يخفى، أيضاً يذكر بأنّه ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ﴾ بما فيه من الشكر والتأكيد للتحديث بالنعمة من غير عجب ولا كِبَر واختيال، وذلك بإسناد هذه الأشياء إلى الله تعالى.

وهنا يتجلّى أدب النبي الشاكر لله بحيث لم تُنْسِه النعمة المتراضية عليه، ولم تأخذه عزة الملك للجن والإنس وتسخير الرياح، وعلمه لمنطق الطير والحيوان لم ينسه كلّ ذلك بأنّها من ملك الملوك وربّ الأرباب، بل أوقفه ذلك موقف العبد المستكين لربه، الخاضع الذاكر له، المتذكّر للنعمة عليه وعلى والديه من النبوّة والملك والحكمة.. موقف الشاكر بل ارتفع بأدبه إلى أبعد من ذلك فطلب من الله تعالى أن يوفقه ويلهمه الشكر الحقيقي له قولاً وعملاً.
وهل طلب الشكر العملي الذي يكون كيفما يحصل؟ بل أيّ عمل صالح سأل؟ إنّه عمل أرفع قدراً وأعلى منزلة من التوفيق للعمل الصالح، فالعمل الصالح قد يكون موافقاً للأسباب الخارجية، وبذلك يكون موافقاً للسعادة الظاهرية للإنسان، ولكنّه طلب العمل الصالح الذي يرضاه الله تعالى وهو الإيزاع الذي يطلبه بما يوافق السعادة الباطنية، وربما كان المقصود بها النبوة والوصي وهو التأييد بالروح القدس المواكبة لأنبيائه عليهم السلام.
وأعقبها بـ﴿وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾.

ولا عجب، إنّه العبد الذي لا شغل له بغير الله تعالى لذا لا يريد من العمل الصالح إلاّ ما يرضاه ربه وبما أن الصلاح للعمل لا يتقيد بصلاح الذات فقد عقبه صلاح الذات، وهو صلاح النفس في جوهرها حتّى تكون مستعدة لقبول الكرامة الإلهية.
ولا يخفى ما في مسألة الملك المتواضع من ارتقاء في سلم السمو والإرتقاع إلى الحضرة الإلهية والقرب المقامي درجة تلو أخرى.
فبعد أن عدّد النعم الإلهية، تمّ الشكر والثناء على الله تعالى صراحة، والطلب بأن يهبه الله القدرة على ذلك، طلب العمل الصالح الذي يرضاه، ثمّ طلب صلاح الذات وصل في قمة وخاتمة دعائه أن يدخله في عباده الصالحين بسؤاله ما خصهم بهه من المواهب وأغزرها وأعلاها العبودية، وقد وصفه الله تبارك وتعالى بها في قوله: (نعم العبد إنّه أوّاب).

(والصالحين) إحدى الطوائف الأربع الذين ذكرهم الله تعالى بأنّهم على الصراط المستقيم:  ﴿دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ (النساء/69).
وأخيراً نلاحظ في أدبه أنّه، ربّما، نسب صلاح العمل إلى الإنسان أمّا صلاح الذات فهو يُرجع إلى الله تبارك وتعالى. لذا سأل صلاح ذاته فيما سأله أن يوزعه الشكر والعمل.
نسأله تعالى أن يهبنا العلم والحلم والتواضع والعبودية الحقّة لله تبارك إنّه قريب مجيب.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع