أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

الآداب المعنوية للصلاة: في آداب اللباس


ع.ن


لقد عينت الشريعة الإسلامية جملة من الأحكام المتعلّقة باللباس في الصلاة، ويستفاد من هذه الأحكام الظاهرية مجموعة من الآداب الظاهرية مجموعة من الآداب المعنوية التي ينبغي للمصلّي مراعاتها لكي ينال توفيق شرف الحضور ويتمكّن من العروج.
وبما أنّ الصلاة هي العبادة الجامعة التي تشمل في أبعادها المختلفة حالات الإنسان كافّة، فإنّها تكون في أحكامها وآدابها مدرسة للسلوك في جميع مجالات الحياة. وإذا كان على المصلّي مراعاة حال اللباس أثناء الصلاة، فذلك لكي يتدرّب على رعاية هذا الحال في غير الصلاة أيضاً، ولهذا قدم الإمام (قدس سره) الحديث عن الآداب المعنوية المتعلّقة بلباس المصلّي بالحديث عن الآداب المتعلّقة بمطلق اللباس، أي باللباس بشكل عام.
وقد يتساءل أحدنا عن دخالة اللباس والثياب في السلوك المعنوي والتوجّه القلبي، فما هو أثر اللباس على القلب الذي يعتبر أساس السلوك والرياضة المعنوية؟!


ولأجل تقريب المطلب إلى الذهن ذكر الإمام مقدمة عامّة حول الرابطة ما بين الظاهر والباطن والتأثيرات المتبادلة بينها على الشكل التالي:
1. بيان المراتب الطولية للنفس.
2. إنّ كلّ مرتبة تؤثّر وتتأثّر بالمراتب الأخرى.
3. ذكر نماذج من التأثير والتأثّر.

* أولاً: مراتب النفس الإنسانية:
يقول الإمام قدس سره: "إعلم أنّ النفس الإنسانية الناطقة حقيقةً هي – في عين الوحدة والبساطة – ذات نشآت، وعمدة هذه النشآت ثلاث".
يعبّر الحكماء عن النفس الإنسانية بالناطقة، ويقصدون بذلك التعقّل والتفكير، لأنّ الإنسان حيوان إلاّ أنّه يتميّز عن الحيوانات الأخرى بالنفس العاقلة، وهذا الحد وإن كان ناقصاً، لكنّه يُعبّر عن أوّل امتياز للإنسان عن الحيوانات، حيث يخرج الإنسان عن الاشتراك مع الحيوان عندما يبدأ بالتفكير. ولكنّ للنفس الإنسانية أبعاداً أخرى أعمق وأكبر، وهي في نفس الوقت واحدة بسيطة غير مركّبة. فإنّ القوى المختلفة للنفس الإنسانية ليست في عرض بعضها كأعضاء الجسم الواحد ولا في طول بعضها بحيث تبدأ الثانية عندما تنتهي المرتبة الأولى، بل هي واحدة بسيطة، ونحن عندما ننظر إليها نظرة ناقصة نجدها محدودة بمرتبة من المراتب، وبعبارة أخرى، عندما تستغرق النفس في حاجات البدن وتنشغل بشؤونه بحيث تذهل عما سواه تصبح بدناً ولا غير. وإذا انصرفت إلى الأمور العقلية واشتغلت بها تصبح عقلاً وبدناً. وهكذا، فمقدار ما تكون القوى عاملة وفاعلة تظهر في النفس.
وقد كشف العرفاء المحقّقون عن مراتب عديدة للنفس إلاّ أنّهم يذكرون في مقام الاختصار أو التسهيل ثلاث مراتب أو نشآت أساسية هي:
الأولى: النشأة الملكية الدنيوية الظاهرة، ومظهرها الحواس الظاهرة.
الثانية: النشأة البرزخية المتوسطة، ومظهرها الحواس الباطنية.
الثالثة: النشأة الغيبية الباطنية، ومظهرها القلب (آداب الصلاة).

* ثانياً: التأثيرات المتبادلة:
أمّا العلاقة التي تربط هذه القوى أو النشآت ببعضها فهي علاقة التجلّي والمظهرية، بمعنى أنّ المرتبة الأدنى تكون مظهراً للمرتبة الأعلى، إلاّ أنّ هذا لا يعني أنّنا نستطيع أن ندرك بسهولة كيفية هذا الظهور والتجلّي، فنحن نعلم ما هو الأثر المتوقّع لسقوط إبريق زجاجي على الأرض، ولكن هل نعلم ماهيّة وحقيقة التأثيرات المتبادلة بين المراتب المختلفة للنفس؟! كلّ ما نعرفه هو أنّ هناك قوانين حاكمة ودقيقة للغاية بحيث لا يصدر أي فعل في الظاهر إلاّ ويكون له أثر في الباطن، كما أنّ الباطن يحرك الظاهر بحسب توجهاته.
"فمثلاً إذا أدركت حاسّة البصر شيئاً ما يقع منه أثر في الحس البرزخي بما يتناسب مع هذه النشأة.. ولكلّ من الأخلاق الجميلة التي هي من حظوظ مقام برزخية النفس (النشأة البرزخية) آثار في الظاهر والباطن.. كما أنّ للمعارف الإلهية والعقائد الحقّة في النشأتين البرزخية والظاهر آثار..." (آداب الصلاة).
العلاقة بين الأولى والثانية (مثلاً): من الأولى تترك آثاراً في الثانية. ومن الثانية تكون الأولى تجلياً وظهوراً لها.
وهكذا..

* مراتب النفس الإنسانية
"فمثلاً الإيمان بأنّ المتصرّف في مملكة الوجود وعوالم الغيب والشهود هو الحقّ تعالى، وأن ليس لسائر الموجودات تصرف فيها إلاّ التصرّف الظلّي الأدنى، هذا الإيمان يورث كثيراً من الكمالات النفسانية والأخلاق الإنسانية الفاضلة كالتوكّل على الله، وقطع الطمع بالمخلوق (وهذه أم الكمالات)، كما أنّه يوجب كثيراً من الأعمال الصالحة والأفعال الحسنة وترك الكثير من القبائح" (آداب الصلاة).
من هنا نجد أنّ منبع جميع الفضائل الأخلاقية هو الاعتقادات الصحيحة والمعارف الإلهية العميقة. وكلما قويت هذه العقائد في النفس ازداد أثرها في الأخلاق والملكات النفسانية.
أمّا إذا أردنا أن نتعرّف إلى تأثير النشأة الثانية على النشأة الأعلى نأخذ مثالاً خُلق الرضا. "فإنّه من الأخلاق الإنسانية الكمالية وله تأثيرات كثيرة في تصفية النفس وتجلياتها، ويجعل القلب مورداً للتجليات الإلهية الخاصة ويوصل الإيمان إلى كماله الذي ينتهي بعد عبور الشهود إلى الوصول: (آداب الصلاة).

فإذا رضي العبد بكلّ ما يحدث عليه بتدبير الإله، وتلقى كلّ المصائب والمصاعب بنفس راضية، يؤسّس في القلب بنياناً قوياً ليكون مورداً للتجليات الرحمانية.
كما أنّ هذا الخُلق يظهر في البدن والأفعال الظاهرية بصورة عجيبة، فبعد أن يوصل الإيمان إلى كماله يصبح سمعه وبصره وسائر قواه البدنية إلهية، ويظهر فيه سرّ "كنت سمعه وبصره" (الحديث القدسي).
"ومن جانب آخر، فإنّ للهيئة الظاهرية ولجميع الحركات والسكنات ولجميع التروك والأفعال تأثيرات عجيبة، بحيث ربما يحدث أن يسقط السالك من الأوج الأعلى إلى أسفل سافلين بنظرة تحقيرية واحدة إلى عبد من عباد الله، ولا يستطيع جبران هذا السقوط في السنين التالية!!" (آداب الصلاة).

لقد ذكر الكثير في الآثار والتأثيرات المتبادلة بين مراتب النفس في الروايات والأحاديث، كما أنّ معرفة هذه المطالب تساهم مساهمة كبرى في إيقاظنا من الغفلة، وبما أنّ الموضوع يدور حول اللباس سنخصّص له بعض الأوراق في العدد المقابل إن شاء الله، والحمد لله.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع