* الرجل الذي غاب
رنا بهيج الساحلي
نعزي صاحب العصر والزمان والأمة الإسلامية جمعاء، كما نعزي «المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق» ومجلة «بقية الله» بوفاة أحد المثابرين على قراءتها والمشاركين في مسابقاتها الفقيد الباحث: "حسين محمود كرشت"
كما نتقدم من أهله بأحر التعازي سائلين المولى أن يسكنه فسيح جناته ولأهله العزاء والسلوان.
في مطلع الموسم
والزرع في أوله
ما زال الحقل ينتظر!..
كان معنا على موعد
والموعد فات!!...
والفجر هوّم
وحدك لم تأت بعد!...
وإخوانك من على المشارف
يستطلعون الغيب
وتغمر الأفق عيونهم
ثم تعشى العينان
وتزاح في مجاهل الفضاء
بذهول وحيرة
كأنها تترقب ويلا!
والويل حلّ
فلا حول ولا قوة إلا بالله...
حقلك الذي أخصبت ثراه
دبّ الصقيع إلى غرساته
فلا أخضرار على أديمه
ولا أريج في نوافج طيبه
فمن كان يمده بدفء الشباب
غاب...!
وطفلتك الوحيدة جنان
كانت تنعم تحت جناحيك
بحنان الأب الرؤوم والعطوف
فاستيقظت ولا أب لها
لكن، الله أكبر
فأرملتك الوفية
وأبواك وأشقاؤك
وآلك ومحبوك
كلنا لن ننساك وننساهم
ثانية بإذن الله العزيز الحيكم.
فنعاهدك وأنت في سماك
بأننا سنكون: أوفياء لعهدك ولذكراك
ولطفلتك وذويك
رحلت عنا كما تغيب الشمس
لكن خيالك الحبيب ما غاب عن خاطري
فقلبي الوفي يأبى أن يعترف بالفشل ويصدق أنك تواريت إلى الأبد
فهو يشد صورتك إلى ضلوعه
ويعلل نفسه بأنك حي،
فأحاول بيأس عنيد
أن أحتفظ بآخر خيط من أشعة الشمس الغاربة....!
حسين، لقد آمنت بربك إلهاً
فعرفته وعبدته
وبالإنسان أخاً، فأحببته وآسيته
وآمنت بالجنوب، فخدمته وغنيته كما يغني العندليب...
فويل حلمي الكبير الذي تبدّد وتناثر فألف سلام إليك يا أخي وأنت في سمائك وأسكنك الله فسيح جناته ولا يبقى لأهلك سوى العزاء والسلوان.
* حماة الربى
عبير صبحي عبد الله- البقاع الغربي: مشغرة
سلام على نسور ترنو
العلا وتأبى الهوانا
سلام على أبطال خطّوا
مجداً ورسموا خطانا
يبذلون في سبيل الحق
دماءهم وهي طريق الجنانا
أنتم يا نبعة الصامدين
أعلى من الثريا في كبد سمانا
خيرة الورى أنتم وكلكم
وسط الدجى حمانا
أبطال لا تهابونوسر
البطولة عزيمة وإيمانا
تنهالون كالغيث على الـ
ـالعدى ومن غيركم لحمانا
يا قصائد الورد والنَّار
أنتم يا حماة ربانا
* إلى الشهيد حسن عبيد
أخوك المشتاق عبد الرحيم
وتهادى القمر في تلك العلياء...
أجفل الهمس الصادق يناجيك..
يا أضحوكة الليل الغامر بالوداع...
أتأملك والغياهب رونق تلك الآفاق...
يسامر.. الصدى الإلهي وحيك.. يا أيها الهجران في عمر الزمن..
ومع تماوجات الغيوم هام طير.. جبرائيلي...
همهم في أذن النجم لحنك.. أيها الشغف مع ذاك البزوغ...
في لحظات الحنين...
أخي... حسن..
وأنشدك مع الرياض الملائكية...
في ترانيم الحسون المغرد... مع فجر الانتصار...
يخلد رفاقك الأبطال...
أتأملك... يا ذاك الوجه الجوري.... فمن ضحكة الأهل...
وتقاطيع مضاءة قد عطرها جهادك... في تلك الربوع المقاومة...
غفا القمر... على تراتيل صوتك... في ليالي الرحمة والغفران...
وأنت خاشع تبكي في الليل هفوة الحياة...
وتركع متضرعاً لربك... أن يكون اللقاء...
ولحاق بركب الشهداء الأبرار...
يا مهجة عمري... أيها الشهيد...
تفتقدك السنونو.. المتألق من أحلامك الوادعة الجنوبية...
وأدمى الحنين رفيقك الحسون....
فبكاك... لأنك حبيسه... وصديقه... لم يعد ذاك المخبأ يأنسه... سوى روحك تسامره...
هجر الغصن نسمات الليل في صافي...
فهبت مع العاصفة إليك...
في روضك السماوية.. تحلق عند أطياف مباركة... تسألك السلام...
في كل ليلة حين يصدح الأذان.. أفتش عنك بين الملائكة...
وتهيم فراشه.. عند القنوت.. ويبتسم قلبي.. إليك فأنت في الجنان مقيم..
... وما بين لحيظة الظلام وصباح الديك...
يزغرد الرصاص.. من فوهة دمك المروي..
ويخلد الانتصار.. منوحي شهادتك.. انتصار
ويحفر الحجر المقاوم... من ذكراك.. عزاً وافتخاراً..
لقد بُجل الطير.. وهام.. ذاك العمر.. وغفل الليل.
ارتجل الدمع من فراقك وقفة...
وجبشيت... قد صغرت في أعماقها ذكراك..
في ليلة الجمعة ترحل نحو الروض تسافر إلى ذاك الجسد الطاهر...
لقد بكاك الحجر والمدر.. وغناك الليل والمطر...
أخي.. يا وردة عمري...
والكلام يحنو.. والحبر دامياً يجهش...
أترقبك في كل لحظة.. وأشتاقك مع كل رحيل..
فألف سلام لك... وأنت في حضرة الأخيار والصديقين وعسى أن يكون اللقاء قريباً...
وإلى الملتقى...
* إلى مقاوم
قاسم جابر
وتبقى الأيام تجمعنا على شاطئ الحرية، فنبصر معاً طيور الحب والخير تحلق فوق بحر مقلتيك العذبتين، ناعمة بسكون القلب، حيث يلتقي الدم والسيف، فأما السيف، فهو تمثال متحجر صنعته أيدي الحقد والكراهية. وأما الدم، فهو نهر معطاء، لا منبعاً مادياً له ولا مصباً، وإنما منبعه الحقيقي هو سحابة الإيمان برب الكون أبداً دائماً.
كنت شاباً عندما بدأ المشوار مع المقاومة، فلم يرهبك الجيش الذي قيل أنه لا يقهر، ولم ترهبك دباباته ولا طائراته الحربية، وعندما أصبحت رجلاً عارفاً وعازماً، خيرت بين طريقين: الطريق الأول سهل المشي، ومهيء لترغيبك على سلوكه وهذا الطريق هو طريق الاستسلام والخيانة، وأما الطريق الثاني، فهو طريق وعر، لا سلكه إلا من آمن بربه، وكان من الصابرين، ألا وهو طريق المقاومة. فما كان منك إلا أن اخترت ذاك الطريق الأخير، حتى تنال إحدى الحسنيين، إما النصر وإما الشهادة.