الشهيد من مواليد حومين التحتا 9 أيلول 1979، وهو الولد الثالث في عائلته، وُلد الشهيد إبان الحرب، وترعرع متنقلاً بين بيروت شتاءً، وبلدته الجنوبية التي طالما عشقها صيفاً.
عاش الشهيد ضمن أسرة متواضعة، بين أب يسعى لإعالة أبنائه الستّة وأمّ طالما حرصت على تربية أولادها على الأخلاق والإسلام والتعليم.
درس الشهيد منذ دخوله المدرسة إلى المرحلة التكميلية في مدرسة العاملية حيث كان متفوقاً ونجح في الشهادة المتوسطة ولم يكن يبلغ حينها الرابعة عشرة من عمره، وكان قد بدأ أول دورة عسكرية له في سن الثالثة عشرة حيث سعى لأجلها كثيراً.
ثمّ انتقل إلى مدرسة ثانية لإكمال المرحلة الثانوية حيث درس السنة الأولى ثمّ انتقل إلى المدرسة الفندقية لأنّه كان يميل إلى عمل الفنادق ودرس ثلاث سنوات ونجح رسمياً ونال الشهادة ولكن الشهادة الحقيقية التي كان يسعى إليها قد نالها أخيراً.
كان الشهيد يريد أن يترك الفندقية للالتحاق بصفوف المقاومة الإسلامية، ولكن لإرضاء أمّه أكل ليأخذ الشهادة.
هذا بالنسبة لتحصيله العلمي، أمّ بالنسبة لثقافته الإسلامية فقد بدأ من العاشرة بالتحصيل الثقافي والتحق بعدّة دورات ثقافية مركزة وأنهاها بنجاح. وقال عنه بعض أساتذته: أنّه كان أفضل تلميذ عنده على الإطلاق، كان دائماً ناجحاً في كلّ ما يفعل، ويوفّق في كلّ أمر يُقدم عليه، ولم يقر قراره حتّى انتسب أخيراً لسرايا الاستشهاديين، بالإضافة إلى التفرّغ في القوة الخاصّة، هذا كلّه لشاب لم يتجاوز عمره الثامنة عشرة. كان حنوناً وعطوفاً على الآخرين بدرجة شديدة، بحيث كان يفرح لأفراحهم ويتألم لآلامهم، وكان يخصّ إخوته باهتمام خاص، يعلّمهم إذا أخطأوا وكلّ يوم يدعوا أخاه الصغير لأخذه إلى المسجد للصلاة، كان يحدث إخوته الكبار عن الآخرة ويركّز على أن يهيئ الإنسان نفسه ويتزوّد جيداً خوفاً من يوم يأتي لا ينفع فيه مال ولا بنون، يعمل بكدح ونشاط ولا يتكل على الآخرين، فقد عمل منذ صغره في ثلاثة أماكن في الصيف ليهيئ قسط المدرسة وكتبه.
أمّا علاقته بوالدته فقد كان صديقها وولدها البار في البيت، تعطيه أسرارها ويحدّثها كثيراً بالموت والآخرة وبأنّه على خطّ الإمام الحسين عليه السلام يسعى للنصر أما الشهادة وقد كانت الأم تعلم أنّ ابنها لن يتخطّى العشرين عاماً وخاصّة في آخر مرحلة له في البيت حيث وصفه إخوته أنّه في آخر مرحلة أصبح قاسم يمشي في الهواء في البيت كالملاك الطاهر لا يؤذي أحداً، فقط هو منصرف إلى العبادة، أمّا والده فما زال متحسراً لأنّه لم يره عندما سافر، وبعد أربعة أشهر يتصلون به ليقولوا له هنيئاً لك استشهد قاسم ونال ما تمنّى، فجاء الوالد ليزف ولده إلى الجنّة ويعود أدراجه متمنياً لو أنّه رآه قبل الاستشهاد وبعد استشهاده عندما بحثنا في أغراضه وجدنا رسالة كان قد كتبها قبل استشهاده بشهر وتلك الرسالة كان يودّ إرسالها إلى الأمين العام سماحة السيد حسن نصر الله يطلب فيها شرف القيام بعملية استشهادية، ولكن لصدق نيته أوصل الله له طلبه قبل أن يطلب.
* الوصية
بسم الله الرحمة الرحيم
ها هو العمر يجري والدنيا تخدعنا وتغرنا بها ولا نستفيق من هذا الكابوس إلاّ حين يحركنا الموت حينها نقول "اللهم ارجعنا لعلّنا نعمل صالحاً".
إنّ الدنيا دنيئة ومزيّفة تزين لنا حبّ الشهوات وتجعلنا من جنود الشيطان وتأتي النهاية لتكون وقوداً للنار، علينا الآن أن ندرك أنفسنا من الهلاك لكن الخطوة الأولى هي معرفة النفس، إنّ الإنسان بطبعه يحبّ المعرفة وخاصّة ما يجري حوله لكنّه لا يسعى يوماً إلى أن يعرف نفسه فنجد القلّة الذين يعيشون المشقات، والمصاعب لكنهم يعرفون حقّ المعرفة فنجد في الحديث الشريف "أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك" لذا علينا مقاومة هذه النفس الأمارة هذه النفس المولعة بالمعاصي التي وصفها الإمام زين العابدين عليه السلام في مناجاته: "كثيرة العلل طويلة الأمل تسلك في مسالك المهالك وتجعلني عندك أقرب هالك".
لذا من هنا يأتي تهذيب النفس والتغلّب على الشيطان حتّى نصل إلى مراحل العبادة والعبودية للإله الواحد.
كلّ إنسان قادر على أن يصل إلى مراحل المعرفة واليقين، يستطيع أن يعيش في عالم الروح والملكوت، هكذا نرى هذا العالم وهذه الدنيا على حقيقتها، نرى أنّ كلّ ما خلق هو من أجل أهل البيت عليهم السلام، والله لو يعرف العالم من هم أهل البيت حق المعرفة لفاز الجميع بالجنّة والراحة الأبدية، نحن الآن ماذا نفعل في هذه الدنيا كلّ يوم يمكن أن نقول روتين يومي نقوم به، العمل أو المدرسة، اللذات الشهوات وكيف نحصّل المال نحن غارقون في عالم المادة هناك أناس يصلّون ويصومون لكن لا يعرفون ما هي الصلاة ولا يتفكّروا بها بل يبدؤون بالتكبير ولا يجدون أنفسهم إلاّ عند التسليم كلّ مشاكل النهار يفكرون بها وقت الصلاة، وأناس وجدوا آباءهم يصلون فورثوا عنهم الصلاة، هذا خطأ، الله بعث الأنبياء والمرسلين ليرشدوا الناس إلى طريق الله، الله سبحانه وتعالى خلق الأرض والسماء من أجل أهل البيت عليهم السلام فأين توسلنا بهم فأنا توسلي الوحيد هو أن أدعو الله بأن يرزقني الشهادة على يد ألعن خلقه حتّى ألحق بالشهداء الذين سبقوني على هذا النهج، الخط الإلهي البعيد عن أفكار الناس إلاّ القلّة منهم.
سلام على الشهداء سلام على السيد عباس قدس سره، سلام على الشيخ راغب قدس سره سلام على الاستشهاديين الذين باعوا أنفسهم للخالق وكانت تجارتهم رابحة الذين يذهبون بتفكيرهم إلى عالم آخر علم لا يعرفه إلاّ الله ورسوله وأهل بيته والشهداء، ولكن هناك المزيد من هذه القلوب والعقول التي تنتظر الموعد موعد الشهادة موعد القتال مع القائم المهدي عجل الله فرجه الشريف، هذه الدنيا الفانية هذه الدنيا دار الامتحان والبلاء هذه الدنيا مزرعة الآخرة حين يحين موعد الحصاد، لكن هناك أناس يهجمون ويقدمون على الموت في سبيل الله وهم متيقنون بما يفعلون وعلى ماذا سيقدمون، هم ينسون شيئاً اسمه دنيا ويذكرون دائماً الحساب الآخر وينسون الخلائق، يذكرون الخالق دائماً وفي كلّ خطوة يخطونها الله يبتليهم كلّ يوم ويمتحنهم هم ينجحون في هذا البلاء دائماً.
الروح تبقى والجسد فإن العمل الصالح يبقى، المال، فانٍ الله هو الذي يملك الجنّة علينا أن نصل إليها ولكن الطريق الوحيد هو أن أقدم نفسي ودمي كما قدم أبو عبد الله الحسين عليه السلام ألا وهو طريق الشهادة في سبيل الله..
إلى أمّي..
أنت الملاك الذي هداني أنت التي ربيتي من صغري، أنت التي علمتني حب أهل البيت عليهم السلام، أنت التي علمتني الصبر والوقوف بوجه الظالم..
أهدي إليكِ هذه الكلمات الحزيمة داعياً الله عزّ وجل بأن يستجيب دعائي بأن استشهد في سبيله.
أمّي عندما تقرأي هذه الوصية اعلمي أني كتبتها وأنتِ جالسة أمامي أنظر إليك وأنا أكتب وأملي بعض ما يجول في عقلي وفكري.
كوني صابرة ولا تحزني عليّ بل افرحي من أجلي لأنّ الشهادة لا ينالها إلاّ ذو حظّ عظيم.
علّمي إخوتي الصغار الطريق الذي سلكته وسلكه الكثيرون من قبلي.
احضني هذه العائلة المجاهدة، ادرسي علوم أهل البيت وادعي للمقاومة الإسلامية بالنصر على أيدي المجاهدين لأنّ دعاء الأم مستجاب إن شاء الله.
* أبي العزيز
أيّ كلمات أقولها لك وأنت لك الفضل الكبير عليّ، أو أحرف أكتبها لا تعبّر عن مدى حبّي لك فأنت خير أب وخير مربٍ وخير صديق لي قد عرفته.
يا أبي كنت صابراً على المشقات والمصاعب والابتلاءات التي تصادفك.
اتبع نهج أهل البيت عليهم السلام وكن من المتردّدين يومياً إلى المسجد.
اسلك طريق المقاومة لأنّك سوف تعرف مدى عظمتها وعظمة الخالق. لا تترك الصلاة لأنّ الإنسان أول ما يُسأل عنه يوم القيامة صلاته. ولا تحزن علي ولا تبكي بل ابتهج واجعل في البيت عند سماعك نبأ استشهادي حالة من الفرح وكأنّه مولد لأحد الأئمة عليهم السلام.
وأخيراً لا تنساني بالدعاء.
* أخواتي:
السلام عليكم ورحمة الله مني ومن جميع الشهداء.
أرجوكم كونوا فخورين بي بين الأقارب والأصدقاء، لا تغرّكم الدنيا بملذاتها بل ابتعدوا عنها، اسلكوا طريق الجهاد وطريق حزب الله الذي أعاد لهذه الأمة عزّتها وكرامتها فأنا هنا بين يدي الله سبحانه وتعالى في الراحة الأبدية.
انظر إليكم ماذا تفعلون هل ستلحقون بي، وأرجو من إخوتي الكبار الاهتمام بإخوتي الصغار أكثر ووزعوا الحلوى عند استشهادي واذكروني عند الدعاء وقرائكم بكتاب الله تعالى.
إلى المجاهدين الأبطال في الجنوب والبقاع الغربي:
لكم مني الدعاء دائماً، وأن توفقوا بالنصر على أعداء الله وبالشهادة حتّى تلحقوا بي وألقاكم عند الحسين عليه السلام حاملين دماءنا مهراً للوصول إلى الآخرة، ارجو منكم أن تحفظوا دماء الشهداء وأن تبقوا وتتمسكوا بطريق المقاومة الإسلامية وإنّ الله سوف ينصركم بإذن الله "وكان حقّا علينا نصر المؤمنين". اقرؤوا لي الفاتحة باستمرار وادعوا لي الله بأن يرضى عنّي لأنّ دعاء المؤمن مستجاب وإن شاء الله سوف نكون جميعاً من جنود بقية الله في أرضه الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف.
قاسم علي حمدان "كميل"
* رسالته إلى الأمين العام
السلام على القائم المنتظر عجل الله فرجه الشريف.
السلام على ولي أمر المسلمين السيد الخامنئي
السلام على أمين عام حزب اله السيد حسن نصر الله
بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد، فإنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب، سماحة السيد لن أتكلّم كثيراً أو أكتب كثيراً لكن أريد أن تقرأ ما يجول بعقلي وفكري وروحي، فإنّي مللت هذه الدنيا الدنيئة ولم أعد قادراُ على التحمّل بوجودي في هذه الدنيا، فأنا أدعوا الله ليلاً نهاراً وفي كلّ وقت أدعوه بأن يجعلني من المكرمين بالشهادة لكن لا ينالها إلاّ ذو حظّ عظيم.
سماحة السيد أرجو من سماحتكم بأن تكونوا المسهلين لطريقي وبأن يكون لي الشرف للقيام بعملية استشهادية تكون نصراً للأمة وزخماً للمجاهدين وتكون كفّارة عن ذنوبي، فإنّ كلّ يوم يمرّ أراه أمامي كأنّه سنة لكن حب الله وحب أوليائه ينسيني هذا الهم الكبير.
سماحة السيد هذه الدنيا فانية وكلنا ذائقون الموت ولا ندري من أهل السعادة كنا أم من أهل الشقاء فإني أرى القبر أمامي دائماً، أريد الذهاب إليه لكن عبر الشهادة لأنّها أملي الوحيد لأقاتل في صفوف جنود صاحب العصر والزمان.
وأخيراً عندما تقرأ هذه الكلمات تأكّد أنّي كتبتها في جوف الليل والعين غارقة بالدموع والروح عند بارئها لا يبقى لي سوى أن أهجر هذا الجسد لأسافر نحو معشوق أوحد ربي ورب العالمين.
وأخيراً إذا لم يتحقّق ما في الرسالة فإنّي أريد رؤيتكم والتكلّم معكم على انفراد حتّى أشكو لك ما في نفسي وقلبي ولو لمدّة خمس دقائق وأرجو أن لا تنسونا بالدعاء.