أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

السعادة الزوجية.. أنت تصنعها


تحقيق: سوزان شعيتو فاعور


السعادة ضالّة الإنسان وكنزه المفقود، وهو لا زال منذ القِدَم يجدُّ ساعياً للحصول على الإكسير الذي يملّكه طعم السّعادة في حياته عامّةً وحياته الزّوجيّة خاصّةً. ويختلف تعريف السعادة في الحياة الزوجية من شخص لآخر، وهذا ما يجعلها تدخل بازار المعايير المختلفة والمتطلبات المتنوّعة التي تتأثر بنظرة الإنسان، المرأة والرجل، إلى المقوّمات التي يراها أساساً في تحصيل السعادة مع شريك الحياة.

* السعادة في المودة والاحترام
السيدة أم باقر (متزوّجة منذ 18 عاماً وأم لأربعة أولاد) ترى أن الموّدة والرحمة والاحترام يشكّلون ثالوث السّعادة الزّوجية أما الأولاد فيشكلون عنصراً إضافياً جميلاً ورائعاً في تحقيق هذه السعادة.
ولكن ماذا عن معيار الغنى والفقر؟ ألا يمكن أن يشكل النقص المادي في دخل العائلة منغّصاً أساساً ومقوّضاً لأسس هذه السعادة؟ تجيب السيدة أم باقر بالنفي قائلة: "إن المال لا شك أنه عنصر هام في الحياة ولكن تأتي أهميته في الدرجة الثانية بعد عنصرَي المودة والرحمة. فكم من زوجين عاشا سعيدين على الرغم من وضعهما المادي الضّيق، وكم من زوجين ميسورين مادياً لم يتذوقا طعمَ السعادة".

* المال هو الأساس
ولكن ثمة رأي آخر يخالف رأي السيدة أم باقر، وهو رأي يرى في المال ركناً أساساً في الحياة الزوجية ويعطيه المكانة الأولى في سلّم السعادة، هذا ما يشير إليه السيد أبو علي (متزوّج منذ 23 عاماً ولديه 4 أولاد) بقوله: "لا يمكن أن ننفي ما للوضع المادي الميسور للزوج من آثار إيجابية تنعكس راحة وبحبوحة وسعادة في أسرته، ومن يقل إن المال ليس له تأثير فاعل في الحياة فهو لا يتكلّم بواقعيّة. كلنا نعلم ما أهميّة أن يكون جيب الرّجل ملآناً".  ولكن هل من مقوّمات أخرى للسّعادة الزوجية غيرَ المال؟ سألنا السيد أبا علي، فأجاب قائلاً: "إنّ ما يكمّل صورة هذه السّعادة وجود التّفاهم بين الرّجل وزوجته وعدم وجود عناد في علاقتهما وفي طريقة تعاطيهما مع بعضهما بعضاً". "الاتفاق على كل شيء وبشكل عام بين الزوجين هو أساس السعادة بينهما"، هذا ما يقوله السيد أبو عماد (متزوج منذ 9 سنوات ولديه 3 أولاد). وحول ما إذا كان هذا الاتفاق يشمل الوضع المادي يؤكّد على ضرورة وضوح هذه النقطة بالذّات بين الزوج والزوجة؛ إذ حينها لن يؤثّر الفقر على حياتهما "مع أهميّة أن تكون الزّوجة مقتنعة وراضية بالوضع المادّي لزوجها وأن لا تعمد إلى المقارنة بينه وبين الآخرين؛ لأن هذا سيؤذي مشاعره حتماً ويُوجِد شرخاً في العلاقة بينهما".


* الخصوصيّة سعادةٌ إضافية
تتحقّق السعادة الزوجية فعلاً وسلوكاً وهي ليست مجرد قول. وقد يفسِّرها بعض الناس على أنها مشاركة بين الزوجين في كل شيء بحيث يكونان بعضهما للآخر كالكتاب المفتوح بماضيه وحاضره. في هذا الإطار، نسأل: ألا تقتضي السعادة أيضاً أن يبقى لكلٍ من الزوج والزوجة مساحة من الخصوصيّة لا يتدخل فيها الطّرف الآخر، ويحقق الواحد من خلالها ذاته ويطوّر فيها نفسه بحيث تنعكس سعادة إضافيّة على حياته؟ عن هذه النقطة يجيب السيد بلال (متزوّج منذ 41 عاماً ولديه خمسة أولاد): "هذه المساحة من الخصوصيّة ضروريّة لكلّ من الزوجين على أن تحكمها المسؤوليّة والثقة بين الطّرفين وتوصل إلى نتائج إيجابية" وهو يبدي انزعاجه الشديد من الرجال الذين يقيّدون زوجاتهم ويتحكّمون بكل تفاصيل حياتهن، مؤكّداً أنّه "كما للزّوج الحق في أوقات خاصّة يقضيها بعملٍ ما يروّح به عن نفسه أو يطوّر به ذاته كذلك للمرأة الحق في ذلك بعيداً عن ضغط مسؤوليّاتها في الأسرة أو العمل فيما لو كانت امرأة عاملة".  وإن كان هذا الأمر مقبولاً عند السيد بلال، لا لَبْسَ فيه، إلّا أنه يلقى معارضة شديدة عند السيد أبي علاء (متزوج منذ 8 سنوات ولديه 3 أولاد) إذ إن مجرّد طرح الفكرة يثير الغضب لديه قائلاً إنه لا يستطيع أن يتصور أن لدى زوجته خصوصيات لا يعلمها ولا يُسمح له بالتدخل في إعطاء رأيه فيها "وإلّا فما معنى الشراكة في الحياة الزوجية وأهمية أخذ رأي الزوج في كل شيء؟". ولكنه من باب الإنصاف، حسب رأيه، يشارك زوجته بكل ما لديه وقد يسمح لها أحياناً بالتدخل معتبراً أن هذا يُضفي وضوحاً في حياة الزوجين ولا يسمح بدخول عنصر الشك إلى حياتهما، بل على العكس يضفي عاملاً إضافياً على السعادة بينهما.

* السعادة الزوجية نسبية
بعد هذه الباقة من الآراء لأشخاص عاشوا تجربة الزواج وخبروا السعادة الزوجية، وإن بنسب متفاوتة، وكلٌّ حسب تجربته الخاصة، ما هي آراء المختصّين بحسب اطلاعهم على الدّارسات ومعاينتهم الأمور عن قُرب وعلى أرض الواقع؟ يشير الدكتور رائد محسن المتخصص في الإرشاد والتوجيه الزّوجي والعائلي إلى أنّ معايير السّعادة الزوجيّة نسبيّة، فهي ليست ثابتة ولا تخضع لمقياس واحد "فما يُسعد ثنائياً متزوجاً قد لا يُسعد ثنائياً آخر" وهذا برأيه يجعل مفهوم السعادة الزوجية مطّاطاً ومتعدّداً. أما المال فهو عصب الحياة الزوجية, بحسب الدكتور رائد محسن، فالوضع المادي الميسور يشدّ روابط هذه السعادة، والفقر أينما حلَّ فهو مذموم وهذا ما يؤكد عليه الإمام علي عليه السلام بقوله: "الفقر في الوطن غربة" (1). وحول أهمية حصول كل من الزّوجين على فسحة من الخصوصيّة في حياته وإلى أي مدى قد يؤثّر ذلك على روابط السعادة الزوجية، يلفت الدكتور رائد محسن إلى أن هذه المساحة الخاصّة لكلا الزوجين تمثّل مصدر غنى ولها تأثيرات نفسيّة إيجابيّة إذا كان كل منهما يؤدي من خلالها عملاً يجلب له الكفاية الذاتيّة التي تنعكس بدورها توافقاً داخل الأسرة وفي الحياة المشتركة، ولكنّه يحذر من الإفراط في ذلك لأن هذه الخصوصيّة تصبح حينها مصدراً مدمّراً للتوافق "إذ عندما يُكثر أحد الزوجين من القيام باهتمامات خارج المنزل على حساب التواجد مع الأسرة والتفاعل معها يصبح هذا الأمر مضراً وليس مفيداً".

* من آيات الله
"الإسلام دين شامل، لم يترك شيئاً في الحياة إلا وتحدث عنه وقدّم الصورة الأمثل له، فقد حدّد السعادة الزوجيّة عبر آية واضحة في القرآن الكريم، حيث يقول تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (الروم: 21)، بهذا بدأ السيد جعفر مكي (إمام مسجد) حديثه عن رأي الشرع في مفهوم السعادة الزوجيّة، مبيناً أن المقصود بالمودّة في الآية المذكورة إنما هي المودة السلوكية العملية التي تُترجم محبّةً وعطفاً وحسنَ معاملة بين الزّوجين، وتأتي معها الرحمة الّتي تُبعد الزوجين عن الأنانيّة فيسدّ كلٌّ منهما نقص الآخر ويسعيان إلى تحقيق التكامل فيما بينهما.

* القناعة والرضا
وعمّا إذا كان هذا الجو من المودّة والرّحمة يشكّل سدّاً منيعاً في وجه رياح الفقر والعوز المادي الّتي قد تصيب جدران البيت السعيد وتصدّعها، يشير سماحة السيد جعفر مكي إلى أنه في بداية الحياة الزوجية قد لا يشعر الزوجان بالمشاكل المادية والحاجة الملحة لوجود المال في حياتهما، وإنما تظهر هذه الحاجة وتكبر عندما تتقدم بهما سنوات الزواج وتكبر معها متطلبات الحياة المختلفة مما يؤدي إلى حدوث اختلاف في وجهات النظر بينهما وهنا يأتي دور عامل المودّة والرحمة ليحلّ المشكلة، مدعوماً بأواصر المحبة بينهما "طالما أن المودة والرحمة موجودة فالموضوع المادي ليس له أثر خاصةً في ظل وجود التفاهم المتبادل والمشاركة الحقيقية بين الزوجين طبعاً مع أهمية عدم معايرة الزوجة لزوجها بقصر اليد وضيق الحال، لا بل العيش معه بقناعة ورضى".

* الخصوصيّة لا تتعدى الحدود
هذا وقد حدّد الشرع الإسلامي حقوقاً وواجبات لكل من الزوجين بحيث إذا ما التزما بها تقودهما حتماً إلى السعادة وتحميهما من التعرض للمنغّصات في حياتهما، ويؤكد السيد جعفر على أن الإسلام لم يمحُ خصوصيّة الزوج والزوجة حتى وإن كان عنوان الزواج المشاركة في كل شيء، لا بل إنّ فقهاءنا عندما حددوا الحقوق الخاصة لكل من الزوجين أفردوا مكاناً لمساحة من الخصوصية لكلّ منهما لا يتدخل فيها الآخر على أن يحوطها عامل الثقة والتّفاهم المسبق. أمّا عن الحدود المسموح بها لهذه الخصوصية فيشير السيد جعفر إلى أنها "تعتبر جائزة طالما أنها لا تصل إلى حدّ الحرمة الشرعية وعناوينها: الدخول في الاختلاط المحرّم أو الأمور التي تؤدي إلى تفكك الأسرة وتصدعها".

ختاماً، ثمة من الأزواج من تكون السعادة حاضرة بين يديه فلا يراها أو أنه قد يراها ولكنّه لا يقدّرها ولا يعطيها حقّها، بل يضيّعها جرّاء عواصف الأنانية وغياب جسور المودّة وانعدام الرّحمة، وثمّة من الأزواج من يصنع سعادةً حقيقية دائمة من إمكانيات وظروف متواضعة، فهو بوعيه وإيمانه ومحبّته يشيّد أسوار سعادته، وبالتفاهم والمودة والقناعة والرضى يمتلك مفاتيحها.


(1) ميزان الحكمة، الريشهري، ج 3، ص 2442.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع