نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

المحجبات: "الحجاب تاجٌ على رؤوسنا"

تحقيق: هبة يوسف عبّاس‏


من أنت؟ سؤالٌ خطر لي وأنا أنظر إلى نفسي في المرآة، وهالتك القدسية هذه ما سرها؟ من أين منبعها؟ أمن ذلك الزمن حيث فاطمة وزينب؟ يا من أصبحت أماني ومأمني وحصني وملجإي، يا من أصبحت هويتي وتميُّزي، إليك ألجأ وعليك أخاف من زخرفات الدنيا وتغيرات العصر لأبقيك طاهراً نقياً مشيراً إلى تديني والتزامي، حجابي إغفر لي سوء فهمي لك، واغفر لمن اعتبرك رمزاً لقمعي. لكنك وعبر عصورٍ مضت وسنين ستأتي أثبتَّ ولا زلت تُثبت أنك رمز للحرية والقداسة والعفة والعظمة والطهارة وأنك لم تقف يوماً في وجه تطوري، علمي وعملي، والنماذج كثيرة. فمن أعمتها الدنيا وغرتها شياطينها فلتنظر وتعتبر.

* أوّل محجًّبة في قصر العدل‏
أول محجَّبة دخلت قصر العدل فأحدثت صدمة في الجسم القضائي، وأثارت تساؤلاً عن سبب هذا الحجاب، وعن حقيقة وقوف جهة معينة وراء إرتدائه. المحامية مي الخنسا، متخرجة من الجامعة الأميركية وصاحبة تاريخ عريق في المحاماة تتحدث عن تجربتها مع الحجاب، فتقول: "في اليوم التالي لإرتدائي الحجاب إنتشر الخبر وكتب في الجرائد، وكان خبراً مهماً، لأنني كنت أول محامية محجبة في قصر العدل" وتضيف: "الحجاب لم يشكل عائقاً أمام طموحي وعملي، والدليل أن معظم زبائني هم مسيحيون، كما أني أسافر إلى الخارج كثيراً، وأرافع في العديد من القضايا دون أي مشكلة أو مضايقة بسبب الحجاب".

الأستاذة مي تعترف بأنها تعرضت للمضايقة في بداية التزامها بالحجاب، وعن الحادثة تقول: "كان لي مرافعة في محاكمة عسكرية هنا في لبنان، ولدى دخولي القاعة اعترض القاضي على وجود شعائر دينية في القاعة، وقصد الحجاب، فرفضت خلعه وأصررت على المرافعة. أصدقائي في قصر العدل تضامنوا معي، إلى أن حصلت مصالحة بيني وبين ذلك القاضي وانتهى الموضوع". وفي قصة ثانية روتها الأستاذة أكدت فيها عدم وقوف حجابها في طريق نجاحها في عملها قالت: "كنت أرافع في قضية في ألمانيا، وعند بداية الجلسة نظرت إلى القاضي فإذا به ينظر إليّ ووجهه عابس، فهمست للمترجمة أن تطلب منه تغيير ملامحه وإلا فلن أستطيع المرافعة، عندها ابتسم القاضي واعتذر وأكد أن وجهه العبوس لم يكن بسبب حجابي على الإطلاق، ومنذ ذلك الوقت أصبحت وذلك القاضي من أعز الأصدقاء".

الأستاذة مي رأت أن الحجاب ليس أداةً للقمع، وأن المرأة المحجبة أصبحت موجودة حالياً في كل مجالات العمل، والدليل أن مكتبها يمتلئ بالمحاميات المحجبات اللواتي يتدرجن عندها، إضافةً إلى وجود الحجاب في الاختصاصات الأخرى في الجامعات وغيرها. "أنا أندم على السنوات التي قضيتها دون حجاب" تقول الأستاذة الخنسا، وتتمنى لو أن أهلها ضغطوا عليها قليلاً لترتدي الحجاب، وترى أن الحجاب قد أعطاها شخصية وهوية وطريقة تفكير واضحة ومختلفة عن السابق. في ختام الحديث أوضحت السيدة مي أن على الفتاة المحجبة مسؤولية احترام حجابها أولاً، ونقل الصورة المثلى عنه للآخرين ثانياً، ونصحت كل الفتيات بوجوب اقتناعهن بالحجاب حتى يكُنَّ خير مثال للفتاة المحجبة.

* الطب والحجاب‏
الدكتورة إيمان شرارة، طبيبة أمراض نسائية وتوليد، متخرجة من الجامعة الأميركية في بيروت وقد كانت المحجبة الوحيدة في دفعتها من كلية الطب. الدكتورة إيمان تعرّفت على الدين من خلال مادة كانت تدرَّس في الكلية عن الأديان السماوية، وعند الوصول إلى الدين الإسلامي أعجبت جداً بهذا الدين العظيم، فكانت تخوض نقاشات معمقة فيه مع بعض الزملاء الملتزمين دينياً، إلى أن اقتنعت وقررت ارتداء الحجاب الذي لاقى رضى أهلها وزملائها في الكلية. وتقول الدكتورة شرارة: "الحجاب رسم لي طريقي وتوضحت لي الكثير من الأمور بشكل جلي، فقراري التخصص في الطب النسائي جاء نتيجة حجابي" وعن تعارض عملها مع حجابها تؤكد: "أنا بصراحة، أستغني عن عملي في حال تعارض مع حجابي، وأقول دائماً إن الحجاب قد يكون واجباً صغيراً جداً أمام معصية خالق عظيم هو اللَّه سبحانه وتعالى"، وتضيف: "بعد تخرجي واجهت بعض المشاكل، وأذكر منها اعتراض رئيسة غرفة العمليات في إحدى المستشفيات هنا في لبنان على دخولي لحضور عملية جراحية وأنا أرتدي الحجاب، فكان جوابي أنكِ تستطيعين منعي من الدخول لكن لن تفرضي عليَّ خلع الحجاب، فاعتذرت وتذرعت بأنه قد يكون غير معقم عندها أحضرت قطعة قماش معقمة ووضعتها كحجاب، وكان شرعياً بالكامل".

الدكتورة إيمان تسافر إلى الخارج كثيراً لحضور مؤتمرات طبية أو عمليات جراحية وحجابها لم يمنعها من ذلك، حتى إنه لم يقف في وجه عملها في إحدى المستشفيات في أميركا حيث كان يسألها المرضى عن سبب وضعها للحجاب فكانت تشرح لهم أنها مسلمة وأنه واجبٌ في الإسلام، فتحظى باحترامهم ويقدرون التزامها بتعاليم دينها فهي حسب قولها تريد من الآخرين أن يهتموا بعقلها لا بمظهرها. "الحجاب جعلني أتصالح مع نفسي وذاتي" تختم الدكتورة إيمان، "إذ أشعر الآن بسلام داخلي، وأنصح الفتيات المحجبات بعدم تقليد الفتيات السافرات، بل الترفع عن هذه الزخرفات الفارغة والاهتمام بالجوهر الداخلي وبكيفية تطوير عقولهن وتعميق ثقافتهن".

* المحجبّة الوحيدة في "السفير"
فاتن قبيسي: متخرجة من كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية، الموظفة المحجبة الوحيدة في جريدة السفير منذ تأسيسها عام 1974 وحتى الآن، تحجبت بعمر 13 سنة بقرار ذاتي ولم تتعاطَ يوماً مع حجابها على أنه عائق أمام عملها الصحفي، بل على أنه جزءٌ لا يتجزأ من شخصيتها وكيانها. وعن تجربتها كمحجبة في العمل الصحفي تقول: "عندما كنت في السنة الجامعية الثالثة قدم أصدقائي طلبات عمل في التلفزيونات وقُبلوا فيها، هذه الفرص لم تكن سانحة أمامي خاصةً في ذلك الوقت، لكنني لم أيأس ولم أندم على حجابي بل قلت إن هذا امتحان وسأجتازه، وبالفعل عملت في إذاعة ثم في مجلة سحر، إلى أن تقدمت بطلب عمل في السفير وقُبلت فكانت هذه الوظيفة هي مكافأة صبري وإتكالي على اللَّه". الأساس عند الإنسان هو شخصيته وجوهره فإذا كان منفتح الذهن، متحرراً وقادراً على الاختلاط وتقبل الآخر ويمارس عمله كما يجب عندها لن ينتبه أحد إلى شكله وسيكون التركيز على الجوهر لا القشرة الخارجية. فالسيدة فاتن أحست لدى دخولها الجريدة ببعض التساؤل من قبل الموظفين عن سبب وجودها في هذه المؤسسة وأن هذا المكان ليس لها، لكن وبسبب شخصيتها وقدرتها على التماهي مع الجميع استطاعت وبوقتٍ قصير إلغاء هذه التساؤلات وأصبحت من نسيج المؤسسة. وتؤكد: "أنا لم أعانِ أبداً بسبب حجابي حيث عملت في مختلف أقسام الجريدة، وقابلت العديد من الشخصيات من مختلف الأديان والطوائف وحتى اليهودية منها دون أي مشاكل أو صد بسبب حجابي، بل على العكس أضاف لي الحجاب حيزاً من الاحترام والجدية عن باقي الزملاء". وأخيراً تنصح السيدة فاتن كل فتاة محجبة بأن تكون واثقة من نفسها ومن قدراتها للوصول إلى أي عملٍ تحبه فلا تخجل بحجابها، إذ إن الفتاة المحجبة قد أثبتت نفسها في كل الميادين، وترى أن الأهم هو الاتكال دائماً على اللَّه لأنه العامل الماورائي في توفيقها في عملها ومن يتكل عليه لا يُخذل أبداً.

* صورة مشعة عن الحجاب‏
النموذج الأخير هو للسيدة سنثيا زعيتر، مخرجة برامج أطفال، متخرجة من الجامعة الأميركية قسم الإخراج. السيدة سنثيا من أم مسيحية وأب مسلم لذلك معاناتها كانت مع والدتها وعن تجربتها تقول: "تحجبت بعد قناعة تامة لكن والدتي عارضت الموضوع وحصلت بعض المشاكل بيننا لكنها تقبلت الواقع بعد ذلك، أما أهل والدتي وبسبب اعتقاد سائد عند المسيحيين أن من يرتدي الحجاب فهو يُكفِّر عن ذنب عظيم ارتكبه كانوا دائماً يسألونني عن ذلك الذنب الذي دفعني لارتداء الحجاب، فكنت أشرح لهم أنه واجبٌ في الإسلام". وترى السيدة سنثيا أنه في خضم الشوائب الكثيرة التي تلطّخ قدسية الحجاب وطهارته تشعر أن من واجبها أن تقدم حجابها بأفضل طريقة ممكنة، وأن تنقل للآخرين صورة مشعة عن المرأة المحجبة وهذا ما يجب أن تقوم به كل فتاة محجبة وملتزمة بدينها.

* الحجاب المشرّف‏
الحاجة خديجة سلوم: مسؤولة الهيئات النسائية في منطقة بيروت، تحجبت بعد اعتراض كبير من والدتها وحصار اقتصادي حسب وصفها للضغط عليها لخلع الحجاب لكن حبها للدين أعطاها الزخم لتصمد وتصر على رأيها. وعن قدسية الحجاب تقول: "البعض ينظر إلى الحجاب على أنه تكليف شاق، لكني أنظر إليه على أنه تشريف للمرأة، وهذا ما ألمسه إثر لقائنا بجمعيات وشخصيات نسائية مسيحية وغيرها. وأذكر أنه أثناء مشاركتنا في مؤتمر في إيران كانت هناك سيدة بوذية وهي زعيمة النساء البوذيات، وبعد لقائنا بها قالت إنها تشرفت بمعرفتنا، إذ اكتشفت أنه تحت هذا اللباس الأسود والحجاب أنوارٌ مشعة وباطنٌ منير". "الحجاب قد يكون عائقاً أمام الفتاة غير المنسجمة مع نفسها داخلياً" تقول السيدة خديجة "ومع مبادئ حجابها، أما إذا كان حجابها عن قناعة والتزام، فالأمور الأخرى تصبح سطحية ولا تشكل أزمة إذا لم أستطع تحقيقها، المهم هو الوصول إلى رضا اللَّه سبحانه وتعالى".

المرأة في الدين الإسلامي تتميز عن الرجل بحجابها، بحيث يصبح شعارها ويبين حقيقة شخصيتها ومدى التزامها وتدينها ويحمّل صاحبته مسؤولية كبيرة. عن هذه المسؤولية تقول الحاجة خديجة: "على الفتاة المحجبة الانتباه إلى تصرفاتها وكلامها، فهي في المجتمع لا تمثل نفسها بل المرأة المسلمة المحجبة ككل ويجب الحرص على أفضل تمثيل لها". وتعتبر السيدة سلوم أن الحجاب ليس أداة للقمع، لكن الصورة المقولبة للمرأة المحجبة الموجودة في عقل الآخر يجب محوها. وتروي قصة باحثة بريطانية جاءت إلى مركز الهيئات في بيروت وتقول: "جلست مع مترجمها وهي مندهشة وسمعتها تقول إنها لا تصدق أن كل هؤلاء الفتيات المحجبات يعرفن كيف يعملن على أجهزة الكومبيوتر، كما استغربت معرفتنا باللغة الإنكليزية إذ كنا نفهم عليها دون الحاجة إلى المترجم، لكن تبين فيما بعد أنها وقبل مجيئها إلى لبنان كانت في أفغانستان، ورأت جماعة طالبان فرأت المرأة المحجبة الجاهلة المتخلفة التابعة للرجل مئة بالمئة فأكدت لنا أننا قدمنا لها الآن نموذجاً مشرّفاً ومغايراً للمرأة المسلمة المحجبة عن ذلك الذي كان في ذهنها".

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع