نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

قرآنيات‏: مناسبات الآيات: مالك المُلك‏

الشيخ عمار حمادة

 



ذكر كُتّاب السيرة(1) أن رسول الله صلى الله عليه وآله عندما علم بهجوم الأحزاب على المدينة خط للمسلمين خطّاً على مدخلها وأمرهم، بمشورةٍ من سلمان الفارسي، أن يحفروا عليه خندقاً يحميهم من الأعداء، وكان قد قطع لكل عشرةٍ منهم أربعين ذراعاً يحفرونها. فاختلف المهاجرون والأنصار في سلمان يريده كلٌّ إلى جانبه، إذ كان رجلاً قوياً، هؤلاء يقولون سلمان منا وأولئك يقولون هو منا، فقال النبي صلى الله عليه وآله مقالته المشهورة: "سلمان منّا أهل البيت".

قال عمرو بن عوف: كنت أنا وسلمان وحذيفة ونعمان بن مقرن المزني وستة من الأنصار في أربعين ذراعاً، فحفرنا حتى إذا كنّا بجب "ذي ناب" أخرج الله من بطن الخندق صخرة كسرت حديدنا وشقت علينا، فقلنا يا سلمان إذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وأخبره خبر هذه الصخرة، فإما أن نعدل عنها فإنّ المعدل قريب وإما أن يأمرنا فيها بأمره فإنا لا نحب أن نجاوز الخط الذي رسمه... قال عمرو: نزل رسول الله صلى الله عليه وآله مع سلمان الخندق وأخذ المعول منه وضرب الصخرة ضربةً فصدعها وبرق منها برقٌ أضاء ما بين لابتيها وكبَّر فكبر المسلمون وراءه ثم ضربها ثانيةً وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها فكبر وكبر المسلمون ثم ضربها ثالثة فكسرها وبرق منها برقٌ حتى كأنها مصباح في جوف بيت مظلم فكبَّر الرسول صلى الله عليه وآله وكبَّر المسلمون ثم أخذ بيد سلمان وطلع من الخندق. فسأله سلمان: بأبي أنت وأمي يا رسول الله صلى الله عليه وآله، لقد رأيت منك شيئاً ما رأيته قط من قبل هذا. فقال صلى الله عليه وآله: "ضربت ضربتي الأولى فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنها أنياب الكلاب فأخبرني جبرائيل أنَّ أمتي ظاهرة عليها، ثم ضربت ضربتي الثانية فبرق الذي رأيتم، أضاءت لي منها قصور الحُمر من أرض الروم كأنها أنياب الكلاب، وأخبرني جبرائيل أنَّ أمتي ظاهرة عليها ثم ضربت ضربتي الثالثة فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب، وأخبرني جبرائيل أنَّ أمتي ظاهرة عليها فابشروا". فاستبشر المسلمون وقالوا: الحمد لله موعدَ صدقٍ، وعدنا النصرَ بعد الحصر. أما المنافقون فقالوا: ألا تَعْجَبون، يُمَنّيكم ويعدكم الباطل ويخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وصنعاء ويقول إنَّها تفْتَح لكم، وأنتم إنما تحفرون الخندق من الخوف، ولا تستطيعون أن تبرزوا لعدوكم. فأنزل الله سبحانه في هذه القصة الآية: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (آل عمران: 26).

*تفسير الآية
ورد عن أهل التفسير في المعنى المباشر للآية أنَّه لمّا قال المنافقون مقالتهم، علَّم الله رسوله كيفية محاججتهم وكيف يجيبهم فقال له يا محمد قل: يا الله يا مالك كلِّ ملِك ومُلك، فكل مالك دونك هالك، ويا مالك الدنيا والآخرة، أنت تعطي الملك من تشاء وأنت تنزعه عمن تشاء بحسب ما توجبه الحكمة وتقضيه المصلحة، فأنت تعطي المسلمين المستضعفين الملك وتسلبه عن الطغاة والجبابرة، وأنت تعز من تشاء بالإيمان والطاعة وتذل من تشاء بالكفر والمعاصي في الدنيا والآخرة، والخير كله بيدك بل كل شي‏ء بيدك ولا يصل إلى أحدٍ إلا من قبلك، وأنت القادر على جميع الأشياء لا يعجزك شي‏ء منها تقدر على إيجاد المعدوم وإفناء الموجود.

*النكتة في الآية
ألفاظ الآية الشريفة سهلة وميسرة، ومعانيها واضحة وضوح الشمس في رابعةِ النهار، ويقبل بمضمونها كلُّ من اَمن بوجود الله، وعرف أنَّ مصائر الناس خاضعة لسطان عدله وحكمته، وأرزاقهم معلولة لفضله ومنَّه. ولكن من تعلق قلبه بالدنيا، وجعلها مبلغ همَّه وغاية علمه، ونظر إليها ولم ينظر بها، فإنّه يعمى عن الحقيقة التي تنطق بها هذه الآية الشريفة. فالمنافق ينظر، من ناحية، إلى حال المسلمين وهم محاصرون في المدينة وإلى الهلع الذي أصاب بعض ضعاف النفوس منهم والى المشركين وهم يجردون أعتى جيوشهم ويتوعدون المسلمين شراً، فيستنتج مباشرةً أنَّ هذه الثلة القليلة لن تصمد أمام ذلك الجيش الذي يحوي أبطال القبائل وصناديد اليهود. ومن ناحية أخرى يسمع ما وعد به الرسول صلى الله عليه وآله أصحابه من فتحٍ للممالك العظمى التي كانت تتقاسم أطراف العالم القديم ومن احتلال لقصور ملوكها وأكاسرها وقياصرها ومن إلحاقٍ للهزيمة بجيوشها، فلا يطيق عقله التصديق ولا قلبه الإذعان. هنا تبرز أهمية الآية في ردها على هذا المنطق، فهي لا تناقش الكافر والمنافق في اتهاماته وآرائه التفصيلية بل تنفذ إلى عمق منطقه ومرتكز تفكيره وتبين له الخلل الكامن في عقيدته وفهمه لهذا الوجود. ما تقوله الآية أنَّ هذا الوجود مملوك للقدرة الإلهية، ومهما كان مقدار قوة الممالك الموجودة فيه، ومهما علت سلطة الملوك المنصبة على رأسها، فان هذه القدرة لا يعجزها شي‏ء إن هي أرادت بحسب حكمتها وعدلها أن تسلبهم ذلك وتعطيه إلى العباد المساكين والمستضعفين. فليس هذا على الله ببعيد. ولا معنى لهذا الإستبعاد إلا الجهل بتلك الحقيقة التي يحملها المؤمن في قلبه والتي عبَّر عنها رسول الله صلى الله عليه وآله برؤياه لتلك الممالك وهي تهوي وتخضع للمسلمين الذين أرادت المشيئة الإلهية أن يظهروا على جميع ممالك الدنيا لأنهم الأمة الوسط والتي إن تمكنت حكمت بما أنزل الله.

* الإستفادة المعاصرة من الآية
بالطبع تصلح هذه الآية، كنظائرها، لأن تكون الهادي والمرشد لحركة المؤمن في هذا الزمان كما في جميع الأزمنة الغابرة، وبقليل من التدبُّر والمقارنة مع ظروف ذلك الزمان يمكن للمسترشد بها أن يفهم التالي: الحركات الإسلامية في هذا العصر، لا سيما حركات المقاومة التي تقف بوجه إسرائيل، جعلت من حركة الرسول صلى الله عليه وآله مناراً ونبراساً لها في حركتها الجهادية والدينية، وأوضاعها تتشابه إلى حد كبير مع أوضاع المسلمين في فترة حرب الأحزاب، فهذه الحركات موجودة على أرضها وبين أهلها وهي حديثة النشوء والأعداء جمعوا لها وأعدوا عدتهم وهجموا عليها في عقر دارها بذريعة الثأر لحروب سابقة، وإسرائيل تشكل اليوم رأس الحربة لدول الإستكبار في حربها على المسلمين المستضعفين كما شكل الأحزاب رأس الحربة لمشركي الجزيرة العربية، وهي تنادي بالدفاع عن نفسها في حال أنها تسير في حالة هجوم على الإسلام وهدفها في الواقع هو القضاء على الصحوة الإسلامية في مهدها كما كان جيش الاحزاب يطمع ويخطط له رؤوس الشرك يومها. وكما خرج كلام رسول الله صلى الله عليه وآله في خضم تلك المحنة كنور ساطع وسط الدياجير المظلمة ليؤمل المسلمين بالنصر كذلك هو الآن نورٌ ساطعٌ يبشرنا أن ما نشهده من هجوم أميركا وإسرائيل علينا، بشتى الوسائل العسكرية والثقافية والاقتصادية والسياسية، ومن خلفهما ذلك النفير العالمي الذي يريد أن يلقي الرعب في نفوسنا، لا ينبغي أن يؤثر علينا وينسينا الوعد الإلهي بتحقق دولة العدل على أرجاء الكرة الأرضية كافة، فلن يتخلف الوعد القرآني لنا بأن نتمكن من الأرض إذا حكمنا بما أنزل الله، وإذا أخلصنا لله العمل وأطعنا القيادة الشرعية. ولعل المواقف التي يطلقها سماحة ولي أمر المسلمين الإمام الخامنئي حفظه اللَّه بين الفينة والأخرى، والتي تأتي بخلاف التحليلات والتوهينات التي يطلقها الأعداء، هي أبرز تجلٍ لمنطق الآية في هذا العصر. فالناس الآن يرون أميركا في قمة سطوتها وإسرائيل في عز جبروتها فيما هو حفظه الله يجزم بضرس قاطع أنهما أصبحتا، والحضارة الغربية من ورائهما، في مراحل قوتهما الأخيرة، وقد عبّر مراراً عن أن هذا الجيل سوف يشهد بعينه سقوط أميركا، وقال لوفد المقاومة الإسلامية مهنئاً بانسحاب إسرائيل ذليلة من لبنان أنّهم سوف يرون النصر بأعينهم وأن سقوط إسرائيل حتمي لا ريب فيه. وقد كرر مقالته أخيراً، وسط تعجُّب الكثير من المحللين، أمام أعضاء مؤتمر تحت عنوان "عالم بدون أميركا والصهيونية".


(1) سيرة ابن هشام.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع