نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

أدب ولغة: القصائد العلويَّات السبع‏


فيصل الأشمر


تعدّ القصائد العلويات السبع من أشهر ما قيل من الشعر في مدح أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. وصاحبها هو عز الدين عبد الحميد بن هبة الله المعروف بابن أبي الحديد أحد كبار العلماء والمؤرخين، كان متكلماً جدلياً على مذهب الاعتزال، وكان أديباً ناقداً، متقناً لعلوم اللسان، عارفاً بأخبار العرب، جامعاً لخطبها ومنافراتها. ولد في المدائن في غرة ذي الحجة عام 586 ه، ومات في عام 656ه ومن كتبه: الفلك الدائر على المثل السائر وشرح نهج البلاغة.وقد ترك الشاعر سبع قصائد عُرفت بالعلويات لأنه مدح فيها الإمام علياً عليه السلام ذاكراً بطولاته في الفتوحات والمعارك مظهراً عظمته وفضله وقد نظمها وله من العمر خمس وعشرون سنة. وأولى هذه القصائد تلك التي قالها في ذكر فتح خيبر على يدي أمير المؤمنين عليه السلام ويقول فيها:
 

فَفيها لِذي اللبِّ الملبِّ أَعاجيبُ(1)

ألَم تخبرِ الأخبارَ في فتحِ خَيبرٍ

فكلٌّ إلى كلٍّ مُضافٌ ومَنسوبُ

وَفَوزُ عليٍّ بالعُلى فوزُها بِهِ‏

وكلُّ عزيزٍ غَالَبَ اللَّه مَغلوبُ‏

فَلمّا أرادَ اللَّه فضَّ خِتامِها

رِواقٌ مِنَ النَّصرِ الإلهيّ مَضروبُ‏

رَماها بِجيش يَملأ الأرضَ فَوقَه‏

ويُرشِدُه نورٌ مِنَ اللَّه مَحجوبُ‏

يُسدّدهُ هديٌ مِنَ اللَّه وَاضِحٌ‏

وَقائدُه نَسرُ المفازةِ والذِّيبُ‏

عليٌّ أميرُ المؤمنينَ زعيمهُ‏

عَلى كلِّ مَصبوبِ الإساءة مَصبوبُ‏

فَصبّ عَليها مِنه سَوطَ بَليةٍ


ثم يخاطب الإمام عليه السلام قائلاً:

تَقاصَرَ عنهُ الفُرسُ والرُّومُ والنوبُ(2)

حَنانيكَ فَازَ العُربُ مِنكَ بسؤدَدٍ

وَلا آب ذِكراً بَعدَ ذِكرِك أَيُّوبُ(3)

فما ماسَ مُوسى في رداءٍ منَ العُلى‏

لِوَجهِكَ تعظيمٌ لمجدِكَ تَرجيبُ(4)

لِذاتِكَ تَقديسٌ لِرَمسِكَ طُهرَةٌ


وفي القصيدة الثانية يقول الشاعر:

لَهُ القرصُ ردّ القرص أبيضَ أزهرا

إمام هُدىً بالقرص آثر فاقتضى‏

أحَالَ ثرَاها طيب ريَّاهُ عَنبرا

حَلفتُ بِمثواهُ الشّريفِ وَتُربةٍ

وإن لامَني فِيه العذولُ فَأكثرا

لأستنفدنّ العمرَ في مِدَحي لهُ‏


ونراه في القصيدة الثالثة يصف معدن الإمام عليه السلام فيقول:
 

أو سيف الوصي كلاهما فتَّاكُ

لا شي‏ء أقطع من نوى الأحباب‏

ملَقٌ ولا توحيده إشراكُ(5)

الجوهر النَّبويُّ لا أعماله‏

دكناء فهو لسجفها هتَّاكُ(6)

ذو النور إن نسج الضلال ملاءةً

خلق الزمان ودارت الأفلاكُ‏

علام أسرار الغيوب ومن له‏

أسراً لها لم يقضَ منه فكاكُ‏

فكَّاكُ أعناق الملوك فإن يُرِد

للأمر قبل وقوعه درَّاكُ‏

متعاظم الأفعال لاهوتيّها

منَّاع والأخّاذ والترَّاكُ‏

الصافح الفتَّاك والمتطول ال

برداً بأيدي المعصرات تحاك(7)

صلى عليه اللَّه ما اكتست الربى‏


ويقول في القصيدة الرابعة:

ففيه تطهير النجس‏

فافزع إلى مدح الوصي‏

ضب والمقانب والخُمُس(8)

ربُّ السلاهب والقوا

العالمُ الحبرُ النُّدس(9)

الزّاهِدُ الوَرِعُ التقي‏

           
وأيضاً يصف الشاعر في القصيدة الخامسة أميرَ المؤمنين عليه السلام ذاكراً علمه وكراماته وفضله فيقول:
 

وَلو شَابَه بِالموبقاتِ الكَبائِر(10)

لَقد فَازَ عَبدٌ للوَصيِّ ولاؤه‏

تَجسَّدَ مِن نُورٍ مِنَ القدس زاهِر

هُوَ النَّبأ المكنونُ والجوهَر الذي‏

الظهورُ على مُستودعات السَّرائِر

وذُو المعجزَاتِ الواضِحاتِ أقلُّها

أخاً ونَظيراً في العلى والأواصِر(11)

ووَارِثُ علمِ المُصطفى وشَقيقُه

فَبوركَ من وترٍ مُطاع وقادِر(12)

ألا إنَّما الأَقدارُ طوع يَمينِهِ‏

وَحيرةُ أربابِ النُّهى والبَصَائِر(13)

هُوَ الآيةُ العُظمى ومُستنبِطُ الهدى‏

بِمدحِكَ بَينَ الناسِ أَقصرُ قاصِر

تَعالَيتَ عَن مَدحٍ فأبلَغُ خاطب

بَري‏ء المَعالِي مِن صِفاتِ الجَواهِر

صِفاتُكَ أسماءٌ وَذاتُكَ جَوهَرٌ

ويَكبرُ عَن تَشبيههِ بالعَنَاصِر

يجلُّ عَنِ الأعراضِ والأينِ والمتى‏

فَقبرُكَ رُكني طَائِفاً وَمشاعِري‏

إذا طَافَ قَومٌ في المَشاعِرِ والصَّفا

فَمدحُكَ أَسنى مِن صِيامِ الهَواجِر(14)

وإن صَامَ ناسٌ في الهواجِرِ حِسبَةً

أطعتُ الهَوى والغيَّ غيرَ مُحاذِر

إِذا كُنتَ للنِّيرانِ في الحَشر قاسماً

فَكُن شَافِعي يَومَ المعادِ ونَاصِري‏

نَصَرتكَ في الدُّنيا بِما أَستَطيعه‏

وَساتِرَ وَجهٍ مِنكَ لَيسَ بِساتِر

فَلَيتَ تُراباً حال دُونَكَ لم يَحل‏


وإذا وصلنا إلى القصيدة السادسة وهي القصيدة الأشهر بين هذه القصائد السبع فإننا نرى أكثر فأكثر حب الشاعر وتعظيمه لأمير المؤمنين عليه السلام، يتجلى ذلك في ثنايا الأبيات التالية:
 

فَكأنَّ زنجيّاً هُناكَ يجدَّعُ(15)

قَد قُلتُ للبرقِ الذي شَقَّ الدُّجى‏

أَترَاكَ تَعلمُ من بأرضِك مودعُ‏

يا بَرقُ إن جئتَ الغريَّ فقل له‏

عيسى يُقفِّيهِ وأحمدُ يَتبعُ(16)

فيكَ ابن عُمرَانَ الكليم وَبعدهُ‏

رافيل والملأُ المقدَّس أجمعُ‏

بَل فيكَ جبريلٌ وميكالٌ وإس

لِذوي البَصائر يَستشفُّ ويَلمعُ‏

بَل فِيكَ نُورُ اللَّه جَلَّ جَلالُه‏

ي المجتبى فيك البطينُ الأنزعُ(17)

فيكَ الإمامُ المرتَضى فيكَ الوَص

ومفرق الأحزاب حيث تَجمّعوا(18)

ومبدِّدُ الأبطال حيث تألَّبوا

حتى تكاد لها القلوب تصدَّعُ‏

والحبر يَصدع بالمواعظ خاشعاً

عَدَمٍ وسرُّ وُجوده المستودعُ‏

هذا ضَميرُ العالم الموجُود عَن‏

بِنظيرها من قَبل إلا يوشَعُ(19)

يَا من لهُ ردت ذكاءُ ولم يَفز

عَجَزَت أكفٌّ أربَعونَ وأربعُ‏

يا قَالعَ البابِ الذي عن هَزَّها

بنفوذِ أمرك في البريَّةِ مولعُ(20)

مَا الدَّهرُ إلا عَبدُكَ القِنُّ الذي‏

فَليصغِ أربَابُ النُّهى وليسمعوا

لي فيكَ مُعتقدٌ سَأكشفُ سِرَّهُ‏

دُنيا ولا جَمعَ البريَّة مجمعُ‏

واللَّه لولا حَيدَرٌ ما كانَتِ الد

والصبح أبيض مُسفر لا يدفعُ‏

علمُ الغيوبِ إليهِ غير مُدَافع‏

وهو الملاذ لنا غدا والمفزعُ‏

وإليهِ في يَوم المعادِ حِسابنا

سَيضرُّ مُعتقداً لهُ أو يَنفعُ‏

هذا اعتقادِي قَد كشفتُ غِطاءه‏

نِعمَ المراد الرَّحب والمستربَعُ‏

يا مَن لهُ في أَرض قَلبي مَنزلٌ‏

نارٌ تَشبُّ على هَواكَ وتلذعُ‏

أَهوَاكَ حتى في حَشاشَة مُهجتي‏

هوَى لأجلكَ كلَّ من يَتشيَّعُ‏

ورأيتُ دينَ الإعتزَال وإِنني‏

مهديِّكم وليومهِ أتوَقَّعُ‏

وَلقد عَلمتُ بأنَّهُ لا بُدَّ من‏

كاليمِّ أقبلَ زاخِراً يَتدفَّعُ‏

يَحميهِ مِن جُندِ الإله كتائبٌ‏


وإذا وصلنا إلى القصيدة السابعة والأخيرة نجد الشاعر يخاطبنا قائلاً:
 

نادٍ لأملاكِ السماءِ ومحفلُ‏

عُج بالغريّ على ضريحٍ حولَه‏

ومعظمٌ ومكبِّر ومهلِّلُ‏

فَمسبِّحٌ ومقدسٌ وممجدٌ

عيدانهُ قُبلاً فَهنَّ المندَلُ(21)

والثم ثراه المسكَ طيباً واستلم‏

نصّاً بهِ نَطقَ الكتابُ المنزلُ‏

وقلِ السلامُ عَليكَ يا مَولى الورى‏

منصوصةً عن جيدِ مجدك معدلُ‏

وَخِلافَةً ما إِن لها لو لم تكُن‏

في حبه وغواة قوم ضُلَّلُ‏

يا أيها النبأ العظيم فمهتدٍ

فرقان والحِكَم التي لا تُعقلُ‏

يا وارثَ التوراةِ والإنجيل وال

حَقاً فحبكَ بَابُهُ والمدخلُ‏

إن كانَ دينُ محمدٍ فيه الهدى‏

قُمُصاً بهنّ سواكَ لا يَتسربلُ(22)

صلى عليكَ اللَّهُ من متسربلٍ‏

ألفاكَ ناصرَهُ الذي لا يُخذلُ

وجزاكَ خيراً عن نَبيك إنهُ‏


(1) الملب: المقيم.
(2) حنانيك: رحمة منك.
(3) ماس: تبختر واختال. آب: عاد.
(4) ترجيب: تعظيم.
(5) الملق: التملق.
(6) الملاءة: الغطاء، دكناء: سوداء ، السجف: الستر، هتاك: كاشف.
(7) البُرد: الأكسية، المعصرات: الغيوم.
(8) السلاهب: الخيول، القواضب: السيوف، الخُمُس: الجيوش.
(9) الحبر: العالِم، الندس: الفَطِن والدقيق النظر.
(10) الموبقات الكبائر: الذنوب الكبيرة.
(11) الأواصر جمع الآصرة أي القرابة.
(12) الوتر: الفرد والشخص.
(13) النهى: العقول.
(14) الهواجر: جمع الهاجرة أي نصف النهار عند اشتداد الحر، صام حسبة: صام لقاء أجر عند الله.
(15) يجدَّع: يقطَع طرف من أطرافه.
(16) يقفيه: يتبعه.
(17) البطين: كبير البطن، الأنزع: الذي انحسر شعره عن جانبي جبهته.
(18) تألبوا: تجمعوا.
(19) ذكاء: من أسماء الشمس.
(20) القن: العبد.
(21) المندل: العود الطيب الرائحة.
(22) تسربل: لبس السربال أي القميص، القُمُص: جمع القميص.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع