نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

من قادة الفكر الإمامي: الفضل بن شاذان النيسابوري

السيد علي محمد جواد فضل الله

 



علم من أعلام الإمامية ورائد من روادها، تلميذ نجيب من مدرسة آل بيت محمد صلى الله عليه وآله حيث ورد حياضهم ونهل من عذب تميزهم، وصدر عن صافي وردهم، وهصر قطوف الحق من أفنان خمائلهم فكان مهيعاً للحقيقة، وعيبة للعلم ومختلفاً للعلماء، وكيف لا يكون كذلك، وقاصد البحر مذهول بعبابه عن السواقي الجاريات؟!

لقد احتل الفضل بن شاذان موقعاً هاماً في الحياة العلمية والفكرية عند الشيعة الإمامية في القرن الثالث الهجري، إذ يعتبر من العلماء البارزين الذين أسهموا في إغناء الواقع الإسلامي في زمن حضور الأئمة عليهم السلام عبر مؤلفاتهم ونشاطاتهم الفكرية في مختلف ميادين العلوم الإسلامية كالكلام والفقه والأصول والفلسفة، ومن هنا فإن التاريخ يسجل للفضل بن شاذان أنه كان في موقع الصدارة وممن تُوجّه إليه الأنظار وتُدار حوله الرحى في الحراك الفكري والسجال العلمي الخصب الذي كان سائداً آنذاك. إلى هذا، فإن التاريخ لم يذكر لنا شيئاً عن ولادة الفضل ولا عن تفاصيل حياته ومجرياتها ومحطاتها، غير كونه من أهل نيسابور وهي البلد الذي يضاف إليه اسمه عند الترجمة له، فيقال الفضل بن شاذان النيسابوري(1). وقد عدّه الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الإمامين الهادي والعسكري عليه السلام، وقال النجاشي إن الفضل قد روى عن الإمام أبي جعفر الثاني عليه السلام وقيل الرضا عليه السلام أيضاً(2).

ويذكر التاريخ أن أباه كان من أصحاب الفقيه والمتكلم الشيعي البارز من أصحاب الأئمة عليهم السلام يونس بن عبد الرحمن. وأما وفاته وسببها فقد ذكر الكشي عن أحمد بن يعقوب أبي علي البيهقي أنها كانت سنة 260هـ وأما السبب في الوفاة فهو أن الفضل بن شاذان كان بـ "رستاق بيهق" فوَرَد خبر الخوارج فهرب منهم فأصابه التعب من خشونة السفر مما اعتل ومات منه(3).

*أقوال العلماء فيه
فقد ذكره النجاشي بقوله: وكان ثقة، أحد أصحابنا الفقهاء والمتكلمين وله جلالة في هذه الطائفة وهو في قدره أشهر من أن نصفه(4). وقد ترجمه شيخ الطائفة الطوسي في فهرسته بقوله: فقيه متكلم جليل القدر، له كتب ومصنفات(5). وذكره العلاّمة في الخلاصة بقوله: وهذا الشيخ أجلُّ من أن يُغمز عليه فإنه رئيس طائفتنا(6). وذكره ابن النديم في "الفهرست" بقوله: وهو خاصي عامي الشيعة تدعيه والحشوية تدعيه وله من الكتب التي تعلق بالحشوية: كتاب التفسير، كتاب القراءات، كتاب السنة في الفقه(7). وإلى ما نقله ابن النديم أشار إليه الشيخ الطوسي بقوله: وذكر ابن النديم أن له على مذهب العامة كتباً كثيرة منها: وذكر الكتب التي ذكرها ابن النديم(8). ولا شك أن ما تقدم عن ابن النديم من ادعاء كل من الشيعة والعامة (الحشوية) للفضل بن شاذان ما هو إلا تدليل على أهمية موقع ابن شاذان بين الفرق الإسلامية آنذاك. ولكننا إذا تأملنا قائمة كتب الفضل فإننا نتأمل ملياً في دعوى ابن النديم من ادعاء العامة للفضل، خاصة وأن جملة كثيرة من كتب الفضل جاءت للرد على فرق العامة وعلمائها ومنها فرقة الحشوية في مختلف المسائل النظرية والإعتقادية.

*مؤلفاته
ويحسن هنا ذكر بعض كتب الفضل التي أوردها النجاشي في رجاله(9) والطوسي في فهرسته(10) فقد ذكر النجاشي نقلاً عن الكنجي أن الفضل قد صنف مائة وثمانين كتاباً. وهذا بعض مما ذكر من كتبه: كتاب الرعية، كتاب الرد على أهل التعطيل، كتاب الإستطاعة، كتاب مسائل في العلم، كتاب الأعراض والجواهر، كتاب العلل، كتاب الإيمان، كتاب الرد على الثنوية ، كتاب إثبات الرجعة، كتاب الرد على الغالية المحمدية، كتاب الفرائض الأوسط، كتاب الرد على الفلاسفة، كتاب السنة، كتاب الفرائض الكبير، كتاب الفرائض الصغير، كتاب المسح على الخفين، كتاب الرد على المرجئة، كتاب الرد على القرامطة، كتاب مسائل البلدان، كتاب الملاحم، كتاب الإمامة الكبير، كتاب الخصال في الإمامة، كتاب الرد على الحشوية، كتاب الرد على الحسن البصري في التفضيل، كتاب اللطيف، كتاب الطلاق، كتاب القائم عليه السلام وغيرها الكثير. ولم يصل إلينا من كتب الفضل غير كتاب الإيضاح.

*موقع الفضل الكلامي
لو ألقينا نظرة على مؤلفات الفضل المتقدمة يتبين لنا بجلاء مدى أهمية علم الكلام في فكر الفضل وكم يحتل هذا العلم من موقع متقدم في نتاج الفضل الفكري والعلمي، وهذا الأمر نجده في ترجمة العلماء للفضل حيث عدّه الجميع على أنه من المتكلمين، لا بل إن الفضل نفسه يعد نفسه خليفة المتكلمين الكبار كهشام بن الحكم ويونس بن عبد الرحمن. فقد روى الكشي عن جعفر بن معروف قال: حدثني سهل بن بحر الفارسي، قال:" سمعت الفضل بن شاذان آخر عهدي به، يقول: أنا خليفة لمن مضى، أدركت محمد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى وغيرهما، وحملت عنهم منذ خمسين سنة، ومضى هشام بن الحكم رحمه الله وكان يونس بن عبد الرحمن رحمه الله خلفه كان يرد على المخالفين، ثم مضى يونس بن عبد الرحمن ولم يخلف خلفاً غير السكاك فرد على المخالفين حتى مضى رحمه الله وأنا من بعدهم رحمهم الله(11). إضافة إلى ما ورد هناك عدد من الروايات المادحة والمترحمة في حق الفضل منها قول الإمام أبي محمد عليه السلام: أغبط أهل خراسان بمكان الفضل بن شاذان وكونه بين أظهرهم، وغيرها من الروايات(12).

*موقع الفضل الفقهي
لقد شهد عصر حضور الأئمة عليهم السلام ضربين من الممارسة الفقهية قي المجتمع الشيعي(13):

الأول: الممارسة الفقهية المرتكزة على أسس استدلالية اجتهادية عقلية ونقلية، تؤمن بالاجتهاد في إطار الأحكام والظوابط الكلية التي تحكم الشريعة من كتاب وسنة.
الثاني: الممارسة الفقهية التي تتركز حول النص ولا تعدوه قيد أنملة، بحيث تكون الفتاوى عبارة عن متن الحديث مجرداً عن سنده.

وممن التزم الاتجاه الأول في عملية الممارسة الفقهية الفضل بن شاذان حيث أن ما وصل إلينا من نتاجه الفقهي يدل على ذلك، ففي كتاب "الإيضاح" وردت مسائل فقهية بحث فيها واستدل عليها بنفس اجتهادي أصولي على طريقة المتأخرين، وكذلك فإننا نلمس هذا المنحى عنده فيما نقله الشيخ الكليني في الكافي من مقاطع واسعة من كتابي الطلاق والفرائض للفضل حيث يقف المتتبع على ما وصل إليه الفقه الشيعي من حيث الاستقلالية بالتأليف في عصر الفضل مع عدم الإلتزام بالإفتاء بنَفَس النص أو التأليف بتجريد الأسانيد عن المتون وتخصيص المتن بالذكر بل قام الفضل بالتأليف على عين هذا النمط. ولا يستبعد أن تكون كتب بعض الفقهاء المتقدمين على الفضل على هذا النمط كيونس بن عبد الرحمن وغيره ممن كان لهم التآليف الكثيرة كالفضل بن شاذان في هذا المجال(14). وتبقى الإشارة إلى أن هذه الممارسة الفقهية الاجتهادية عند الفضل بن شاذان وغيره من كبار أصحاب الأئمة عليهم السلام قد جرّت عليهم تهمة أتباع القياس والعمل به.


1-رجال النجاشي؛ج؛2 ص: 168.
2- رجال النجاشي؛ ص: 168.
3- رجال الكشي؛ج؛ 2؛ص: 821.
4- رجال النجاشي؛ ج؛ 2ص: 168.
5- الفهرست؛ ص: 124.
6- جامع الرواة؛ الأردبيلي؛ ج؛ 2ص: 5.
7- الفهرست؛ ص: 323.
8- الفهرست؛ ص: 125.
9- رجال النجاشي؛ ج؛ 2ص: 168.
10- الفهرست؛ ص: 124-125.
11-رجال الكشي؛ ج؛ 2ص: 820.
12- مجلة الحياة الطيبة؛ ج؛ 6-7 ص: 164.
13- تاريخ الفقه الإسلامي وأدواره؛ جعفر السبحاني؛ ص: 185-186.
14- الحياة الطيبة، مصدر سابق؛ ص: 164.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع