نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

خواص أصحاب الإمام الصادق عليه السلام

الشيخ كاظم ياسين

 



كان الإمام الصادق ينظر إلى أصحابه على قدر كفايتهم، كلاً على حسب استعداده وكفايته، فاختص بجماعة منهم، فكانوا خير معين على حل المشاكل التي تحل بالمجتمع، والتي يهتم بها الإمام أشد الاهتمام. فهم يقومون بتنفيذ الخطط التي يرسمها لهم، ثم ينفذونها تحت إشرافه، فقد كانوا يشكلون هرماً على رأسه الإمام الصادق عليه السلام. ففي "رجال الكشي" ترد حول زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير عبارة: "مستودع سري" وفي كتب الحديث تروى عن الإمام الصادق عليه السلام عبارة: "وكيل" بشأن المعلّى بن خنيس. ولو تأملنا في هذه التعبيرات لألفينا أن كل واحد منها يدل على وجود جهاز فعّال مستتر وراء النشاط الظاهري للإمام الصادق عليه السلام. وكانت لأصحابه اليد الطولى في خوض معارك الحياة الاجتماعية والسياسية، وفي محاربة أهل الإلحاد والزندقة، ومناظرة أهل العقائد الفاسدة، والفرق الشاذة، ومقابلة الظلمة في شدة الإنكار عليهم، وتوجيه الانتقاد إليهم بطرق مختلفة. وكان عليه السلام يشيد بذكر خُلَّص أصحابه، ويُظهر للناس كفايتهم. وحيث كان ترد عليه الوفود من سائر البلاد الإسلامية للاستفادة مرة، وللمناظرة أخرى، فقد جعل لكل واحد من أصحابه وظيفة خاصة يقوم بها عندما يعوّل في الجواب عليه، إظهاراً لفضله وعلو منزلته.

*هشام بن الحكم
ولد في الكوفة، ونشأ في واسط، وكانت تجارته في بغداد، ثم انتقل إليها في آخر عمره، وروى كثيراً عن الإمام الصادق عليه السلام، وكان من خواصه، وروي عنه فيه مدائح له جليلة، كان رفيع المنزلة جليل القدر عند الأئمة عليهم السلام، وكان ثقة في الروايات، حسن التحقيق بهذا الأمر، من أعلام علماء وفقهاء ومحدثي الإمامية الثقات. وكان في بادئ أمره يرى رأي الجهمية، فدخل على أبي عبد الله عليه السلام ليناظره، فلما بصر به وقرب منه هاله منظره، حتى بقي لا يجد شيئاً يتفوه به، ولم ينطلق لسانه، وتيقن أن ما أصابه من هيبته لم يكن إلا من قبل الله عز وجل من عظم موقعه ومكانه من الرب الجليل، فاستبصر وترك مذهبه، ورجع إلى طريق الحق، وفاق أصحاب أبي عبد الله كلهم.
وكان متكلماً حاذقاً، مناظراً سريع البديهة، تقياً، وله مناظرات قيمة في التوحيد والإمامة، مشهورة معروفة مذكورة في الكافي، وكتب الشيخ الصدوق قدس سره وغيرها، وله صولات وجولات في محاججاته مع الخصوم والمعاندين، وكان ممن فتق الكلام في الإمامة وهذب المذهب بالنظر، وكان حاذقاً بصناعة الكلام، حاضر الجواب، وسئل يوماً عن معاوية بن أبي سفيان، أشهد بدراً؟ قال: نعم من ذلك الجانب. وله كتب في علل التحريم والفرائض والتوحيد والإمامة واختلاف الناس فيها، وفي الجبر والقدر، وفي الوصية والرد على منكريها، وفي المعرفة والدلالة على حدوث الأجسام، والرد على الزنادقة، وعلى أصحاب الطبائع، وعلى المعتزلة، وعلى أرسطا طاليس في التوحيد، وعلى طلحة والزبير. ورفعه الصادق عليه السلام في الشيوخ وهو غلام. وقال: هذا ناصرنا بقلبه ولسانه ويده، كما وصفه بقوله: هشام بن الحكم رائد حقنا، وسائق قولنا، المؤيد لصدقنا، والدافع لباطل أعدائنا، من تبعه وتبع أثره تبعنا، ومن خالفه وألحد فيه فقد عادانا وألحد فينا.

*تلميذ الإمام
قال هشام بن الحكم: سألت أبا عبد الله عليه السلام بمنى عن خمسمائة حرف من الكلام، فأقبلت أقول يقولون كذا وكذا، فيقول لي قل كذا. فقلت: هذا الحلال والحرام، والقرآن، أعلم أنك صاحبه وأعلم الناس به فهذا الكلام من أين؟ فقال: يحتج الله على خلقه بحجة لا يكون عنده كل ما يحتاجون إليه ؟؟. وبعد أن سأل الإمام الصادق عليه السلام عن أسماء الله واشتقاقها قال له الإمام عليه السلام: أفهمت يا هشام فهماً تدفع به وتناضل به أعداءنا المتخذين مع الله عز وجل غيره؟ قال: نعم، فقال: نفعك الله به وثبتك يا هشام. مات سنة تسع وسبعين ومائة بالكوفة في أيام هارون، وقد كان قدم ليضرب عنقه، فافزع قلبه ذلك حتى مات رحمه الله، بعد نكبة البرامكة بمدة يسيرة متستراً، وكان لاستتاره قصة مشهورة في المناظرات(1).

*زرارة بن أعين
واسمه عبد ربه، يكنى أبا الحسن وزرارة لقب له، شيخ أصحابنا الإمامية في زمانه ومتقدمهم، وكان قارئاً فقيهاً متكلماً شاعراً أديباً، قد اجتمعت فيه خلال الفضل والدين، صادقاً فيما يرويه، له كتاب في الاستطاعة والجبر، من أصحاب الباقر والصادق والكاظم عليهم السلام. كان من خواص تلاميذ الإمام الصادق عليه السلام المخلصين، قال: "أسمع والله بالحرف من جعفر بن محمد عليه السلام من الفتيا فأزداد به إيماناً". قال الإمام الصادق عليه السلام: "بشر المخبتين بالجنة، بريد بن معاوية العجلي، وأبا بصير ليث بن البختري المرادي، ومحمد بن مسلم، وزرارة"، "ما أجد أحداً أحيا ذكرنا وأحاديث أبي إلا هؤلاء"، "أربعة نجباء أمناء الله على حلاله وحرامه، لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست"، "هؤلاء القوامون بالقسط القوالون بالصدق وهؤلاء السابقون، أولئك المقربون"، "ولولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا، هؤلاء حفاظ الدين، وهم السابقون إلينا في الدنيا والسابقون إلينا في الآخرة، بهم يكشف الله كل بدعة، ينفون عن هذا الدين انتحال المبطلين وتأويل الغالين". قيل لجميل بن درّاج: ما أحسن محضرك وأزين مجلسك؟ فقال: إي والله ما كنا حول زرارة بن أعين إلا بمنزلة الصبيان في الكتاب حول المعلم. قال الإمام الصادق عليه السلام: رحم الله زرارة بن أعين، لولا زرارة لظننت أن أحاديث أبي ستذهب، وقال للمفضل بن عمر: ليس من عبد يرفع نفسه إلا وضعه الله وما من عبد وضع نفسه إلا رفعه الله وشرفه، فإذا أردت حديثاً فعليك بهذا الجالس وأومأ إلى رجل من أصحابه، فسأل المفضل أصحابه عنه فقالوا: زرارة بن أعين.


* موالياً مطيعاً:
فقد قال له زيد بن علي وهو عند الإمام الصادق عليه السلام: ما تقول يا فتى في رجل من آل محمد استنصرك؟ فقال له زرارة: إن كان مفروض الطاعة نصرته، وإن كان غير مفروض الطاعة فلي أن أفعل ولي أن لا أفعل، فلما خرج قال أبو عبد الله عليه السلام: أخذته والله من بين يديه ومن خلفه وما تركت له مخرجاً. إهتم الإمام الصادق عليه السلام بزرارة اهتماماً خاصاً، وكان يخاف عليه من بطش السلطان، فذكر كلمات تعيب زرارة، وكلمات تظهر أن أصحابه في العراق مختلفون، دفاعاً عنهم وحفظاً لهم من أذى الأعداء، فقد قال الإمام الصادق عليه السلام لعبد الله بن زرارة: اقرأ مني على والدك السلام وقل له: إني إنما أعيبك دفاعاً مني عنك، يقول الله عز وجل: ﴿أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا﴾. لا والله ما عابها إلا لكي تسلم من الملك، ورحمة الله عليك حياً ورحمته ورضوانه عليك ميتاً. ومات زرارة وله خمسون ومائة.

*محمد بن مسلم
محمد بن مسلم بن رياح الثقفي، أبو جعفر الأوقص الطحان، طائفي، وجه أصحابنا بالكوفة، فقيه، ورع، صحب الإمامين محمد الباقر وجعفر الصادق عليهما السلام، وروى عنهما. فقد أقام بالمدينة أربع سنين يدخل على أبي جعفر عليه السلام يسأله، ثم كان يدخل على جعفر بن محمد عليه السلام، ثم قال: "سمعت من أبي جعفر عليه السلام  ثلاثين ألف حديث، ثم لقيت جعفراً ابنه فسمعت منه ستة عشر ألف حديث". وكان من أوثق الناس عند الإمام الصادق عليه السلام، فقد قال له أحد أصحابه: إنه ليس كل ساعة ألقاك ويمكن القدوم، ويجيء الرجل من أصحابنا فيسألني وليس عندي كل ما يسألني عنه، قال: "فما يمنعك من محمد بن مسلم الثقفي، فإنه قد سمع من أبي وكان عنده وجيهاً". له كتاب يسمى المسائل الأربعمائة في أبواب الحلال والحرام، وعد ممن اجتمعت العصابة على تصديقهم، وانقيادهم لهم بالفقه. ذات يوم، شهد أبو كريبة الأزدي، ومحمد بن مسلم الثقفي عند شريك القاضي بشهادة، فنظر في وجهيهما ملياً، ثم قال: فاطميان، فبكيا، فقال لهما: ما يبكيكما ؟ قالا له: نسبتنا إلى أقوام لا يرضون بأمثالنا أن يكونا من إخوانهم لما يرون من سخف ورعنا، ونسبتنا إلى رجل لا يرضى بأمثالنا أن يكونوا من شيعته، فإن تفضل وقبلنا، فله المن علينا والفضل فينا، فتبسم شريك، ثم قال: إذا كانت الرجال فلتكن أمثالكما(2). وكان محمد بن مسلم رجلاً شريفاً موسراً جليلاً، فقال أبو جعفر، الباقر عليه السلام: تواضع يا محمد، فلما انصرف إلى الكوفة أخذ قوصرة من تمر مع الميزان، وجلس على باب المسجد الجامع، وجعل ينادي عليه، ويبيع التمر، فجاء قومه فقالوا: فضحتنا، فقال: أمرني مولاي بأمر فلن أخالفه، ولن أبرح حتى أفرغ من بيع ما في هذه القوصرة، فقالوا: إذا أبيت إلا أن تشتغل ببيع وشراء فاقعد في الطحانين، فهيأ رحاً وجملاً وجعل يطحن، وقيل: إنه كان من العباد في زمانه. ومات محمد بن مسلم سنة خمسين ومائة وله نحو من سبعين سنة.


*مؤمن الطاق
محمد بن علي بن النعمان البجلي الكوفي(3) أبو جعفر، مولاهم الأحول، الملقب بمؤمن الطاق. وهو من أصحاب الإمام جعفر الصادق عليه السلام. نسب إلى سوق في طاق المحامل بالكوفة، كان يجلس للصرف بها. تفوق على أعدائه وخصومه بالمناظرة، وأعجزهم عن المقابلة له، فالتجأوا إلى لغة الانتقاص منه فلقبوه شيطان الطاق، ولما بلغ هشام بن الحكم ذلك لقبه: مؤمن الطاق، فعرف بذلك بين الطائفة. وكان حسن الاعتقاد والهدي، حاذقاً في صناعة الكلام، سريع الخاطر والجواب. قال أبو خالد الكاملي: رأيت أبا جعفر صاحب الطاق وهو قاعد في الروضة، قد قطع أهل المدينة إزاره، وهو دائب يجيبهم ويسألونه، فدنوت منه وقلت: إن أبا عبد الله نهانا عن الكلام. فقال: أوَأمرك أن تقول لي؟ فقلت: لا والله ولكنه أمرني أن لا أكلم أحداً. قال: فاذهب وأطعه فيما أمرك. فدخلت على أبي عبد الله عليه السلام فأخبرته بقصة صاحب الطاق، فتبسم أبو عبد الله عليه السلام وقال: يا أبا خالد إن صاحب الطاق يكلم الناس فيطير، وأنت إن قصّوك لن تطير(4). وكان محمد بن علي بن النعمان كثير العلم، متفوقاً في معارفه، قوياً في حجته، تعددت فيه نواحي العبقرية والنبوغ، فهو عالم بالفقه والكلام والحديث، والشعر، وكان قوي العارضة، سريع الجواب واضح الحجة. اشتغل بالتجارة وانتقل بين أكثر المدن الإسلامية، وعرف بتشيعه وإخلاصه لأهل البيت عليهم السلام ولقي من عنت خصومهم والمناوئين لهم ما نغص عليه عيشه، ولكن لم يحل ذلك بينه وبين الإعلان بمبدئه، والجهر في دعوته. وكان الناس يعترفون له بالفضل والعلم، والنبوغ والتفوق. وقد كان عصره يقضي على المفكرين، من أمثاله، بكبت الشعور وكم الأفواه، وتمويه الحقائق، ولكنه لم يخضع لذلك الحكم الجائر، فهو لا يزال يجهر بالحق، ويعلن بفضل عليّ عليه السلام، ويظهر تمسكه بأبنائه. مناظراته واحتجاجه: كان مؤمن الطاق يمتاز بقدرة فائقة على الجدل، وقوة في التفكير، ومهارة في الاستنباط. ويكاد المؤرخون يجمعون على تفوقه في سرعة الجواب وقوة العارضة.

*الحلبي
عادة ما يطلق هذا اللقب على أحد هؤلاء الثلاثة: محمد، وعبيد الله، وأحمد، وهم أولاد علي بن أبي شعبة الحلبي، وهو كوفي، كان يتجر هو وأولاده إلى حلب، فغلب عليهم النسبة إلى حلب، وآل شعبة في الكوفة بيت مذكور من أصحابنا، وروى جدهم أبو شعبة عن الحسن والحسين عليهما السلام، وكانوا جميعهم ثقات مرجوعاً إلى ما يقولون، ولكن إذا ما أطلقت كلمة الحلبي في الروايات فالمقصود بها هو عبيد الله، فهو كبيرهم ووجههم ومن ثقات محدثي الإمامية، وكان فقيهاً، صحيح الحديث، ومن وجوه الشيعة بالكوفة، وهو من أصحاب الصادق عليه السلام، له كتاب في الفقه، وهو أول كتاب صنفه الشيعة، ويعد من أهم كتبهم، وهو الكتاب المنسوب إليه والذي عرضه على أبي عبد الله الصادق عليه السلام، فلما رآه استحسنه، وصححه، وقال: ليس لهؤلاء، يعني المخالفين، مثله. وعده الشيخ المفيد في رسالته العددية من الفقهاء الإعلام، المأخوذ منهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام، الذين لا يطعن عليهم، ولا طريق إلى ذم واحد منهم(5).


*هشام بن سالم
الجواليقي، الجعفي، أبو الحكم، كوفي، كان من سبي الجوزجان، روى عن الإمام الصادق عليه السلام والإمام الكاظم عليه السلام. ثقة ثقة، له كتاب الحج، وكتاب التفسير، وكتاب المعراج، وذكر ابن الغضائري في كتابه خمسة رجال، زيادة على ما قاله النجاشي كل منهم(ثقة ثقة) مرتين، وعد منهم هشام بن سالم الجواليقي. من الإمام الصادق إلى الإمام الكاظم عليهما السلام روى هشام بن سالم، قال: "كنا بالمدينة بعد وفاة أبي عبد الله عليه السلام، أنا ومؤمن الطاق، وأبو جعفر، والناس مجتمعون على أن عبد الله صاحب الأمر بعد أبيه، فدخلنا عليه أنا وصاحب الطاق، والناس مجتمعون عند عبد الله، وذلك أنهم رووا عن أبي عبد الله عليه السلام أن الأمر في الكبير ما لم يكن به عاهة، فدخلنا نسأله عما كنا نسأل عنه أباه، فسألناه عن الزكاة في كم تجب، قال: في مائتين خمسة، قلنا: ففي مائة ؟ قال: درهمان ونصف درهم. قلنا له: والله ما يقول المرجئة هذا، فرفع يده إلى السماء فقال: لا والله ما أدري ما تقول المرجئة. فخرجنا من عنده ضلالاً لا ندري إلى أين نتوجه أنا وأبو جعفر الأحول، فقعدنا في بعض أزقة المدينة باكين حيارى، لا ندري إلى من نقصد، وإلى من نتوجه، نقول إلى المرجئة؟ إلى القدرية؟ إلى الزيدية؟ إلى المعتزلة؟ إلى الخوارج؟ فنحن كذلك إذ رأيت رجلا شيخاً لا أعرفه يومي إلي بيده، فخفت أن يكون عيناً من عيون أبي جعفر المنصور، وذلك أنه كان له بالمدينة جواسيس ينظرون على من اتفق من شيعة جعفر فيضربون عنقه، فخفت أن يكون منهم، فقلت لأبي جعفر: تنح فإني خائف على نفسي وعليك، وإنما يريدني ليس يريدك، فتنح عني لا تهلك وتعين على نفسك، فتنحى غير بعيد. وتبعت الشيخ وذلك أني ظننت أني لا أقدر على التخلص منه، فما زلت أتبعه حتى وردني على باب أبي الحسن موسى عليه السلام، ثم خلاني ومضى، فإذا خادم بالباب فقال لي: أدخل رحمك الله، فدخلت فإذا أبو الحسن عليه السلام ، فقال لي ابتداءً: لا إلى المرجئة، ولا إلى القدرية، ولا إلى الزيدية، ولا إلى المعتزلة، ولا إلى الخوارج، إليّ إليّ إليّ. فقلت له: جعلت فداك، مضى أبوك؟ قال: نعم. قلت: جعلت فداك، مضى في موت؟ قال: نعم، قلت: جعلت فداك، فمن لنا بعده؟ فقال: إن شاء الله يهديك هداك، قلت: جعلت فداك، إن عبد الله يزعم أنه من بعد أبيه، فقال: يريد عبد الله أن لا يعبد الله. قلت: جعلت فداك، فمن لنا بعده؟ فقال: إن شاء الله يهدي هداك أيضاً، قلت: جعلت فداك، أنت هو؟ قال: ما أقول ذلك. قلت في نفسي لم أصب طريق المسألة، ثم قلت: جعلت فداك، عليك إمام؟ قال: لا!!! قال هشام: فدخلني شيء لا يعلمه إلا الله، إعظاماً له وهيبة أكثر ما كان يحل بي من أبيه إذا دخلت عليه. قلت: جعلت فداك، أسألك عما كان يسأل أبوك ؟ قال: سل تخبر ولا تذع، فإن أذعت فهو الذبح، قال: فسألته فإذا هو بحر. ثم قلت له: جعلت فداك، شيعتك وشيعة أبيك ضلال فألقي إليهم، وأدعوهم إليك، فقد أخذت علي بالكتمان؟ قال: من آنست منهم رشداً فألق إليهم وخذ عليهم بالكتمان، فإن أذاعوا فهو الذبح، وأشار بيده إلى حلقه. قال: فخرجت من عنده فلقيت أبا جعفر فقال لي: ما وراءك؟ قال: قلت الهدى، قال: فحدثته بالقصة، ثم لقيت المفضل بن عمر وأبا بصير، فدخلوا عليه وسلموا وسمعوا كلامه وسألوه، وقطعوا عليه، ثم لقينا الناس أفواجاً، وكان كل من دخل عليه قطع عليه، إلا طائفة مثل عمار وأصحابه، فبقي عبد الله لا يدخل عليه أحد إلا قليلا من الناس، فلما رأى ذلك وسأل عن حال الناس، فأخبروه أن هشام بن سالم صد عنه الناس. فأقعد لي بالمدينة غير واحد ليضربوني"(6).

*أبان بن تغلب
أبو سعيد البكري الجريري، عظيم المنزلة في أصحابنا، لقي الإمام زين العابدين والإمام الباقر والإمام الصادق عليهم السلام وروى عنهم، وكانت له عندهم منزلة وقدم. وذكره البلاذري، قال: قال له أبو جعفر عليه السلام: اجلس في مسجد المدينة وأفت الناس، فإني أحب أن يرى في شيعتي مثلك. وكان أبان إذا قدم المدينة تقوضت إليه الحلق، وأخليت له سارية النبي صلى الله عليه وآله. وقال الإمام الصادق عليه السلام، لما أتاه نعيه: أما والله لقد أوجع قلبي موت أبان. وكان قارئاً من وجوه القراء، فقيهاً لغوياً سمع من العرب وحكى عنهم. وكان مقدماً في كل فن من العلوم: في القرآن والفقه والحديث والأدب واللغة والنحو. وله كتب، منها: تفسير غريب القرآن، وكتاب الفضائل، وكتاب صفين. وله قراءة مفردة مشهورة عند القراء. قال حفيده أبان بن محمد بن أبان بن تغلب: سمعت أبي يقول: دخلت مع أبي -أي أبان بن تغلب- إلى أبي عبد الله عليه السلام، فلما بصر به أمر بوسادة فألقيت له، وصافحه واعتنقه وساءله ورحب به. قال عبد الرحمن بن الحجاج: كنا في مجلس أبان بن تغلب فجاءه شاب فقال: يا أبا سعيد أخبرني كم شهد مع علي بن أبي طالب عليه السلام من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله؟ فقال له أبان: كأنك تريد أن تعرف فضل علي بمن تبعه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال الرجل: هو ذلك، فقال: والله ما عرفنا فضلهم إلا بإتباعهم إياه. قال أبان لأبي البلاد: يا أبا البلاد تدري من الشيعة؟ الشيعة الذين إذا إختلف الناس عن رسول الله صلى الله عليه وآله أخذوا بقول علي عليه السلام، وإذا اختلف الناس عن علي عليه السلام أخذوا بقول جعفر بن محمد عليه السلام. قال الامام الصادق عليه السلام لأحد أصحابه: إن أبان بن تغلب روى عني ثلاثين ألف حديث فما روى لك فاروه عني. ومر أبان بن تغلب بقوم يعيبون عليه روايته عن الامام جعفر الصادق عليه السلام، فقال لهم: تلوموني في روايتي عن رجل ما سألته عن شيء إلا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله؟ ومات أبان في حياة أبي عبد الله عليه السلام سنة إحدى وأربعين ومئة(7).

*المعلى بن خنيس
من خالصي شيعة الإمام الصادق عليه السلام ومورد لعنايته، فإن الروايات في مدحه متضافرة، وجملة منها صحاح، وفيها تصريح بأنه كان من أهل الجنة، وأن له درجة لا ينالها إلا بالقتل، كما صرحت بذلك بعض الروايات، ويظهر من ذلك أنه كان في نفسه مستحقاً لدخول الجنة حتى ولو لم يقتل. ويصفه الشيخ الطوسي بأنه كان من السفراء الممدوحين وأنه مضى على منهاج الإمام الصادق عليه السلام، وكان محموداً عنده. وكان المعلى بن خنيس إذا كان يوم العيد خرج إلى الصحراء شعثاً مغبراً في زي ملهوف، فإذا صعد الخطيب المنبر مد يديه نحو السماء ثم قال: "اللهم هذا مقام خلفائك وأصفيائك وموضع أمنائك الذين خصصتهم بها، إنتزعوها وأنت المقدر للاشياء، لا يغلب قضاؤك، ولا يجاوز المحتوم من تدبيرك، كيف شئت وأنى شئت، علمك في إرادتك كعلمك في خلقك، حتى عاد صفوتك وخلفاؤك، مغلوبين مقهورين مستترين، يرون حكمك مبدلاً، وكتابك منبوذاً، وفرائضك محرفة عن جهات شرائعك، وسنن نبيك صلواتك عليه متروكة، اللهم العن أعداءهم من الاولين والآخرين. والغادين والرائحين، والماضين والغابرين، اللهم العن جبابرة زماننا، وأشياعهم، وأتباعهم، وأحزابهم، وأخوانهم، إنك على كل شيء قدير"(8).

* الإمام الصادق يخبر بمقتله:
جرى ذكر المعلى بن خنيس، فقال الإمام الصادق عليه السلام لأحد أصحابه: اكتم علي ما أقول لك في المعلى، أما إنه ما كان ينال درجتنا إلا بما ينال منه داوود بن علي. قال: وما الذي يصيبه من داوود؟ قال: يدعو به فيأمر به فيضرب عنقه ويصلبه. فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون. فقال الإمام عليه السلام: ذاك قابل (أي في السنة القادمة).

* الشهادة
لما كان قابل، ولي داوود بن علي المدينة، فقصد المعلى فدعاه، وسأله عن شيعة الإمام الصادق عليه السلام، وأن يكتبهم له، فقال: ما أعرف من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام أحداً، وإنما أنا رجل أختلف في حوائجه، ولا أعرف له صاحباً. قال: أتكتمني، أما إنك إن كتمتني قتلتك. فقال له المعلى: بالقتل تهددني، والله لو كانوا تحت قدمي ما رفعت قدمي عنهم، وإن أنت قتلتني لتسعدني وأشقيك، فحبسه، وأراد قتله، فقال له معلى بن خنيس: أخرجني إلى الناس، فإن لي ديناً كثيراً ومالاً، حتى أشهد بذلك، فأخرجه إلى السوق فلما اجتمع الناس، قال: يا أيها الناس أنا معلى بن خنيس فمن عرفني فقد عرفني اشهدوا أن ما تركت من مال، من عين، أو دين، أو أمة، أو عبد أو دار، أو قليل، أو كثير، فهو لجعفر بن محمد عليه السلام، قال: فشد عليه السيرافي صاحب شرطة داوود فقتله. وكان الإمام الصادق عليه السلام في مكة في ذلك اليوم، فقال لأحد أصحابه الذي كان قد خرج يستطلع أخبار المدينة: يا إسماعيل قتل المعلى بن خنيس؟ فقال: نعم، قال: أما والله لقد دخل الجنة"(9). فلما قدم الإمام عليه السلام من مكة، خرج من بيته مغضباً يجر ذيله ومعه ولده إسماعيل بيده السيف، حتى دخل على داوود بن علي، فقال: يا داوود قتلت مولاي وأخذت مالي. فقال: ما أنا قتلته ولا أخذت مالك. فقال: والله لأدعون الله على من قتل مولاي وأخذ مالي فقال له داوود كالمستهزئ بقوله: أتهددنا بدعائك؟ ما أنا قتلته، قال: فمن قتله؟ قال: قتله السيرافي، فقال: بإذنك أو بغير أذنك، ثم قال: يا إسماعيل شأنك به، فجعل السيرافي يصيح: يا عباد الله يأمروني أن أقتل لهم الناس ثم يقتلوني، فأخذه فقتله. فرجع الإمام عليه السلام إلى داره، فلم يزل ليله ساجداً وقائماً، فسمع في آخر الليل وهو ساجد ينادي: اللهم إني أسألك بقوتك القوية وبمحالك (بجلالك) الشديد، وبعزتك التي (كل) خلقك لها ذليل، أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تأخذه الساعة (الساعة). وما رفع رأسه من سجوده حتى سمعت الصايحة. فقالوا: مات داوود بن علي. فقال الإمام عليه السلام: إني دعوت عليه بدعوة بعث بها الله إليه ملكاً، فضرب رأسه بمرزبة انشقت منها مثانته فمات(10).

*ليث بن البختري(أبو بصير)
المرادي، أبو محمد، كوفي، وقيل أبو بصير الأصغر، روى عن الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام ، وعده ابن شهر آشوب من الثقات الذين رووا النص الصريح على إمامة موسى بن جعفر عليه السلام من أبيه. هو أحد الأربعة الذين ورد فيهم الثناء الخاص من الإمام الصادق عليه السلام: "بشر المخبتين بالجنة: بريد بن معاوية العجلي، وأبا بصير ليث بن البختري المرادي، ومحمد بن مسلم، وزرارة، أربعة نجباء أمناء الله على حلاله وحرامه، لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست". ورد في الحديث المتقدم. قال جميل بن دراج: "دخلت على الإمام الصادق عليه السلام، فاستقبلني رجل خارج من عند أبي عبد الله من أهل الكوفة من أصحابنا، فلما دخلت على أبي عبد الله، قال لي: لقيت الرجل الخارج من عندي؟ فقلت: بلى، هو رجل من أصحابنا من أهل الكوفة، فقال: لا قدس الله روحه ولا قدس مثله، إنه ذكر أقواماً كان أبي عليه السلام ائتمنهم على حلال الله وحرامه، وكانوا عيبة علمه، وكذلك اليوم هم عندي، هم مستودع سري، أصحاب أبي عليه السلام حقاً، إذا أراد الله بأهل الأرض سوءاً صرف بهم عنهم السوء، هم نجوم شيعتي أحياءاً وأمواتاً، يحيون ذكر أبي، بهم يكشف الله كل بدعة، ينفون عن هذا الدين انتحال المبطلين وتأول الضالين، ثم بكى، فقلت: من هم؟ فقال: من عليهم صلوات الله ورحمته أحياءاً وأمواتاً: بريد العجلي، وزرارة، وأبو بصير، ومحمد بن مسلم"(12). دخل أبو بصير يوماً على الإمام الصادق عليه السلام وقد خفره النفس، فلما أخذ مجلسه، قال له أبو عبد الله عليه السلام: يا أبا محمد، ما هذا النفس العالي؟ فقال: جعلت فداك، يابن رسول الله، كبر سني ودق عظمي واقترب أجلي، مع أنني لست أدري ما أرد عليه من أمر آخرتي، فقال أبو عبد الله عليه السلام: يا أبا محمد، وإنك لتقول هذا؟ قال: جعلت فداك، وكيف لا أقول هذا؟ فقال: يا أبا محمد، أما علمت أن الله تعالى يكرم الشباب منكم، ويستحيي من الكهول، والرواية طويلة، وفيها مدح بليغ للشيعة ولأبي بصير(13).

*جميل بن دراج
أبو علي النخعي، وجه الطائفة، ثقة، كوفي، من أصحاب الصادق والكاظم عليهما السلام، روى عنهما، وعمي في آخر عمره، ومات في أيام الرضا عليه السلام. "أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه"، قال له الإمام الصادق عليه السلام: يا جميل لا تحدث أصحابنا بما لم يجمعوا عليه، فيكذبوك. قال محمد بن حسان: سمعت أبا عبد الله عه السلام يتلو هذه الآية ﴿فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ ثم أهوى بيده إلينا، ونحن جماعة فينا جميل بن دراج وغيره، فقلنا: أجل والله، جعلت فداك لا نكفر بها. قال الفضل بن شاذان: دخلت على محمد بن أبي عمير، وهو ساجد، فأطال السجود، فلما رفع رأسه، ذكر له الفضل طول سجوده، فقال: كيف لو رأيت جميل بن دراج، ثم حدثه أنه دخل على جميل بن دراج، فوجده ساجداً، فأطال السجود جداً، فلما رفع رأسه، قال له محمد بن أبي عمير: أطلت السجود، فقال: وكيف لو رأيت معروف بن خربوذ.


1- معجم رجال الحديث؛ السيد الخوئي؛ ج: 20؛ ص: 302.
2- معجم رجال الحديث؛ السيد الخوئي؛ ج: 18؛ ص: 260؛ 263؛ 265.
3- لسان الميزان؛ ج: 5؛ ص: 200.
4- الكنى والألقاب؛ ج: 2؛ ص: 298.
5- معجم رجال الحديث؛ ج: 10؛ ص: 266؛ 385؛ و ج: 11؛ ص: 69؛ 77؛ 82؛ 88.
6- معجم رجال الحديث؛ السيد الخوئي؛ ج: 20؛ ص: 324؛ 326.
7- معجم رجال الحديث؛ السيد الخوئي؛ ج: 1؛ ص: 131؛ 134؛ 136.
8- معجم رجال الحديث؛ السيد الخوئي؛ ج: 19؛ ص: 262؛ 263.
9- الكافي؛ الجزء: 2؛ كتاب الدعاء: 2؛ باب: الدعاء على العدو: 33؛ الحديث: 5.
10- ن.م
11- المناقب؛ الجزء: 4؛ باب: أبي إبراهيم موسى بن جعفر، في فصل في معالي أموره(عليه السلام).
12- معجم رجال الحديث؛ السيد الخوئي؛ ج: 15؛ ص: 147؛ 148؛ 149.
13- الروضة؛ ح: 6؛ ورواها في الاختصاص في بيان ما ورد من المدح للشيعة الإمامية؛ معجم رجال الحديث؛ السيد الخوئي؛ ج: 15؛ ص: 144؛ 149.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع