نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

نورانية الصوم‏

الشيخ حسين الطقش‏

 



إن لكل شي‏ء في هذه الحياة ظاهراً وباطناً، وسراً وعلناً، ويدل على ذلك الدليل العقلي المؤيد بالأدلة النقلية. فأما الدليل العقلي فقد ذُكر في المباحث الفلسفية والحكميّة أن ما من موجود في عالم الطبيعة إلا وله وجودات في عوالم أخرى سابقة عليه، وهذا السبق على نحو الترتب الطولي، وإن بينها عليّة ومعلوليّة، وهذه العوالم هي:
1 - عالم المادة.
2 - عالم المثال.
3 - عالم العقل.
4 - عالم الألوهيّة.

طبعاً هذا التقسيم هو من حيثيّة معينة، وإلا فإن هناك انقساماً آخر ولكن من حيثيّة أخرى. ثم إن كل عالم هو بمثابة سرّ وغيب لِمَا هو دونه، وشهود ومُلك لِمَا هو فوقه. فعالم المادة هو شهود ومُلك لعالم المثال، بينما عالم المثال هو سرّ وغيب لعالم المادة، وهكذا... إذا اتضح ذلك نأتي إلى عبادة الصوم، فإن الصوم له معنى وصورة، باطناً وظاهراً، والأول يسمى ب(أسرار الصوم)، والثاني ب(آداب وأحكام الصوم). والمتكفل للبحث في القسم الأول أسرار الصوم هو الكتب التي تناولت أسرار العبادات بشكل عام، أو أسرار الصوم بشكل خاص، وأما القسم الثاني فإن المتكفل للبحث فيه هو الكتب الفقهيّة، وكتب السنن والمستحبات. وأما الأدلة النقلية المؤيدة: فالأول: قوله تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (الحجر: 21). فالصوم بما أنه شي‏ء خارجي إذاً فله خزينة في عوالم أخرى، وهذه الخزينة بل الخزائن تكون على نحو أعلى وأشرف بما أنها موجودة عند اللَّه تعالى: ﴿مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ (النحل: 96). والثاني: الآيات والروايات التي تحدثت عن تجسّم الأعمال، فمنها: قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (النساء: 10). وقوله تعالى: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا (آل عمران: 30).

* وأما الروايات، فمنها:
عن أبي بصير عن أحدهما الباقر أو الصادق عليه السلام: "إذا مات المؤمن دخل معه في قبره ست صور، فيهن صورة هي أحسنهنّ وجهاً، وأبهاهنّ هيئة، وأطيبهن ريحاً، وأنظفهن صورة، قال: فتقف صورة عن يمينه، وأخرى عن يساره، وأخرى بين يديه، وأخرى خلفه، وأخرى عند رجليه، وتقف التي هي أحسنهن فوق رأسه، فإن أُتي عن يمينه منعته التي هي يمينه". "ثم كذلك إلى أن يؤتى من الجهات الست، قال: فتقول أحسنهن صورة: من أنتم جزاكم اللَّه عني خيراً؛ فتقول التي عن يمين العبد: أنا الصلاة، وتقول التي عن يساره: أنا الزكاة، وتقول التي بين يديه: أنا الصيام، وتقول التي خلفه: أنا الحج والعمرة، وتقول التي عند رجليه: أنا برّ من وصلت من إخوانك، ثم يقلن: من أنت؟ فأنت أحسننا وجهاً، وأطيبنا ريحاً، وأبهانا هيئة، فتقول: أنا الولاية لآل محمد صلى الله عليه وآله"(1).

 إذاً، اتضح لنا أن لكل شي‏ء ومنه الأفعال العبادية كالصيام والصلاة الخ... صورة نورانية، ومعنى غير الذي هو عليه في هذه الحياة، بل بعبارة أدق إن نفس هذه الصورة النورانية التي تكون مع الإنسان في عالم البرزخ تكون معه في عالم الدنيا، ولكن لانصراف همّ الإنسان لعالم المادة الكثرة يعجز عن مشاهدة هذه الحقائق ﴿َمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا (الإسراء: 84).

نعم يوم القيامة، يوم ظهور الحقائق ﴿فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (ق: 22) فإن هذه الحقائق تبرز للجميع. ثم إن أسرار العبادات ومنها أسرار الصوم هي اللب، والأحكام والسنن بمثابة القشر، وهذا لا يعني عدم الاعتناء بالأحكام والسنن بل المراد هو الاعتناء الشديد بهذه الأسرار لتحصيل مرتبة الكمال التي هي غاية وجود الإنسان، يقول الكاشاني: "أنه لما كان الغاية من وجود الإنسان إنما هو وصوله إلى مرتبة الكمال التي هي الغاية من إيجاد الحق تعالى له، وكان ذلك لا يصحّ إلا لمن كمل حضوره مع ربه سبحانه، وبذل كل ما سواه في حبّه عزَّ وجلَّ، وبالغ في تطهير نفسه عما لا يليق بحضرة قدسه عزَّ وجلَّ، وهجر كل شاغل من الأوطان والإخوان، ولم يكن ذلك في وسع أكثر الناس... وهكذا لما علم سبحانه ضعف العبد عن دوام التشبه بعالم قدسه، وعن دوام الاتصال بحضرة إلهيته، وهجره لمقتضيات وهمه وحسّه فرض عليه صوم شهرٍ واحدٍ من سنته لعلمه بضعفه عن استغراق الصوم أيام عمره ففرض عليه هذا الشهر لئلا يستهلك لطيفة روحانيته في كثيف جسمانيته، فيمتنع بذلك عن الدخول في الروحانيين المعتكفين على حضرة قدسه فكفّر عن عبده بإمساكه عن مشتهياته من الأكل والشرب والنكاح في هذه المدّة المعينة باقي أيام عمره"(2).


(1) المحاسن للبرقي، ج‏432، ص‏232.
(2) لطائف الأعلام، الكاشاني، ص‏321 322.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع