نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

أول الكلام‏: إنسان عين الوجود... علي‏

الشيخ يوسف سرور

 



ليس الحديث في علي بن أبي طالب إحالة على مجهول، إذ ليس هو فكرة هائمة في بحر الخيالات، تبحث عن هاوٍ يلتقطها... يأخذها إذا استمرأها، عنها... ليس علي بن أبي طالب أسطورة من بنات أفكار الرواة، ولا هو حكاية من حكايات الجدات. ما كان هو أقصوصة تستقطب أسماع الجالسين من المتحلقين حول مواقد الشتاء، ولا كان موضوع فيلم تصنعه الصورة، وتنسج خيوطه أنوال المخرجين، وترسم ملامحه أقلام الكتاب. ليس علي بن أبي طالب شيئاً من هذا، ولا هو تلك الصورة المرسومة في مخيلات القارئين.

لا تكتنف شخصية علي بن أبي طالب أية غوامض، ولا تعتريها أية التباسات، ولا تشوبها أية جهات مظلمة. بلى، أسطورة لا يحسن كُتّاب الأساطير اكتناه أسرارها. هو حكاية لا تتوه عن شفاه الآباء والأبناء، ولا تملّ الجدات روايتها للأبناء والأحفاد، بل لأبنائهم. هو هذه الرواية، هذه القصة التي كان المحبون لا يستأمنون عليها سوى شغاف قلوبهم خزانةَ سرِّ لا يبلغ قراره الوشاة. علي بن أبي طالب هو تلك الملحمة الإنسانية الإلهية التي كتبت حروفها بأمواج الحبّ الجياشة... بمشاعر الوفاء الهائجة التي لا تعرف السكون... بأحاسيس الرأفة والرحمة العارمة التي لا تقف عند حدود. هو ذلك العشق المحموم، النابت في أصل الوجود المصنوع على عين المحبوب... تلك الآه المحبوسة في صدور الوالهين التائقين... هو تلك الدامعة الساكنة مجامر المُقل، وأحداق العيون. هو أحداق العيون... إنسان عين هذا الوجود هو درة ترصّع جبين هذا الخلق الممتد من لدن الصدور الأول إلى "وإنا إليه راجعون". أليس رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أشرفَ خلق اللَّه وأولَّهم، وأبو حسن أخوه وصهره، وصيه ووزيره، خليفته ووليه... بل نفسه، روحه التي تخفق بين جنبيه؟

علي هذا... وعاء الفضيلة، يعيى الحرف إن قال إن الفضيلة غيره. إذا كانت الإنسانية هي قيم الرحمة، المحبة، الإيثار، التضحية، العطاء بلا حدود، الجود، ... القوة، الإقدام. إذا كانت هي انعكاس صفات الخالق في المخلوق، تجسيد إرادة البارئ تحقيقاً للكمالات في المخلوق. إذا كانت هي هذه وهي كذلك فعلي هو عين الإنسانية، هو هذه اليد الماسحة على رأس اليتيم تنسيه آلامه وعذاباته. هو هذه الرحمة الممتدة إلى المعدمين المنسيين، تعوّضهم جوع الأيام وفقر الدهر، محبةً عطفاً رأفة ورحمة. علي هو نسمة العدالة المنعشة في صحراء هذا العالم المظلم، التي لا تنتهي تردداتها عند زمان، ولا تحول دونها أيادي العبث. إن كان في الوجود ما يعني ارتباطاً بالواجب فهو من علي، وإن كان فيه ما يعني النور والعلم، الحكمة والحصافة، السمو والرفعة، الطهارة والنقاء. إن كان هذا موجوداً في هذا العالم فعلي أصله. إذا كان هو مع الحق، والحق معه يدور معه حيث دار ... إذا كان هو مع القرآن والقرآن معه، لا يفترقان حتى يردا الحوض. إذا كان هو القرآن الناطق، والمصحف هو القرآن الصامت... إذا أردت أن تقول: إن الإسلام يمشي على الأرض، إن الإنسانية تحيى بين الناس روحاً، جسداً مواقف وكلمات تنطق بالحق، فذلك هو علي بن أبي طالب. ذلك هو علي بن أبي طالب كما نراه نحن ونعرفه، لا كما هو هو، فلا يعرفه كما هو إلا اللَّه ورسوله. تاه قلم يحيد عن هذا.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع