نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

خواص أصحاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام‏ مستودع الأسرار

الشيخ كاظم ياسين

 



باشر الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام مهمة خطيرة في حياة النبي صلى الله عليه وآله وبأمر منه، إذ أوكل إليه بناء نواة جيش عقائدي ورعاية من كان يجد فيه الرغبة والاستعداد لسلوك طريق الحق، فتكونت جماعة عُرفت بشيعة علي في حياة النبي صلى الله عليه وآله مثل عمار بن ياسر، وسلمان الفارسي، وأبي ذر الغفاري، وجابر بن عبد الله الأنصاري، والمقداد بن الأسود الكندي، وعبد الله بن عباس، وسواهم ممن ثبتوا على هذا الخط رغم كل الظروف الصعبة التي مرت بها التجربة الإسلامية بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله. وحين استعاد الإمام عليه السلام الخلافة، التفّت حوله مجموعة من المؤمنين الأوفياء والأشداء في دين الله، فاستمر في مهمته الأساسية، فركّز على الاعتناء بهم وإعدادهم إعداداً رسالياً خاصاً، وإيداعهم علوماً شتّى في مختلف نواحي الحياة، وقام هؤلاء من جهتهم بدورهم في دعم الدولة الإسلامية ومساندة خط الإمامة والمحافظة على الشريعة من الزيغ والانحراف، ومن هؤلاء مالك الأشتر، كميل بن زياد النخعي، محمد بن أبي بكر، حجر بن عدي، عمرو بن الحمق الخزاعي، صعصعة بن صوحان العبدي، رشيد الهجري، هاشم بن عتبة المرقال، قنبر مولى أمير المؤمنين، سهل بن حُنيف، ميثم التمار وغيرهم.

ويظهر من الروايات التي سوف نذكرها، ومن غيرها، أن أصحاب أمير المؤمنين هؤلاء، كانوا كأصحاب الحسين عليه السلام مجاهرين في حب أهل البيت، وبيان فضائلهم، والبراءة من أعدائهم، وسبّب ذلك انتهاء أمرهم إلى الحبس والقتل، وبذلك تمكنوا من إتمام الحجة على الأعداء، ومن نشر فضائل الأئمة سلام الله عليهم، وإن عملهم هذا يشابه عمل سيدهم ومولاهم الحسين بن علي عليهما السلام، حيث جاد بنفسه في سبيل الدين ونشر أحكام سيد المرسلين، هذا وسنذكر موجزاً مختصراً لكل واحد منهم، عسى أن يكون مفيداً في معرفتهم معرفة أولية.

* هاشم المرقال‏
هاشم بن عتبة، بن أبي وقاص الزهري، المرقال، عده الشيخ في رجاله في أصحاب علي عليه السلام وقال: "وسمي المرقال، لأنه كان يرقل في الحرب"، لأن الإرقال ضرب من الخب أي الإسراع، ولأن أمير المؤمنين لمّا دفع إليه الراية يوم صفين كان يرقل بها إرقالاً(1). كان من وجوه الصحابة وخيار التابعين، أسلم يوم فتح مكة، وحضر القادسية في الحرب ضد الفرس وأظهر هناك شجاعة وشهامة. ولما بلغ أهل الكوفة قتل عثمان وبيعة الناس لعلي عليه السلام قامت الناس إلى أميرهم أبي موسى الأشعري فقالوا: أيها الرجل لمَ لا تبايع علياً وتدعو الناس إلى بيعته فقد بايعه المهاجرون والأنصار؟ فقال أبو موسى : حتى أنظر ما يكون وما يصنع الناس بعد هذا. فأقبل هاشم المرقال إلى أبي موسى فقال: وأيُّ خبر تنتظر وقد قتل عثمان أتظن أنه يرجع إلى الدنيا؟ إن كنت مبايعاً لأمير المؤمنين عليه السلام وإلا فاعتزل أمرنا، ثم ضرب هاشم بن عتبة بيده على الأخرى وقال: لي شمالي ويميني لعليّ بن أبي طالب عليه السلام فقد بايعته ورضيت بخلافته، فلما قال هاشم ذلك وثب أبو موسى الأشعري فبايع ولم يجد بداً من ذلك وبايعت أهل الكوفة علياً عليه السلام بأجمعهم(2). وحضر صفين في جيش أمير المؤمنين عليه السلام، وكان حامل الراية العظمى ليلة الهرير، وكان أحد الخمسة الذين كانوا مع أمير المؤمنين عليه السلام من قريش(3). ونصح لرجل شامي كان في الفئة الباغية على أمير المؤمنين في يوم صفين، فهداه الله على يديه، فقد خرج فتى شاب من عسكر معاوية وشدّ على عسكر أمير المؤمنين فلا ينثني يضرب بسيفه، ثم جعل يسب علياً ويشتمه ويُسهب في ذمِّه، فقال له هاشم بن عتبة: إن هذا الكلام بعده الخصام، وإن هذا القتال بعده الحساب فاتّق الله فإنِّك راجعٌ إلى ربّك فسائلك عن هذا الموقف وما أردت به، قال: فإّنّي أقاتلكم لأن صاحبكم لا يصلي كما ذُكر لي، وإنّكم لا تصلّون. فقال له هاشم: إن صاحبنا هو أوّل من صلى مع رسول الله، وأفقهه في دين الله، وأولاه برسول الله، وأما من ترى معه فكلهم قارئ الكتاب، لا ينامون الليل تهجداً، فلا يغررك عن دينك الأشقياء المغرورون. قال الفتى: يا عبد الله! إني لأظنّك امرءاً صالحا، وأظنني مخطئاً آثماً، أخبرني هل تجد لي توبة ؟ قال: نعم، تب إلى الله يتب عليك فإنه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويحبُّ التوابين ويحبُّ المتطهرين، فتاب على يديه(4). استشهد هاشم المرقال في حرب صفين(5)، في نفس اليوم الذي استشهد فيه عمّار بن ياسر، وروي أنه لمّا وقع صريعاً رأى عبيد الله بن عمر بن الخطاب بجنبه، وكان في جيش معاوية، فدنا منه وعضّه في ثدييه عضّاً قوياً واستشهد وهو على صدر عبيد الله.

* محمد بن أبي بكر:
أمُّه أسماء بنت عميس الخثعمية. تزوجها أبو بكر بعد استشهاد جعفر بن أبي طالب فولدت له محمداً في حجة الوداع بطريق مكة. ثم تزوج بها أمير المؤمنين عليه السلام بعد وفاة أبي بكر، وكانت موالية لأمير المؤمنين وللصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء سلام الله عليها، وذكر ابن شهر آشوب أن أسماء بنت عميس قالت: أوصت إليّ فاطمة عليها السلام أن لا يغسلها إذا ماتت إلا أنا وعلي عليه السلام فأعنت علياً على غسلها(6)، ولقد كانت نجابة محمد بن أبي بكر من قبل أمه، رحمة الله عليها(7). نشأ محمد بن أبي بكر في حجر علي عليه السلام بعد أبيه فكان له كالأب ولم يعرف غيره، وكان علي عليه السلام يقول: "محمد ابني من صلب أبي بكر". وشهد معه حرب الجمل وكان على الرجالة وشهد معه صفين، ثم ولاه مصر فدخلها في 15 رمضان سنة 37 هجرية. فجهّز معاوية جيشاً بقيادة عمرو بن العاص لفتح مصر فتغلب عمرو عليه سنة 38 هجرية. وقتله معاوية بن خديج صبراً، ثم أدخلوا جسده في بطن حمار ميت وأحرقوه وهو ابن ثمانية وعشرين عاماً(8). ولما بلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام حزن واغتمّ كثيراً فكتب خبر قتله إلى ابن عباس في البصرة بهذه الكلمات: "أما بعد فإن مصر قد افتتحت ومحمد بن أبي بكر رحمه الله قد استشهد فعند الله نحتسبه ولداً ناصحاً وعاملاً كادحاً وسيفاً قاطعاً وركناً دافعاً". كان محمد بن أبي بكر من الحواريين ومن أصفياء أصحاب أمير المؤمنين والسابقين المقربين منه عليه السلام ومن شرطة الخميس(9)، وفي آخر كتاب لعلي عليه السلام إلى أهل مصر: (أحسنوا أهل مصر مؤازرة محمد أميركم واثبتوا على طاعته، تردوا حوض نبيكم صلى الله عليه وآله، أعاننا الله وإياكم على ما يرضيه)(10). قال الإمام الصادق عليه السلام: قال محمد بن أبي بكر لأمير المؤمنين عليه السلام يوماً من الأيام: ابسط يدك أبايعك، فقال: أوما فعلت؟ قال: بلى، فبسط يده، فقال: أشهد أنك إمام مفترض طاعتك.

* مالك الأشتر
مالك بن الحارث، الاشتر النخعي‏

أدرك الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وهو من ثقاة التابعين وكان رئيس قومه، وخطيباً وقائداً وشاعراً، شهد اليرموك فشترتْ عينه بها ولقب بالأشتر. من أصحاب علي عليه السلام(11)، من اليمن، من وجوه الصحابة وخيار التابعين الكبار، ورؤسائهم وزهادهم(12) وعبادهم، كان يصوم حتى في أيام الحرب، ولو لم يكن صائماً في معركة الجمل لقتل عبد الله بن الزبير الذي كان يصغره بخمسين عاماً. شهد رسول الله صلى الله عليه وآله له بالصلاح، فلما حضرت الوفاة أبا ذر رحمه الله بالربذة، قال لامرأته: إذبحي شاة من غنمك واصنعيها، فإذا نضجت فاقعدي على قارعة الطريق، فأول ركب ترينهم قولي: يا عباد الله المسلمين، هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله، قد قضى نحبه ولقي ربه، فأعينوني عليه، وأجيبوه، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله أخبرني أني أموت في أرض غربة، وأنه يلي غسلي ودفني والصلاة علي رجال من أمته صالحون(13). وروى محمد بن علقمة بن الأسود النخعي، قال : خرجت في رهط أريد الحج، منهم مالك بن الحارث الاشتر، وعبد الله بن الفضل التميمي، ورفاعة بن شداد البجلي، حتى قدمنا الربذة، فإذا امرأة على قارعة الطريق تقول: يا عباد الله المسلمين، هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله، قد هلك غريباً، ليس لي أحد يعينني عليه، قال: فنظر بعضنا إلى بعض وحمدنا الله على ما ساق إلينا، واسترجعنا على عظم المصيبة، ثم أقبلنا معها، فجهزناه وتنافسنا في كفنه حتى خرج من بيننا بالسواء، ثم تعاونا على غسله حتى فرغنا منه، ثم قدمنا مالك الاشتر فصلى بنا عليه، ثم دفناه، فقام الاشتر على قبره، ثم قدمت الشاة التي صنعت، فقالت: إنه قد أقسم عليكم ألا تبرحوا حتى تتغدوا، فتغدينا وارتحلنا"(14). صحب الاشتر علياً عليه السلام في الجمل وصفين وله مواقف شهيرة فيهما، ورغم عدم موافقته على التحكيم فقد كان شديد الانضباط والالتزام بموقف قائده وسيده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

لما جاء أمير المؤمنين علياً عليه السلام مصاب محمد بن أبي بكر، حيث قتله معاوية بن خديج السكوني بمصر، جزع عليه جزعاً شديداً، ثم دعا مالك الاشتر، وولاّه على مصر سنة 38 هجرية. وكتب له عهده، وكتب معه: "بسم الله الرحمن الرحيم، من علي بن أبي طالب إلى الملأ من المسلمين الذين غضبوا لله حين عصي في الأرض وضرب الجور بأرواقه على البر والبحر، فلا حق يستراح إليه، ولا منكر يتناهى عنه، سلام عليكم، أما بعد فإني قد وجهت إليكم عبداً من عباد الله، لا ينام أيام الخوف، ولا ينكل عن الاعداء، حذار الدوائر، أشد على الفجار من حريق النار، وهو مالك بن الحارث الاشتر أخو مذحج، فاسمعوا له وأطيعوا، فإنه سيف من سيوف الله، لا يأتي الضريبة، ولا كليل الحد، فإن أمركم أن تنفروا فانفروا، وإن أمركم أن تقيموا فأقيموا، وإن أمركم أن تحجموا فاحجموا، فإنه لا يقدم إلا بأمري، فقد أمرتكم به على نفسي، لنصيحته لكم، وشدة شكيمته على عدوكم، عصمكم ربكم بالهدى وثبتكم باليقين"(15).

فلما وصل إلى القُلزُمْ(16) دسّ إليه معاوية السُمَّ بالعسل فتوفي متأثراً بالسم(17)، وكان لمعاوية بمصر عين، فكتب إلى معاوية بهلاك الاشتر، فقام معاوية خطيباً في أصحابه، فقال: إن علياً كانت له يمينان قطعت إحداهما بصفين، يعني عمار بن ياسر، وأخرى اليوم، إن الاشتر مر بأيلة متوجهاً إلى مصر، فصحبه نافع مولى عثمان، فخدمه وألطفه حتى أعجبه واطمأن إليه، فلما نزل القلزم حاضر له شربة من عسل بسم، فسقاها فمات، ألا وإن لله جنوداً من عسل. وروى عوانة بن الحكم، قال: لما جاء هلاك الاشتر إلى علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، صعد المنبر وخطب الناس، ثم قال: "ألا إن مالك بن الحارث قد قضى نحبه وأوفى بعهده ولقي ربه فرحم الله مالكاً، لو كان جبلاً لكان فنداً، ولو كان حجراً لكان صلداً، لله مالك وما مالك ؟ وهل قامت النساء عن مثل مالك؟ وهل موجود كمالك"، قال: فلما نزل ودخل القصر أقبل عليه رجال من قريش فقالوا: لشد ما جزعت عليه ولقد هلك، قال: "أما والله فقد أعز هلاكه أهل المغرب، وأذل أهل المشرق، قال: وبكى عليه أياماً، وحزن عليه حزناً شديداً، وقال: لا أرى مثله بعده أبدا(18)، وقال فيه: رحم الله مالكاً، فلقد كان لي كما كنت لرسول الله صلى الله عليه وآله". الاشتر من أصحاب القائم عجل الله فرجه، فقد روي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه يخرج مع القائم عليه السلام من ظهر الكوفة سبعة وعشرون رجلاً، خمسة عشر من قوم موسى عليه السلام الذين كانوا يهدون بالحق وبه يعدلون، وسبعة من أهل الكهف، ويوشع بن نون، وسلمان، وأبو دجانة الانصاري، والمقداد، ومالك الاشتر، فيكونون بين يديه أنصاراً وحكاماً(19).

* حجر بن عدي الكندي‏
وكان من الأبدال من أصحاب علي عليه السلام(20)، من اليمن، ومن التابعين الكبار ورؤسائهم وزهادهم قال له علي عليه السلام: كيف تصنع إذا ضُربت وأُمرت بلعنتي؟! قال له: كيف أصنع؟ قال إلعنِّي ولا تبرأ مني، فإني على دين الله. قال الراوي: ولقد ضربه محمد بن يوسف، وأمره أن يلعن علياً! وأقامه على باب مسجد صنعاء، قال: فقال: إن الأمير أمرني أن ألعن علياً، فالعنوه لعنه الله فرأيت مجوازاً من الناس إلا رجلا فهمها وسلم(21). قال عمرو بن عبد البرّ في كتاب الاستيعاب: كان حجر من فضلاء الصحابة وكبارهم مع صغر سنّه، وكان صاحب راية النبيّ صلى الله عليه وآله وهو يُعَدُّ من الرؤساء والزهاد، ومحبّته وإخلاصه لأمير المؤمنين أشهر من أن تذكر، وكان على كندة يوم صفّين، وعلى الميسرة يوم النهروان، وكان يُعرف بحجر الخير، وكان مستجاب الدعوة ... قال الأعمش: أوّل من قتل في الإسلام صبراً هو حجر بن عديّ وأول رأس أهديَ من بلدٍ إلى بلد رأس عمرو بن الحمق(22). وفي سنة ثلاث وخمسين قتل معاوية حجراً بن عديّ الكندي، وهو أول من قتل صبراً في الإسلام، حمله زياد من الكوفة ومعه تسعة نفر من أصحابه من أهل الكوفة وأربعة من غيرها... ولمّا صار إلى مرج عذراء على إثني عشر ميلاً من دمشق، تقدّم البريد بأخبارهم إلى معاوية، فبعث برجلٍ أعور... فلمّا وصل إليهم قال لحجر: إنّ أمير المؤمنين قد أمرني بقتلك يا رأس الضلال ومعدن الكفر والطغيان المتولي لأبي تراب وقتل أصحابك، إلا أن ترجعوا عن كفركم، وتلعنوا صاحبكم وتتبرّؤا منه، فقال حجر وجماعة ممّن كان معه: إن الصبر على حدّ السيف لأيسر علينا ممّا تدعونا إليه، ثم القدوم على الله وعلى نبيّه وعلى وصيّه أحبّ إلينا من دخول النار... فلمّا قدّم حجر ليقتل قال: دعوني أصلِّ ركعتين، فجعل يطوّل في صلاته، فقيل له: أجزعاً من الموت!؟ فقال: لا، ولكنّي ما تطهّرت للصلاة قط إلا صلّيت، وما صليتُ قط أخفّ من هذه!... ثم تقدم فنُحرَ، وألحق به من وافقه على قوله من أصحابه، وقيل إن قتلهم كان في سنة خمسين(23)، وقبورهم اليوم أعلام تزار على بعد فرسخين من دمشق. وقالت عائشة لمعاوية: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: "سيقتل بعذراء أناس يغضب الله لهم وأهل السماء". وذكر كثير من أهل الأخبار أن معاوية لما حضرته الوفاة جعل يغرغر بالموت ويقول: إن يومي منك يا حُجر بن عديّ لطويل.

* رُشَيد الهجري(24)
من خواص أصحاب أمير المؤمنين علي عليه السلام، وكان يسميه راشد المبتلى، وكان قد ألقى إليه علم البلايا والمنايا فكان يلقى الرجل ويقول له تقتل قتلة كذا فيكون كما قاله رحمه الله(25). كان إسحاق بن عمار جالساً عند أبي الحسن عليه السلام، حتى دخل عليه رجل من الشيعة، فقال له: يا فلان، جدد التوبة، وأحدث عبادة، فإنه لم يبق من عمرك إلا شهر، قال إسحاق: فقلت في نفسي: واعجباه! كأنه يخبرنا أنه يعلم آجال الشيعة، قال: فالتفت إلي مغضباً، وقال: يا إسحاق، وما تنكر من ذلك؟ وقد كان الهجري مستضعفاً، وكان عنده علم المنايا، والإمام أولى بذلك من رشيد الهجري، يا إسحاق، أما إنه قد بقي من عمرك سنتان أما إنه يتشتت أهل بيتك تشتتاً قبيحاً ويفلس عيالك إفلاساً شديداً. ومر ميثم التمار على فرس له، فاستقبل حبيباً بن مظاهر الأسدي، عند مجلس بني أسد، فتحدثا حتى اختلفت أعناق فرسيهما، ثم قال حبيب: لكأني بشيخ أصلع، ضخم البطن، يبيع البطيخ عند دار الرزق، قد صلب في حب أهل بيت نبيه عليهم السلام، يبقر بطنه على الخشبة! فقال ميثم: وإني لأعرف رجلاً أحمر، له ضفيرتان، يخرج لنصرة ابن بنت نبيه، فيقتل، ويجال برأسه بالكوفة، ثم افترقا فقال أهل المجلس: ما رأينا أحداً أكذب من هذين! قال: فلم يفترق أهل المجلس، حتى أقبل رشيد الهجري، فطلبهما فسأل أهل المجلس عنهما، فقالوا: إفترقا وسمعناهما يقولان كذا وكذا، فقال رشيد: رحم الله ميثماً ونسي "ويزاد في عطاء الذي يجي‏ء بالرأس مئة درهم" ثم أدبر فقال القوم: هذا والله أكذبهم. فقال القوم: والله ما ذهبت الأيام والليالي حتى رأينا ميثماً مصلوباً على باب دار عمرو بن حريث، وجي‏ء برأس حبيب بن مظاهر، قد قتل مع الحسين عليه السلام، ورأينا كل ما قالوا(26).

خرج أمير المؤمنين صلوات الله عليه يوماً إلى بستان ومعه أصحابه، فجلس تحت نخلة، ثم أمر بنخلة فلقطت فأنزل منها رطب، فوضع بين أيديهم فأكلوا، فقال رشيد الهجري: يا أمير المؤمنين ما أطيب هذا الرطب! فقال: يا رشيد أما إنك تصلب على جذعها، فقال رشيد: فكنت أختلف إليها طرفي النهار أسقيها، ومضى أمير المؤمنين صلوات الله عليه، ثم أدخلت على عبيد الله بن زياد فقال: هات من كذب صاحبك، فقلت: والله ما أنا بكذاب ولا هو، ولقد أخبرني أنك تقطع يدي ورجلي ولساني، قال: إذاً والله نكذبه! اقطعوا يديه ورجليه وأخرجوه، فلما حمل إلى أهله أقبل يحدث الناس بالعظائم وهو يقول: أيها الناس سلوني فإن للقوم عندي طلبة لم يقضوها، فدخل رجل على ابن زياد، فقال له: ما صنعت قطعت يديه ورجليه وهو يحدث الناس بالعظائم. قال: فأرسل إليه ردوه، وقد انتهى إلى بابه فردوه، فأمر بقطع يديه ورجليه ولسانه وأمر بصلبه"(27).

* ميثم بن يحيى التمار
من أصفياء أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام في شرطة الخميس. ومن أصحاب الحسن بن علي عليهما السلام(28). كان ميثم التمار عبداً لامرأة من بني أسد، فاشتراه أمير المؤمنين عليه السلام منها، فأعتقه، وقال له علي عليه السلام ذات يوم: "إنك تؤخذ بعدي فتصلب، وتطعن بحربة، فإذا كان اليوم الثالث ابتدر منخراك وفمك دماً، يخضب لحيتك، فانتظر ذلك الخضاب فتصلب على باب دار عمرو بن حريث عاشر عشرة، أنت أقصرهم خشبة، وأقربهم من المطهرة، وامض حتى أريك النخلة التي تصلب على جذعها"، فأراه إياها، وكان ميثم يأتيها فيصلي عندها، ويقول: بوركت من نخلة لك خلقت، ولي غذيت، ولم يزل يتعاهدها حتى قطعت، وحتى عرف الموضع الذي يصلب عليها بالكوفة، قال: وكان يلقى عمرواً بن حريث فيقول له: إني مجاورك فأحسن جواري، فيقول له عمرو: أتريد أن تشتري دار ابن مسعود، أو دار ابن حكيم؟ وحج في السنة التي قتل فيها فدخل على أم سلمة، فقالت: من أنت؟ قال: أنا ميثم، قالت: والله لربما سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يذكرك ويوصي بك علياً جوف الليل، فدعت أم سلمة بطيب وطيبت لحيته، وقالت له: أما إنها ستخضب بدم. فقدم الكوفة فأخذه عبيد الله بن زياد لعنة الله عليه، فأدخل عليه، فقيل له: هذا كان من آثر الناس عند علي. قال: ويحكم هذا الأعجمي؟ قيل له: نعم، قال له عبيد الله: أين ربك؟ قال: لبالمرصاد لكل ظالم، وأنت أحد الظلمة، قال: إنك على عجمتك لتبلغ الذي تريد، ما أخبرك صاحبك إني فاعل بك. قال: أخبرني أنك تصلبني عاشر عشرة، أنا أقصرهم خشبة، وأقربهم إلى المطهرة، قال: لنخالفنه، قال: كيف تخالفه؟ فوالله ما أخبرني إلا عن النبي صلى الله عليه وآله، عن جبرائيل عن الله تعالى، فكيف تخالف هؤلاء، ولقد عرفت الموضع الذي أصلب عليه أين هو من الكوفة، وأنا أول خلق الله ألجم في الإسلام، فحبسه وحبس معه المختار بن أبي عبيد، قال له ميثم: إنك تفلت وتخرج ثائراً بدم الحسين عليه السلام، فتقتل هذا الذي يقتلنا، فلما دعا عبيد الله بالمختار ليقتله طلع بريد بكتاب يزيد إلى عبيد الله يأمره بتخلية سبيله، فخلى وأمر بميثم أن يصلب، فلما رفع على الخشبة اجتمع الناس حوله على باب عمرو بن حريث، قال عمرو: ولقد كان والله يقول إني مجاورك، فجعل ميثم يحدث بفضائل علي بن أبي طالب عليه السلام، فقيل لابن زياد: قد فضحكم هذا العبد، فقال: ألجموه، وكان أول خلق الله ألجم في الإسلام. وكان قتل ميثم قبل قدوم الحسين بن علي عليهما السلام العراق بعشرة أيام، فلما كان اليوم الثالث من صلبه طعن ميثم بالحربة، فكبر، ثم انبعث في آخر النهار فمه وأنفه دماً"(29).

* كميل بن زياد النخعي‏
من خواص وثقاة أمير المؤمنين علي عليه السلام، ومن السابقين المقربين، فهو حامل سرّه وطالما كان أمير المؤمنين عليه السلام يردفه على راحلته، ويحدثه بأمور لم يطلع عليها أحداً غيره. وكان كميل عاملاً على بيت المال مدةً من قبل أمير المؤمنين، كما كان والياً له على (هيت) وهي بلدة تقع على الفرات من نواحي بغداد. وربما كان اختياره(لهيت) نظراً لما يتمتع به من شجاعة وعلم، ومعرفة بتصريف الأمور ولما لهذه البلدة من موقعية استراتيجية في ذلك الزمان ذلك لأنها تتصل ببادية الشام، وبذلك تشكل حدوداً بين العراق وبين سوريا. وقد كانت بعض المدن الواقعة على الفرات مما يقع على هذا الخط تابعة لحكم معاوية.

ومن الواضح أن وجود معاوية، وامتداد نفوذه كان يشكل خطراً على الخلافة الإسلامية في عهد أمير المؤمنين عليه السلام، لذلك كان اختيار كميل حافظاً لثغر العراق من هذه الجهة. وكان شريفاً مطاعاً في قومه، وكان من أجلاء علماء وعقلاء ونساك وفضلاء أوانه، وكان من رؤساء الشيعة، شهد مع أمير المؤمنين واقعة صفّين. قال كميل بن زياد: كنت جالساً مع مولاي أمير المؤمنين عليه السلام في مسجد البصرة، ومعه جماعة من أصحابه فقال بعضهم: ما معنى قول الله عز وجل: (فيها يفرق كل أمرٍ حكيم)؟ قال عليه السلام: "ليلة النصف من شعبان، والذي نفس عليٍّ بيده أنه ما من عبدٍ إلا وجميع ما يجري عليه من خير وشر، مقسوم له في ليلة النصف من شعبان إلى آخر السنة، في مثل تلك الليلة المقبلة، وما من عبد يحييها، ويدعو بدعاء الخضر عليه السلام إلا أجيب له، فلما انصرف طرقته ليلاً فقال عليه السلام: ما جاء بك يا كميل؟ قلت: يا أمير المؤمنين دعاء الخضر! فقال اجلس يا كميل إذا حفظت هذا الدعاء، فادعُ به كل ليلة جمعة، أو في الشهر مرة، أو في السنة مرة، أو في عمرك مرة، تُكفَ وتنتصر، وترزق، ولن تعدم المغفرة. يا كميل: أوجب لك طول الصحبة أن نجود لك بما سألت ثم قال: اكتب: "اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شي‏ء" إلى آخر الدعاء".

 ومن ذلك ما رواه جرير عن المغيرة، قال: لما ولي الحجاج لعنه الله، طلب كميل بن زياد فهرب منه، فحرم قومه عطاءهم، فلما رأى كميل ذلك قال: أنا شيخ كبير وقد نفد عمري ولا ينبغي أن أحرم قومي عطاءهم، فخرج فدفع بيده إلى الحجاج، فلما رآه قال له: لقد كنت أحب أن أجد عليك سبيلاً، فقال له كميل: لا تصرف علي أنيابك ولا تهدم علي، فو الله ما بقي من عمري إلا مثل كواسر الغبار، فاقض ما أنت قاضٍ، فإن الموعد الله، وبعد القتل الحساب، وقد خبرني أمير المؤمنين عليه السلام أنك قاتلي، قال: فقال له الحجاج: الحجة عليك إذا، فقال له كميل: ذاك إذاً كان القضاء إليك، قال: بلى، قد كنت فيمن قتل عثمان بن عفان! اضربوا عنقه، فضربت عنقه! وهذا أيضا خبر رواه نقلة العامة عن ثقاتهم وشاركهم في نقله الخاصة(30). وكان استشهاده سنة 83 هجرية عن تسعين سنة، وقبره الآن في الثوية ما بين النجف والكوفة.


(1) مجمع البحرين، ج‏5، ص‏385.
(2) فتوح إبن الاعثم، المجلد الأول: ص‏435.
(3) معجم رجال الحديث السيد الخوئي، ج‏2، ص‏268.
(4) كتاب صفين لابن مزاحم، ط مصر ص‏402، تاريخ الطبري، 23 -6، شرح ابن أبي الحديد، 278 -2، الكامل لابن الأثير، 135 -3.
(5) المناقب لابن شهر آشوب: الجزء (2)، باب إمامة أمير المؤمنين عليه السلام . صفين، نصر بن مزاحم ص‏182. الكامل للمبرد، ج‏1، ص‏181. مروج الذهب للمسعودي، ج‏2، ص‏59 57ظ. شرح النهج لابن أبي الحديد، ج‏2، ص‏176.
(6) المناقب لابن شهر آشوب: الجزء 3، باب مناقب فاطمة الزهراء عليها السلام.
(7) معجم رجال الحديث السيد الخوئي ج 42، ص 195.
(8) راجع الطبري وابن كثير في ذكر حوادث سنة 37 هجرية. والإصابة حرف الميم، ج‏3، ق‏451 2، والاستيعاب، ج‏329 238 3.
(9) معجم رجال الحديث السيد الخوئي ج‏51، ص‏241.
(10) أمالي المفيد: المجلس 31، الحديث 3. ورواه الشيخ عن المفيد أيضاً. الامالي: الجزء 1، الحديث 29.
(11) رجال الشيخ (5).
(12) ابن شهر آشوب في المناقب: الجزء 2، في (فصل في المسابقة بالإسلام).
(13) الكشي (17).
(14) معجم رجال الحديث السيد الخوئي، ج‏51، ص‏167.
(15) معجم رجال الحديث السيد الخوئي، ج‏51، ص 169 و170.
(16) القلزم من مدن مصر القديمة على ساحل البحر الأحمر.
(17) راجع حوادث سنة 38. في الطبري، ج‏54 6، وابن الأثير ج‏141 33، وابن كثير ج‏312 7، ولغة بعلبك من معجم البلدان وترجمته في الإصابة حرف الميم ج‏459 3، والاستيعاب في ترجمة محمد بن أبي بكر، ج‏328 3. ومروج الذهب، ج‏29 6، باب ذكر حروبه رضي الله عنه مع أهل النهروان.
(18) معجم رجال الحديث السيد الخوئي، ج 51، ص 169.
(19) الشيخ المفيد، الارشاد: في ذكر قيام القائم عجل الله تعالى فرجه.
(20) رجال الشيخ الطوسي، صفحة 218.
(21) رجال الكشي 40.
(22) )الدرجات الرفيعة، 429 - 423).
(23) )مروج الذهب، 13-12 :3).
(24) رشيد، بضم الراء وفتح الشين، وفتح الهاء والجيم، نسبة إلى هجر، اسم لثلاثة مواضع.
(25) أعيان الشيعة، ج‏7، ص‏7.
(26) اختيار معرفة الرجال، ج‏1، ص‏292.
(27) معجم رجال الحديث السيد الخوئي، ج‏8، ص‏198.
(28) المناقب: الجزء 4، باب إمامة الحسن بن علي عليه السلام، في فصل في تواريخ وأحواله.
(29) معجم رجال الحديث السيد الخوئي، ج‏2، ص 108 وص 110.
(30) معجم رجال الحديث السيد الخوئي، ج‏51، ص 132، بحار الأنوار، ج‏42، ص‏148.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع