نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

أول الكلام‏: لا عودة إلى النواويس

الشيخ يوسف سرور



مرّت سنوات خمس على حدوث زلزال شديد، أحدث تحولات عميقة في التوازنات والاستراتيجيا على جبهة الصراع بين جبهة الاستلاب والفرض والاستبداد والهيمنة والاستضعاف، وجبهة المقهورين والمفككين والمسلوبين حقوقهم، أرضهم، خيارهم وحريتهم. لقد مرّ على مؤتمر بال الذي أسس لفكرة إنشاء وطن قومي للصهاينة في فلسطين قرن وعقد من الزمان؛ وعلى وعد بلفور الذي أمّل الصهاينة بتحقيق هذه الفكرة تسعة عقود إلا سنتين، وعلى مؤتمر سايكس بيكو ومؤتمر سان ريمو اللذين قسّما بلادنا العربية ووزّعاها مناطق احتلال ونفوذ للدولتين المنتصرتين في الحرب العالمية الأولى مرّ من الزمان مثلها.

أنشأ الصهاينة وطنهم القومي، وجمعوا أفرادهم وأسرهم من شتات توزع على جهات الأرض الأربع على حساب شعب قهروا أبناءه، وشردوا أسره، وشتتوا جمعه، ودنسوا مقدساته بعد احتلالها، تمهيداً لهدمها وبناء هياكلهم المزعومة على أنقاضها. مرت على إعلان هذا الكيان ستة عقود خلا سنتين. لقد جمع العرب قواهم وعساكرهم وأقاموا الجبهات وخاضوا المعارك والحروب، حققوا بعض الانتصارات وأُلحقت بهم الكثير من الهزائم، مجتمعين ومتفرقين. كانت المحصلة انقساماً خطيراً في الجبهة العربية: قوى اقتنع قادتها بعدم جدوى المواجهة العسكرية، لا بد من الرضوخ للأمر الواقع، لا بد من الحدّ من الخسائر والعمل على استرجاع الحقوق القطرية بالطرق الدبلوماسية والاتفاقات، حتى لا تضيع كل الحقوق دفعة. وقوى قاومت الفكرة بادئ الأمر، لكن الاجتياح الصهيوني للبنان وطرد قوى المقاومة الفلسطينية من لبنان، وحرب الخليج الثانية، أسهمت في خلق مناخ عام أنتج قناعة بضرورة الذهاب إلى المفاوضات "وعلى الحقوق القُطرية فقط" حتى الفلسطينيون، فقد اقتنع ممثلوهم بالتخلي عن الجزء الأكبر من فلسطين، وهم إلى اليوم يفاوضون على بعض الرقع الممنوحة لهم لقاء تسوية نهائية تعطي الكيان الصهيوني آخر الصكوك المطلوبة في مستندات ملكية فلسطين، بعد منح الشرعية من قبل القوى الكبرى، وأكثر أعضاء المنظمة الدولية، ليستقر الوحش الصهيوني واحة للتطور والديمقراطية والسلام، في محيط من الانقسام والتفكك والاستبداد والفقر والتخلف... والتبعية السياسية والثقافية والعسكرية وغيرها.

لقد أثقلت الهزائم كواهل الحكومات وميزانياتها، وأرخت بأثقالها على وجدان الشعوب المقهورة، المسلوبة إرادتها، حتى عششت في وجدان الكثير من النخب والمثقفين الذين أخذوا يتلقفون ثقافة الواقعية، ويعملون على ضخها في الشرايين الثقافية للأمة، حتى بدت أمةً وادعة قانعة مستسلمةً لقدرها، في مقابل مارد متسلح بأحدث التكنولوجيا وأقوى الجيوش، ومن خلفه إرادة عُظمى لا تقاوم!! في مقابل ذلك، كانت ثلة قليلة العدد، متواضعة العتاد، تسبح غريبة مستغربة في عكس خضمّ هذا التيار الجارف الذي لم يبقِ ولم يذر. كانت هذه الثلة متسلحة بإرادة فولاذية، وإيمان لا يضعفه الموت ويقين لا تزعزعه كل أراجيف التشكيك والتبرير والسخرية، وفي أحسن الأحوال الشفقة والحرص. قيادة حكيمة، شجاعة، مقدامة، أتقنت فنون الحرب والقتال، وخبرت خطط العدو وأحابيله، وأصبحت في ميادين الديبلوماسية والمفاوضات أستاذة تأتيها الشهادات من كل صوب، وفوق كل ذلك صدقية وثق بها العدو مع الصديق، وإيمان مشفوع بدماء الأنفس والأهل والأبناء. وشرعية دينية مستمدة من أعلى المرجعيات، وإنسانية لا ينكرها عاقل، ووطنية لا يتنكر لها إلا الخائن. انقلب المشهد تماماً، بسنوات من الجهاد والتضحيات والشهادة، من الصبر والعطاء والإيثار، من الحكمة والشجاعة والصمود، ولّدت انتصاراً أحدث زلزالاً في البنيان الذي حرصت إرادة المستكبر على استكماله، وزلزالاً في وجدان الشعوب التي نسيت معاني نشوة النصر والأمل بها. لذلك، ليس مسموحاً اليوم، وتحت أية ذريعة، وفي ظل أي ظرف العودة إلى النواويس والقول بنزع سلاح المقاومة.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع