نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

قرآنيات‏: الأساليب والوسائل التعليمية في القرآن الكريم‏

الشيخ محمد سعد

 



تعتبر الأساليب والوسائل التعليمية من المواضيع الهامة في الميدان التربوي، لأنها تسهّل عملية التعلم والتعليم وتوضح المعاني وتشرح الأفكار. ومنهج التربية الإسلامية لحظ أساليب ووسائل متعددة سواء كان ذلك في القرآن الكريم أو في سيرة النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام. فقد ورد في القرآن الكريم العديد من الأساليب التعليمية والتربوية تعتبر من أرقى الأساليب وأكثرها تأثيراً من الناحية النفسية والتعليمية، حيث تمتاز بالقدرة على إيصال الإنسان بسرعة قياسية إلى الحقائق وبلوغ اليقين، وتبعث فيه روح التحقيق والبحث العلمي. وهذه بعض الوسائل التي اعتمدها القرآن الكريم:

* الخطاب:
استخدم القرآن الكريم أسلوب الخطاب المباشر مع الناس لما له من أهمية بالغة، فهو أسلوب يخاطب العقل والقلب والإرادة ويثير في النفس عناصر الخير والصلاح، وقد أورد القرآن الكريم نوعين من الخطاب المباشر:

1- خطاب إلهي مباشر لعامة الناس (24 مرة) مثل: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ . ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ.

2- خطاب إلهي مباشر للمؤمنين (87 مرة) مثل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ.

* القصص:
استخدم القرآن الكريم أسلوب القصة لما فيها من مفاهيم وقيم متنوعة في مجالات النفس الإنسانية وفي مجالات المجتمع الإنساني فقال تعالى: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَن.... وقال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾. وذكر القرآن الكريم العديد من القصص كقصة يوسف عليه السلام، وأصحاب الكهف وصاحب الجنتين وقصص موسى عليه السلام وغيرها.. لتكون عبرة لمن يعتبر.

* الأمثال:
استخدم القرآن الكريم الأمثال لتقريب الأفكار وإرشاد الناس إلى الحقائق والوقائع باعتبار أن ذلك له تأثير محسوس وواقعي على شخصية الإنسان، إضافة إلى أنّها أي الأمثال تُضرب باختصار وإيجاز، فلا تصيبُ المستمع لها بالملل بل يتوجه أي المستمع بكل جوارحه ليستمع إليها. قال اللَّه تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ. وقد استخدم القرآن الكريم التمثيل والتشبيه لتقريب المعقول من المحسوس فقال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ.

* البيان العملي:
والبيان العملي هو توضيح مرئي لحقيقة أو فكرة أو عملية عامة فيقوم العارض بإيضاح كيف تعمل الأشياء. وقد استخدم القرآن الكريم البيان العملي وذلك في قصة ابني آدم عليه السلام عندما قتل أحدهما الآخر فتوضح القصة الطريقة التي تمت بها الجريمة وتصف الموقف بتفاصيله، قال تعالى: ﴿فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ.

* العبرة والموعظة:
استخدم القرآن الكريم أسلوب العبرة والموعظة، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ. وقال تعالى: ﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ.

* القدوة والاقتداء:
استخدم القرآن الكريم أسلوب القدوة باعتباره وسيلة هامة من وسائل التربية؛ لأنّ الناس يتأثرون بمن يقتدون به، فقد جاء في القرآن الكريم: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا .

* الحوار:
الحوار من الوسائل المعمول بها في التربية والإصلاح، فبه يرد الإنسان على شبهات المحاورين، ويطرح الأدلة والبراهين ويجيب على حجج المقابل. وقد استخدم القرآن الكريم أسلوب الحوار في عدة مواضع لهذه الغاية على قاعدة ﴿وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ . قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53) قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (54) قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55) قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ....

* المراسلة:
قد ذكر القرآن الكريم نموذج المراسلة في قصة النبي سليمان عليه السلام وملكة سبأ، وذلك عندما أرسل لها رسالة مع الهدهد فلما ألقاها قالت: ﴿إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.

* الرحلات التعليمية:
استخدم القرآن الكريم أسلوب الحث على السير الواعي في الأرض للتعلم والتفكر وأخذ العبر، قال اللَّه تعالى: ﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُون. وقال تعالى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ، وقال تعالى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ، وكذلك حث النبي صلى الله عليه وآله أمته على طلب العلم ولو طالت المسافة، وهو القائل: "اطلب العلم ولو في الصين".

* التجربة العملية:
استخدم القرآن الكريم أسلوب التجربة العملية لإيصال الحقائق والمفاهيم العظيمة، قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. بعد هذا التجوال الخاطف مع كتاب اللَّه والذي يوضح النماذج والمواقف التي استخدمت فيها الأساليب والوسائل التعليمية منذ أكثر من 1400 عام، يتبين لنا أن الذين يدعون الحداثة في اكتشاف الأساليب والوسائل التعليمية في هذا الزمن، فاتهم التمعن في القرآن الكريم وبهذا يتأكد لنا مجدداً أن القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة التي تضمنت أيضاً اعتماد الوسائل والأساليب التعليمية المصدران الأساسيان للعلوم كافة مهما تقدم الزمن والتكنولوجيا ولا تزيدهما الأعوام إلا نضارة وغضاضة.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع