نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

أطفال الطرقات بين تحصيل لقمة العيش وخطر الموت‏

أحمد أحمد(*)

 



براعم ندية لا تتجاوز سنيهم العاشرة يتقاسمون تقاطعات الطرق ومفارقها، ينسلون إليك من بين السيارات كقطرات الندى على وريقات الأزهار، تقرأ في عيونهم لغة الاستعطاف من خلال ما يعرضونه عليك من بضاعة أو خدمات، بعضهم يحمل صناديق العلكة وبعضهم الآخر يحمل أكياس المناديل الطرية، وآخرون يمسحون بأيديهم زجاج السيارات، علهم يحصلون على حسنة يدفعون بها شر الجوع عن أنفسهم وعمن يعيلون. إنهم "أطفال الطرقات الباعة والمتسولين" الذين يتأرجحون وسط خطرين كلاهما مر وصعب: خطر العوز والفقر وخطر الموت تحت إطارات إحدى السيارات المجنونة بسرعتها.

* الأسباب الدافعة لعمل الأطفال:
بعض هؤلاء قد يكونون ضحايا أناس نزعوا من قلوبهم الشفقة والرحمة، يستخدمونهم ويستغلون طفولتهم البريئة لإرواء جشعهم من "الغلة" اليومية للأطفال وليس لهؤلاء الأطفال من كل تعب النهار ومشقاته مع ما فيه من مخاطر سوى نزر يسير من القوت وشبه مأوى.  ومنهم من دفعه شبح الفقر أو اليتم لركوب هذا المركب الصعب ليعيلوا أسرة فقدت معيلها أو لمساعدة أب غلبته قساوة الحياة الاقتصادية الضاغطة عن تأمين العيش الكريم لأسرته. وقد يكون لغير هؤلاء الأطفال منطلقات وأسباب أخرى دفعتهم إلى الطرقات ليعملوا باعتبار أنها مهنة من لا مهنة له ووسيلة لجمع المال بأيسر الطرق.

* اتفاقية حقوق الطفل الدولية(1):
إن قضية عمالة الأطفال أخذت حيزاً كبيراً من النقاشات على أكثر من منبر ومكان في العالم خصوصاً في فترة الثورة الصناعية في أوروبا حيث عقدت المؤتمرات لأجلها وأصدرت التشريعات والقوانين التي تنظم تشغيل الأطفال وحمايتهم من الاستغلال. ويقول ألبرت توماس أول مدير عام لمكتب العمل الدولي: ".. وأي عمل جاد في مجال التشريع الاجتماعي يبدأ دائماً بحماية الأطفال"(2). لهذا فقد وافقت الجمعية العمومية للأمم المتحدة بالإجماع على اتفاقية حقوق الطفل في 30 -29 أيلول 1990 والتي تضمنت جملة من الحقوق والواجبات التي تتكفل حماية الأطفال من الاستغلال الاقتصادي وحقهم في الحياة والتعليم والصحة إلى غيرها من الحقوق.

* الآثار المترتبة على عمالة الأطفال:
على الرغم من أن عمالة الأطفال تشكل انتهاكاً سافراً لحق هو من أبسط حقوق الإنسان، فإن لهذه العمالة آثاراً نفسية، اجتماعية، تربوية، وصحية تشكل بمجموعها خطراً حقيقياً على الأطفال:

1- الآثار النفسية:
إن العمل في فترة الطفولة لا يتناسب مع التكوين البدني والنفسي للأطفال وذلك بسبب صغر سنهم وضعف أبدانهم عن تحمل الأعمال الشاقة، إضافة إلى أن ردات فعل الأطفال وتفسيرهم للأذى الذي يتعرضون له أثناء العمل يختلف عن ردات الفعل لدى البالغين الذين قد يتفهمون هذا الأمر، بينما تحفر في قلوب الأطفال أثراً عميقاً، يتراكم كلما تراكمت الأذية لتحولهم إلى متمردين عنيفين في المستقبل في الوقت الذي يحتاجون فيه إلى فترات من اللعب والنشاط والحيوية، من أجل تنمية الوظائف التي تنفعهم وتحقق استعدادهم للحياة في المستقبل بعيداً عن كل أسباب التوتر والصراعات.

2- الآثار الاجتماعية:
إن نزول الأطفال إلى العمل مبكراً يحرمهم أولاً من إنشاء صداقات طفولية بريئة يكبرون معها وثانياً يكسبهم عادات خلقية وقيمية سيئة مستقاة من محيط العمل من قبيل استخدامهم ألفاظاً بذيئة أثناء الكلام كما يقومون بتصرفات عصبية، عدا عن التدخين أو غير ذلك مما لا تحمد عقباه فينمون عليها دون أن يشعر الأهل بخطورتها وذلك بسبب عدم قدرتهم على مراقبتهم لمكوثهم طوال النهار في العمل وعندما يعودون إلى المنزل يكونون منهكين من التعب مما لا يسمح للأهل بأن يتحدثوا معهم لمعرفة هذه المكتسبات الخلقية عدا أن الضرب الذي يتعرضون له أثناء العمل يدفعهم إلى الانحراف والجريمة.

3- الآثار التربوية:
من المعلوم أن المدرسة والبيت والمحيط تلعب دوراً هاماً في تنشئة الطفل تنشئة سليمة من الناحية التربوية لذا فانعدام هذين العاملين (المدرسة والبيت) من تربية الطفل يفسح في المجال للعامل الأخير وهو المحيط للاستفراد بتربية وتنشئة الطفل على منظومة قيمية معقدة سواءَ كان هذا المحيط معملاً أو شارعاً فضلاً عن الانعكاسات السلبية التي قد تتولد لديه من نفوره من التعلم والكتابة وبالتالي بلادته وسطحية تفكيره مما يشكل ضرراً جدياً على الطفل وعلى المجتمع.

4- الآثار الصحية:
"إن تشغيل الأطفال وهم في أوضاع جسمية غير مريحة يؤدي إلى مشاكل صحية عديدة ناجمة عن الإرهاق الجسدي والبنيوي من قبيل التقوس في الظهر، صعوبة التنفس، التهاب القصبة الهوائية، أمراض العيون والقلب، التهابات الحنجرة ومشاكل الجلد"(3) كذلك فإن تعريض الأطفال لحمل الأوزان الثقيلة يؤدي إلى تشوه في العمود الفقري والحوض والقفص الصدري يضاف إلى كل ذلك الآثار الصحية الناجمة عن حوادث العمل بشقيها الجروح وما تتضمن من تمزقات وتقرحات والتهابات، والرضوض المصاحبة لبعض الجروح، والإعاقة الدائمة أو المؤقتة كالكسور، الخلع، الالتواءات وبتر أو فقدان أحد الأطراف.

مقترحات الحلول:
على الرغم مما تمت الإشارة إليه من أسباب ومن آثار ومن اتفاقيات عقدت فإن عمل الأطفال ما زال ينتشر في أوساطنا خصوصاً بين الذكور، وهذا الأمر يؤشر إلى الحالة الاقتصادية المزرية التي يشهدها بلدنا والتي تتفاقم يوماً بعد يوم في ظل انعدام كبير لفرص العمل على الصعد كافة. وكلما أغلق مصنع هنا، وشردت عائلة هناك، يزداد الأمر سوءاً ويشتد الخناق على الأسر الفقيرة التي تضطر لأن تدفع بأطفالها إلى العمل. لذلك لا بد من تضافر الإرادات الخيرة لإنقاذ هؤلاء الأطفال من شبح الضياع وعلى الدولة أن تقوم بواجباتها من أجل تخفيف هذه الضائقة عن الناس خصوصاً أنها من الدول الموقعة على اتفاقية حقوق الطفل. كما وأن إقرار إلزامية ومجانية التعليم في لبنان وفتح مدارس في البلدات والقرى كافة يمكن أن يوفر مناخاً مؤاتياً لكثير من العائلات ليعلّموا أولادهم فيها دون أن يتحملوا أعباءً إضافية. كما وإن للأهل والأقرباء دوراً هاماً في منع استمرار هذه الكارثة وذلك عبر تعاونهم وتكافلهم لتعليم ما أمكن من الأطفال وإنقاذهم من براثن الجهل والجريمة. كما إن للجمعيات الأهلية والأغنياء دوراً مكملاً في إعالة هؤلاء الأطفال ومساعدة أهليهم على تخطي هذه الأزمة عبر كفالتهم رعائياً وتربوياً كما يقول الله تبارك وتعالى في كتابه المجيد: (وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم)(4).


(*) ماجستير علوم اجتماعية.


(1) د. باسمة المنلا وآخرون "عمالة الأطفال دراسة ميدانية في ضاحية بيروت الجنوبية"، منشورات الجامعة اللبنانية، قسم الدراسات الاجتماعية، بيروت 1998، ص 121.
(2) "عمل الأطفال شر لا يحتمله الضمير الإنساني" مجلة عالم العمل، منظمة العمل الدولية، العدد 4، حزيران 1993 ص 18.
(3) د. باسمة المنلا وآخرون "عمالة الأطفال دراسة ميدانية في ضاحية بيروت الجنوبية"، منشورات الجامعة اللبنانية، قسم الدراسات الاجتماعية، بيروت 1998، ص 46.
(4) قرآن كريم.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع