نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

في رحاب بقية اللَّه‏: خمس صفات لمن يستخلفهم اللَّه‏

الشيخ نعيم قاسم‏

 



أنزل الله رسالات السماء عبر الأنبياء صلى الله عليه وآله ليحكموا بها في الأرض، وليحققوا العدل بين الناس، قال تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْط (الحديد: 25)، وعلى الرغم من سطوة أهل الكفر في حياة البشرية، فإنَّ وعد الله قائم بتحقيق النصر النهائي للإيمان على الكفر، وإقامة دولة العدل، وقد صرَّحت الآية القرآنية بالوعد الإلهي الدائم بقوله تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون(النور: 55).

* الاستخلاف والاستبدال‏
استخلاف المؤمنين على الأرض نتيجة حتمية، لكنَّ هذا الاستخلاف مرتبط بأداء الجماعة واستقامتها، وتوفر الشروط الضرورية لهذه المهمة، وهي شروط إذا توفرت تحقق الاستخلاف في جماعة معينة، وإذا لم تتوفر لم يتحقق بها، وعندها ينتقل الاستخلاف إلى جماعة مؤمنة أخرى يستبدل بها من سبقها، ويستمر الأمر على هذا المنوال إلى قيام دولة المهدي عجل الله فرجه، التي تحقق هدف الأنبياء، وتجمع الأبدال والمؤمنين، وبذلك يُترجم الوعد الإلهي حكماً إسلامياً عالمياً عادلاً. فعلى جماعة المؤمنين في أي حقبة من الزمن، أن تسعى للقيام بواجباتها على أكمل وجه، وتعمل لتطبيق الشريعة المقدسة في حياتها، وتلتزم بتعاليم الإسلام في كل مجالاته الخاصة والعامة، لتتمكن من حكم نفسها بما أنزل الله تعالى، وأن تستقر في تمثيلها للمنهج الإسلامي الأصيل. فإذا قصَّرت في ذلك بمجموعها، وكانت ضعيفة أمام مغريات الدنيا، وفرَّطت بما أنعم الله عليها، سُلبت منها نعمة الحكم والقيادة، وتكاثر عليها الأعداء كتداعي الأكلة على قصعتها، ثم تبدأ إرهاصات عملية الاستبدال بمن يأتي من بعدها في مكانها وزمانها، أو في أمكنة أخرى وأزمنة أخرى، ليبقى صوت الإسلام مرتفعاً بجماعة من المؤمنين. فقد انطلق رسول الله صلى الله عليه وآله في جزيرة العرب، ورفع المسلمين إلى أعلى المراتب، ليصبحوا الدولة الأولى المؤثرة في العالم، لكن عندما أساؤوا وأخطأوا سلبهم الله هذه النعمة، التي انتقلت إلى بلاد فارس لأنهم حكموا بشرع الله تعالى.

* الصفات الخمسة في الجماعة المستخلفة:
لا يكفي الجماعة المؤمنة أن تلهج بالإسلام، إنما يجب عليها ترجمة إيمانها أفعالاً واضحة، وإلاَّ سُلبت هذه الجماعة موقعيتها واستبدلها الله بغيرها، ومن الصفات التي يجب توفيرها لاختيار الله تعالى للبدائل أو للمحافظة على الاستخلاف، ما ذكرته الآية الكريمة بإيجاز مُعبِّر: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (المائدة: 54). فالصفات الخمسة في الجماعة المستبدلة أو المستخلفة هي:

1- الحب لله وفي الله، وهو تأكيد على التفاعل القلبي، وسلامة الدافع للعمل بأوامر الله تعالى ونواهيه، وتحقيق الانجازات بقناعة واندفاع.
2- أذلة على المؤمنين، يتواضعون لهم، ويتساهلون في التعامل معهم، ويتجاوزون عن سيئاتهم، ويحسنون في معاشرتهم.
3- أعزة على الكافرين، يتصرفون معهم بشدة وغلظة، ليمنعوهم من عدوانهم واحتلالهم وتسلطهم وتعميم انحرافهم في الأمة.
4- الجهاد في سبيل الله، حيث يشكل القتال والاستعداد للشهادة حماية للمسلمين وأراضيهم من أعدائهم، وحفظاً لدينهم وإيمان أجيالهم، وخطَّ الدفاع المتقدم عن وجودهم.
5- لا يخافون في الله لومة لائم، فيقولون الحق، ويعملون للعدل، ولو كره المشركون والمنافقون، طالما أنهم مع الله وهدفهم رضوانه.

* هل يمكن أن تزول هذه الصفات عن المؤمنين؟
بما أنَّ الإيمان درجات، فقد تقصِّر جماعة المؤمنين فيما خصَّ هذه الصفات الخمسة، وعندها تفقد دورها تدريجياً، وأمَّا المرض الأكبر الذي يمحق كل شي‏ء فهو التعلق بالدنيا، وقد خاطب الله المؤمنين بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌالتوبة: 39-38). كما ورد في الحديث الشريف: "حب الدنيا رأس كل خطيئة"(1)، فبسبب الارتباط بزخارف الدنيا وزينتها، تسقط الجماعة المؤمنة في الاختبار، ويستبدلها الله بغيرها أفضل منها. فلنحرص على أن نكون البديل الحقيقي الذي لا يستبدله الله بغيره، ولا يكفي أن نتوقف عند الانجازات، بل يجب أن نستمر في المحافظة على الصفات الخمسة بعد النصر والتوفيق أكثر مما كنا نحرص عليها قبله، لتستمر بركات الله تعالى علينا، ولنكون المؤهلين جنداً للإمام المهدي عليه السلام، أوليس الصبح بقريب.


 (1) مصباح الشريعة المنسوب للإمام الصادق عليه السلام، ص‏138.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع