نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

وصايا العلماء: لا تكن ممَّن ختم اللَّه على قلبه وسمعه‏

الشيخ حسين كوراني‏


* وصيتان للعلاَّمة الشهيد السيد مصطفى ابن الإمام الخميني قدس سرهما(1).
(1)اعلم أن في الإنسان قوة الخير وقوة الشر، وفيه مادة الحسنات والسيئات، ولا تغلب هذه القوة وتلك المادة إلى جانب من الجوانب وناحية من النواحي باقتضاء من ذاتها، بل هي تابعة للصور الواردة عليها، فإنْ خيراً فهي إلى الخير متحركة، وإنْ شراً فهي إليه مائلة وعليه مجبولة. وتلك الصور الواردة ليست خارجة عن اختيار الإنسان إلا أن منها ما يكون تحت إرادة الآباء والأمهات، فإذا كانت الأصلاب شامخة والأمهات مطهرة، يولد الإنسان الجامع للهيئات الحسنة، القابلة للحركة نحو الخيرات المطلقة ويلد الأبوان المولود المجبول على الحسنات والمولع بالخيرات، وإذا كانت الأصلاب والأرحام منحرفة ومظلمة، تكون النطف محجوبة بالحجب الظلمانية، وبالقوى والطبائع المنحرفة الشيطانية، فيلدان المتهودين والمتنصرين، كما ورد أن أبويه يهودانه وينصرانه، وإلا فكل مولود يولد على الفطرة، ويكون مجبولاً على التوحيد والحركة نحو الكمال المطلق.

وإذا بلغ الإنسان إلى حد الاختيار والإرادة، فلا بد من المحافظة على تلك الصور الواردة حتى تُحفظ القوى والطبائع الإلهية المودعة فيه، وتسير في رحاب الحق والحقيقة، وتسافر إلى دار اللَّه، وهي دار الوجود والبقاء. ومن الأسباب التي يتمكن الإنسان بواسطتها من صيانة تلك الخصائص المركوزة في ذاته، أن يعمل على تطبيق منطلقاته ودوافعه وروحياته على الكتاب العزيز والقرآن الكريم والصراط المستقيم، وعندما يقرأ الآيات المباركة في مفتتح سورة البقرة(2) لا يقتنع بمجرد اللقلقة وتحسين الصوت وتجويد الحروف والكلمات، بل يكون على بصيرة من أمره مهتدياً بالآيات، ومترنماً ومترقياً بالحروف والكلمات، مواظباً على إحلالها في شغاف قلبه وترسيخها في روحه ونفسه، ليستمد منها، ويتغذى بغذائها، كما يتغذى بسائر الأغذية، ويجاهد في سبيل ربه بهدى الربوبية، حتى يكون من المفلحين الفائزين الذين مدحهم إله العالمين، من غير اغترار بما في تخيلاته وتسويلاته من المفاهيم القالبية، الخالية عن المعاني والأنوار القلبية. والله ولي التوفيق .

(2) اعلم أن الإيمان من جنود العقل، وقد تصدت الآيات الأربعة السابقة(3) لبيان حال المؤمنين وصفة المتقين، والكفر من جنود الجهل، وقد تصدت هاتان الآيتان(4) لبيان حال الكفار. وبعبارة أخرى: إن الإيمان من أحكام الفطرة المخمرة، والكفر من آثار الفطرة المحجوبة، وقد تقرر لأهله في محله: أن الإنسان مفطور على عشق الكمال والنفور من النقص، فهو متحرك إلى الإيمان ومتوجه نحوه، لأنه كمال الطبيعة والطينة ومنزجر عن الكفر وفرّار منه، لأنه النقص، وهذه الكبريات مما أقيم عليه الشواهد والوجدانيات المشفوعة بالبراهين والأدلة والآثار. والذي هو الأهم في نظر السالك، وينبغي أن يهتم به في السير: هو أن يتحقق العبد بصفة الإيمان، حتى لا يكون كافراً في جميع الإعتبارات وفي الآفاق كافة، وهذا الكفر هو الذي يحتجب به الإنسان بأنواع الحجب، ولا يتمكن بعد الإحتجاب من خرقها وهدمها إلا بالعناية الإلهية وبالممارسة والمجاهدة النفسانية، ولا يجوز في منطق العقل أن يكتفي بالبحوث الأخلاقية والغور في تحليلها، للوصول إلى دقائق الملكات بقسميها أي الفاضلة وغيرها، غافلاً عن حال قلبه وعما هو عليه وما هو فيه من البلايا والآفات.

فيا أيها العزيز ويا قرة العين: إياك وأن تصبح وقد اكتسبت المادة القابلة للصور الكافرة، وحجبت الفطرة بالحجب الغليظة، فلن يمكنك عند ذلك أن تتخلص من العذاب الإلهي العظيم، ولا أن تنجو من جحيم الذات السرمدي الأبدي، فما دمت مقارناً للمادة وفي الدنيا والنشأة القابلة للتغير، وما دمت شاباً لم ترسخ جذور وجودك في سجون الطبيعة المظلمة، فأنت قادر على التحول والإنقلاب، وعلى إضاءة النفس وإنارة القلب، وباستطاعتك خرق الحجب، فلا تشتغل بغير ذلك، واستعن بالله العزيز وبالرب اللطيف حتى يمدك بملائكته لإنقاذك وهدايتك، حتى لا تكون بعد ذلك ممن طبع اللَّه وختم على قلبه وسمعه، وعلى بصره غشاوة. فلا تأخذ بالتسويف والآمال، فإن ذلك من مكايد الشيطان وحباله وخدعه ووسوسته ونباله. ولا تيأس من روح اللَّه وعنايته، فإنه لطيف ورؤوف بعباده، وعطوف ورحيم بمملكته وسلطانه، ولا تترنم: بأن الأمر قد مضى، وقد قضي علينا بالشقاء والنيران، فإن كل ذلك من الشيطان الرجيم ومن إبليس اللئيم. عصمنا اللَّه تعالى من النفس الأمارة بالسوء، فلنبتهل إلى اللَّه تعالى ليعيننا على طاعته وعبادته، ويخلصنا من الزلات والشرك ومن الخواطر والصوارف. آمين يا رب العالمين.
 


 (1) المرحوم السيد مصطفى من أجلة العلماء ويبدو أن وفاته الغامضة كانت بتدبير قتله من قبل مخابرات الشاه "السافاك" وكانت مجالس الفاتحة التي أقيمت له في أرجاء إيران الفرصة اللازمة للمد الجماهيري بقيادة الإمام الراحل ضد النظام الجائر ولانطلاقة الثورة الإسلامية في إيران في جولتها الأخيرة نحو النصر، ولذلك عبر عنها والده الإمام الخميني بأنها من الألطاف الإلهية الخفية وتشهد مؤلفات هذا العالم الكبير والمحقق الفذ لا سيما في الأصول والتفسير بما بلغه في سماء العلم والفضيلة. وهاتان الوصيتان مأخوذتان من كتابه في التفسير: تفسير القرآن الكريم، وقد وردت الوصية الأولى في ج‏95 - 94 - 3 والثانية في ج‏215 214 - 3 بحسب نسخة برنامج: المعجم الفقهي: الإصدار الثالث، وقد أوردتهما هنا بتصرف في العبارة يحفظ المعنى.
(2) المراد بها قوله تعالى:
﴿الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون (البقرة: 5 - 1).
(3) المراد بها الآيات المتقدمة.
(4) المراد بالآيتين ما بعدها وهو قوله تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (البقرة: 7 - 6).

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع