نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

تحقيق‏: كيف نقضي الصيف!

منهال الأمين‏

 



الصيف على الأبواب، هو استراحة المحاربين على جبهات الحياة، فماذا أعدوا له، وكيف يستغلون هذه الهدنة المؤقتة التي تقطع عليهم سباقهم مع المشاكل والهموم، حتى لا يقعوا ضحية الفراغ الذي نسميه أحياناً بالقاتل. وماذا يفعلون للهروب من هذا الموت المتربص بهم ليعيشوا حياة أفضل دون تسويف ومماطلة، وبعيداً عن اللهو والعبث وتقطيع الوقت. وإذا كان هناك من لا تتوقف عجلة الحياة به في فصل الصيف، فلا من هدنة أو استراحة ل"سعيه" وراء لقمة العيش التي يسعى جاهداً لتحصيلها فلا يكاد يعرف ليله من نهاره ولا صيفه من شتائه، فإن من يحظون بعطلة خلال فترة الصيف يجدون أنفسهم دائماً أمام سؤال ملح: ماذا نفعل؟ ماذا يجب أن نفعل؟ كيف نستفيد من أوقات الفراغ؟ أما بالنسبة للأهل فإن سؤالهم الأهم: كيف نوجّه أولادنا لكي يحصّلوا الفائدة خلال فصل الصيف؟

تتفاوت النسبة بين شخص وآخر، في مدى القدرة على الاستفادة أو حتى الرغبة في ذلك خلال فصل الصيف وإن كان الجميع يعتبره "متنفساً" له. وهناك من يشكِّل الصيف مناخاً ملائماً لحركتهم، وبطريق أولى هم يشكلون أيضاً مادة "دسمة" له ولكل ما يتعلق به، وهم الفتيان والفتيات وطلاب المدارس والذين يتحمل الأهل عنهم المسؤولية المباشرة فيما يمكن أن يخططوا أو يختاروا لأبنائهم، و"أولياء الأمر" قد لا تساعدهم الظروف للتفاعل مع هذه العطلة الصيفية، لا بجزء يسير (يوم عطلة وحيد أو يومين على أبعد تقدير خلال الأسبوع). ولكن هذا لا ينفي عنهم المسؤولية تجاه من ائتمنوا على تربيتهم ورعايتهم وتوجيههم، سواء كان الابن أو البنت أو الأخ أو الأخت أو حتى الزوجة أيضاً. وتختلف الخيارات بحسب البيئة، والجغرافيا تلعب دوراً رئيسياً في تحديد هذه الخيارات كما بدا في كلام من تحدثوا عن كيفية قضائهم للعطلة الصيفية. فإبراهيم ابن المدينة الساحلية صور، أب لولدين (5 و7 سنين) يختصر الخيارات بارتياد الشاطئ بشكل شبه يومي مع عائلته بعد عودته من العمل: "النهار طويل، نلجأ إلى البحر، نتناول طعام الظهر، نسبح والأولاد يلعبون، ونفترش الرمل حتى غروب الشمس". وعن المشاريع الأخرى، يجيب: "قليلة". من جهته اعتبر زميله علاء (27 عاماً أعزب): "أن الحياة بهذه الطريقة مملة ولكن في ظل عدم وجود البديل يبقى الخيار صعباً". ولكن لماذا لا يوجد بديل؟ يوضح علاء: "إذا كان هناك نشاط يختص بالشباب فإنه غالباً ما يكون فئوياً أو حزبياً، وأنا محايد لا أحب أن أكون محسوباً على أحد".

علي يختلف مع علاء المحايد فهو ليس عنده مانع من المشاركة في أي نشاط سواء كان رياضياً أو اجتماعياً أو كشفياً، طالما أن الفرصة سانحة: "لا بل يصبح الأمر ملحاً بعد عام دراسي طويل"، ويضيف أنه رغم هذا سيخصص وقتاً إضافياً لاكتساب لغة أجنبية ثانية إلى لغته الأساسية الإنكليزية. وفي هذا المجال تبدو خطة إسماعيل متمايزة بعض الشي‏ء كونه يرغب في أخذ دروس "تقوية" في اللغة العربية، معتبراً أن التقصير في هذا المجال "لم يعد مسموحاً بعد أن انصب الجهد على تحصيل اللغات الأجنبية ويكاد الواحد منا لا يستطيع تحريك جملة بالعربية بشكل صحيح". فصل الصيف قد يكون فرصة ذهبية للبعض في استغلاله علمياً، فمثلاً حسن (19 عاماً) تسجل في دورة كمبيوتر ودورة تقوية في اللغة الإنكليزية (دوام ليلي). لأسباب تتعلق بمستقبله يفضل أن يملأ وقت العطلة بما يعود عليه بالنفع، وعلى صعيد العمل يشير إلى أنه أمّن عملاً له بنصف دوام خلال النهار للاعتماد على نفسه. وعما إذا كان هناك من برنامج للترويح عن النفس، أجاب بأن هذا رهن بالشي‏ء المقنع لأنه يستنكر كثيراً على رفاقه التسلية غير المجدية (اونو، نارجيلة...) وخاصة في السهرات. وكنماذج أخرى تجد طلاب الشهادة )الثانوية أو المتوسطة( أمام حيرة من أمرهم: "لأننا عزمنا أنا ورفاقي كما يقول سامر الطالب في الصف التاسع على الالتحاق بالمخيمات الكشفية، التدريبية منها والترفيهية، ولكن هذا رهن بالنتائج، فإذا كانت ايجابية فلك أن تفعل ما تريد تعويضاً عن تعب الدراسة وإذا كان العكس فأنت ملزم بتمديد العام الدراسي تحضيراً للدورة الثانية". لذا ينصح سامر "الزملاء" بأن لا يضيعوا فرصة الصيف بالكسل والتقاعس خلال العام الدراسي.

من جهته اعتبر القائد الكشفي رضا جمول (22 عاماً): أن أهم تجربة للاستفادة من العطلة الصيفية تكمن في الكشاف: لأنه "يزرع روح المشاركة والفعالية في نفوس الفتيان والفتيات، من خلال المخيمات الكشفية والترفيهية والرحلات والنزهات في البرية والأحراش، ويساهم بشكل كبير في بناء شخصية الفرد عبر برامجه المتنوعة في مجال الموسيقى والأناشيد والمسرح وغير ذلك من أمور مفيدة جداً. ومؤخراً أيضاً أدخلت بعض الجمعيات على جدول نشاطاتها دورات الكمبيوتر ودروس التقوية في المواد العلمية واللغات للطلاب المقصرين". في مقلب آخر يقول ربيع (17 سنة الثاني الثانوي): "أنتظر هذه الفرصة كي أجدد النشاط الرياضي بكل أنواعه: كرة قدم، طائرة، سلة..." وعما إذا كان هناك شي‏ء على مستوى الثقافة يقول ربيع أن ذلك يقتصر على المحاضرات المتقطعة في المسجد وحضور الأدعية، مبدياً اهتمامه بالحلقات القرآنية ولكن ليس ضمن برنامج منظم تدأب جمعية القرآن على اقامته في مختلف المناطق. ويصر أحمد (طالب في كلية الآداب) على أنه لا يستهويه كل ما يشغل أبناء جيله من الشباب سواء كان الانترنت أو البحر أو غير ذلك وينتقد إحجامهم عن الثقافة المتمثلة برأيه في ارتياد المسارح والمعارض الفنية والندوات الشعرية ودور السينما "والتي ألزم نفسي بها وأجد في الصيف فرصة سانحة لمتابعتها بدقة، وحتى في الجامعة لم تعدى ترى طلاباً حقيقيين، وصارت الكلية لشم الهواء وتقطيع الوقت". وفي وقت يغيب التلفزيون بشكل كبير لصالح الكمبيوتر والانترنت، وبالخصوص لدى أعمار معينة (16- 15- 14 سنة)، إلا أن عماد (صاحب محل انترنت) يرى أن هذه الأعمار تميل بقوة نحو ألعاب الكمبيوتر والانترنت والبلاي ستايشن وحتى البيبي فوت والبليار، وقد غابت الألعاب الجماعية كالغميضة وغيرها عن اهتمام الفتيان والأطفال الذين لا زال التلفزيون يحتل جزءاً لا بأس به من واقعهم.

ناصر (50 عاماً) أب لثلاثة أولاد وبنت يقول: "أن البنت لا تحيرني كثيراً، فمشكلتها محلولة مع الكشاف فلديهم برنامج حافل بالدروس والمهارات والدورات الفنية كالحفر على الزجاج وتنسيق الزهور والخياطة، إضافة لدورات التجويد وحفظ القرآن". أما الأولاد فيرى أن وضعهم أصعب: "إذ أن أصغرهم بلال (13 سنة) غارق في الانترنت طوال النهار وأحثه كثيراً على أن يستفيد من وقته ولكن عبثاً أحاول لأنه أصبح يتهرب من أي نشاط آخر. أما الأوسط حسام (16 سنة( فهو متعلق كثيراً بالقرية، طوال 3 أشهر لا يتعرف على بيروت، يقضي معظم الوقت في الصيد ونزهات الغداء والشاي في البرية. أما الأكبر علي (20 عاماً جامعي) فإنه يضطر خلال العطلة للعمل في أي مجال كان لكي يغطي مصاريفه على الأقل، في هذا الوضع الخانق وطبعاً لا ينفي ذلك سعيه للتسجيل في دورات كمبيوتر تفيده في المستقبل". سلمى أم لطفل واحد، قالت إنها منتسبة إلى الحوزة، وتجهد في الصيف للالتحاق بدورات متنوعة توفرها بعض المعاهد كالكمبيوتر والمهارات الفنية والأعمال المنزلية المختلفة وتلقى التشجيع من زوجها. إلا أن وضع وفاء معلمة إنكليزي لا يتوافق مع سلمى برأيها "لأنني غير ميّالة أبداً للانخراط في مشاريع درس أو تدريس بعد عناء 9 أشهر في المدرسة، لذا أفضّل أن تتنوع الخيارات وأن تتركز على الجانب الترفيهي للترويح عن النفس، فلا بأس بالرحلات السياحية للمناطق الأثرية والدينية ولا سيما الجبل والمناطق المحررة". يبقى أن نشير إلى أن كل واحد منا يحتاج الموجّه ولا يكفي أن يكون ذاتياً، لتحديد أولويات العمل ورسم خطة لقضاء أوقات العطلة والفراغ على كثرتها، خاصة لدى فتياننا وفتياتنا، وبخاصة الطلاب منهم. "لأن الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك" وكان رسول اللَّه يوصي أبا ذر بخمس قبل خمس ومنهما: شبابك قبل هرمك وفراغك قبل شغلك وصحتك قبل سقمك...

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع