أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

تاريخ‏: منارات حضارية من الإرث الثقافي العاملي‏

حسين ركين‏

 



بعد الحديث في الحلقة السابقة عن دور العامليين الجهادي لا سيما دور العلماء الأعلام في تحريض الأمة على الجهاد ضد الكيان الصهيوني الغاصب. لا بد هنا من عرض الإرث الثقافي العاملي ودور العامليين في النهضة الفكرية والثقافية والأدبية والعلمية على مستوى المشرق العربي والعالم.

* المدارس العاملية
إن دراسة أي حركة فكرية أو ثقافية لم تفِ بالمطلوب إذا لم يتم البحث والتعرف على المدارس التي كانت موجودة ، وفي جبل عامل تعتبر المدارس أهم عامل في تنشيط الحركة الفكرية والأدبية وهي من أكثر البواعث أثراً في تعميم المعرفة ونشر الثقافة. وابتداءً من القرن السابع ظهرت المدارس في القرى العاملية منها:

1- مدرسة جزين: كانت هذه المدرسة مقصداً للعلماء والمفكرين من المشتغلين بالفقه وأصوله، وقد نظّم برامجها الشهيد الأول عام 1370م - 771هـ.
2- مدرسة ميس الجبل: بعد أن تضعضع وضع المدرسة الجامعة في جزين أسس هذه المدرسة العلاَّمة علي عبد العالي الميسي المتوفي عام 1526م، وفاق عدد طلابها 400 طالبٍ، ومنهم الشهيد الثاني، وقد عدّد الحر العاملي في أمل الآمل الكثير من العلماء وأهل الفضل الذين تخرَّجوا منها.

ولا يسعنا ذكر تفاصيل كل المدارس العاملية، وإنما على سبيل التعداد لا الحصر نذكر: مدرسة شقراء، مدرسة الكوثرية، مدرسة جبع، مدرسة حانويه، مدرسة بنت جبيل، المدرسة النورية، المدرسة الحميدية، ومدرسة النبطية الحديثة، وغيرها الكثير من المدارس...

* مناهج التدريس في المدارس العاملية:
كانت مراحل الدراسة تتعين بالكتب المدروسة، كان التدريس يقوم على استعداد من الطالب والمعلم، ويعتبر كتاب " منية المريد في آداب المفيد والمستفيد« للشهيد الثاني بمثابة مرجع رئيسي ودستور تربوي تناول فيه بالشرح والتفصيل واجبات المعلم والمتعلم. أما الموضوعات التي يتعلمونها فبعد حفظ القرآن كانت تدرس علوم النحو والبيان والفقه والمنطق ففي:

أ- دراسة النحو: يتدرج الطالب من متن الاجرومية إلى قطر الندى، ومن ثم إلى ألفية ابن مالك وغيرها من كتب الصرف والإعراب.
ب- دراسة البيان والبلاغة: يقرأ الطالب كتاب المطول في المعاني ويدرس معه حاشية اليزدي، ثم الشمسية في علم المنطق للشيرازي، مما يؤهل الطالب ويمكنه من وسائل التفكير بلغة صحيحة ومنطق سليم لدراسة أصول الفقه ويتعمق فيها. وكان يُدرَّس في المدارس العاملية علم الكلام والإلهيات وعلم التفسير والحساب وفن الأدب.

* المكتبات العاملية:
لعبت المكتبات دوراً كبيراً في تنشيط الحركة العلمية والفكرية ورقي الأدب، وعرف جبل عامل مكتبات مملوءة بالكتب النفيسة القيمة، ولكن الأحداث السياسية التي جرت لا سيما انقضاض احمد باشا الجزار على جبل عامل وإتلافه لهذه النفائس حيث حرق الكثير من المؤلفات ونهب بعضها، ونقل الجزء الكبير منها إلى أفران عكا التي اشتعلت نيرانها بهذه الكتب مدة ستة أيام، أما المكتبات التي بقيت فهي قليلة جداً وخاصة منها:

مكتبة آل نعمة ومكتبة آل الحر في جباع.
مكتبة آل الأمين في شقراء.
مكتبة آل السبيتي في كفره.
مكتبة آل عز الدين في حانويه.
مكتبة آل خاتون.. وغيرها من المكتبات الصغيرة التي تعرضت للنهب والسرقة على أيدي الفرنسيين زمن الانتداب.

* مظاهر الحركة الفكرية العاملية
برزت عدة مظاهر من النتاج الفكري والثقافي في جبل عامل منها:

الدور الكبير الذي قام به علماء الدين من حَفَظَةْ وأئمة مساجد ومدرِّسين حيث كان عملهم في التوجيه والتفسير والشرح للعقائد والفقه والشرع ورواية الأحاديث الشريفة، وقد برز الكثير من المحدِّثين في صور وصيدا والصرفند. كما خرج من جبل عامل جماعة ممن اشتغلوا بالطب والجراحة والنبات.. النشاط الأدبي حيث برع الأدباء العامليون في الشعر والنثر الأدبي، وقد برع الشعراء والأدباء العامليون وذاع صيتهم في العالم العربي منذ عصر صدر الإسلام، وفيما بعد حيث انتشر عدد من الشعراء في ربوع العالم الإسلامي كعدي بن الرقاع العاملي الذي كان معاصراً لجرير، وعبد المحسن الصوري المتوفي سنة 419 هجرية والشاعرة تقية بنت غيث الأرمنازي المتوفية عام 579 هجرية وإسماعيل ابن الحسين العودي العاملي الملقب بشهاب الدين المتوفي عام 1185 هجرية، وإبراهيم ابن الحسام العاملي الجزيني المتوفي عام 1271 هجرية، والشيخ طومان المناري العاملي. النشاط العلمي الذي انطبع بطابع الدين حتى دارت سائر العلوم والآداب بفلكه، وازدهر جبل عامل بنشاطه العلمي هذا، ويكفي أن يكون الحر العاملي وهو من معاصري القرن الحادي عشر الهجري قد ترجم لما يزيد عن مائتين من المفكرين الذين عاشوا قبله، ويذكر صاحب أعيان الشيعة أن الذي فات الحر العاملي أكثر مما ذكره، وقد تحولت أنظار العلماء في العالم الإسلامي إلى جبل عامل في هذه الفترة وباتوا يعتبرون هذا الجبل منبت الفئة الخيِّرة من رجال الدين وعلماء العقيدة، فإن أمير خراسان علي ابن المؤيد أخذ يرجو الشهيد الأول محمد بن مكي ويلح عليه باستعطاف راغباً أن يوافيه إلى خراسان لنشر العقيدة.

وذاعت شهرة المدارس العاملية فكان يقصدها كل من يحل في الشام من العلماء وهذا ما دعا الطبيب الشهير داوود الأنطاكي للقول: "ثم لما خرجت في رفقة كرام نؤم بعض المدن من سواحل الشام، حتى إذا صرت في بعض ثغورها المحمية دعتني همة علية أو علوية أن أصعد منه إلى جبل عاملة ، فصعدته منصوباً على المدح وزرت عامله وأخذت عن مشايخها ما أخذت وبحثت مع فضلائها فيما بحثت". وفد الكثير من العلماء إلى جبل عامل كالمحقق التستري الذي استجاز من نعمة الله بن خاتون العاملي والعلامة الشيخ فهد الحلي الذي استجاز من الشهيد الأول وغيرهم الكثير.. لا يسعنا ذكرهم في هذه العجالة. وبالخلاصة فإن العامليين أسهموا إلى حد كبير في حضارة الشرق، ولم يحصروا نشاطهم في جبلهم ووطنهم، فانطلقوا في الجهات الأربعة فعمَّروا الحركة الفكرية والأدبية وأشعلوا شموعاً في سبيل إحياء الحركة الإنسانية، وتركوا من الإرث الفكري والحضاري ما يعتبر قمة أمام معاصريهم، فأضحوا أعلاماً مدى الدهر.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع