نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

تاريخ‏: محطات جهادية في تاريخ جبل عامل‏

حسن ركين‏


* التسمية والحدود:
يجمع عدد كبير من المؤرخين أن تسمية (جبل عامل أو جبل عاملة) إنما هي نسبة لقبيلة عاملة اليمنية من سبأ، حيث خرجت هذه القبيلة إلى الشام عند سيل العرم. وهي قبيلة هاجرت من اليمن قبل الميلاد بثلاثمائة عام على وجه التقريب. ويقسم جبل عامل إلى قسمين: شمالي وجنوبي، يفصل بينهما نهر الليطاني ويطلق على القسم الجنوبي منه اسم بلاد بشارة وهذه التسمية تضاربت حولها الآراء والمهم أنها ترجع إلى اسم أمير لإحدى القبائل. أما حدود جبل عامل فقد اختُلف في تحديدها والمشهور عند المؤرخين أنها تمتد من مصب نهر الأولي حتى تومات نيحا مروراً بروم وجزين ومشغرة وسحمر ثم تتابع نبع الحاصباني مع مجرى النهر حتى تنتهي عند بحيرة الحولة ويسلك خط الحدود ضفتها الغربية ثم ينعطف غرباً حتى مقام النبي يوشع وينتهي عند مصب وادي القرن. يبلغ متوسط طول جبل عامل من الجنوب إلى الشمال نحو ثمانين كيلو متراً ومتوسط عرضه نحو أربعين كيلو متراً.

* جبل عامل في التاريخ:
لو أردنا التحدث عن تاريخ جبل عامل، فإن ذلك ليس بالسهل والمتيسر لدينا في هذه العجالة، وذلك بسبب ضآلة المادة أو ندرتها إلى درجة قد لا تفي بالغرض، وقد نستطيع تكوين صورة عامة أكثر جلاءً إذا ما توقفنا عند مدينة صور التي هي حاضرة جبل عامل. فقد تفردت هذه المدينة منذ العصور السحيقة بجاذبية خاصة، بسبب موقعها الإستراتيجي، انطلاقاً من التاريخ الفينيقي وصولاً إلى التاريخ الإسلامي وكان لمدينة صور دور مهم في صدر الإسلام، حيث كانت المرابطة على ثغور العدو، وفي أعقاب الاختلال الذي أصاب كاهل الخلافة الإسلامية، عايشت صور وجبل عامل أنماطاً متنوعة من الحركات السياسية المناوئة للعباسيين، وكانت صور قد خرجت من دائرة النفوذ العباسي مع ظهور الدولة الطولونية، حيث ارتبطت منذ ذلك الوقت بالقوى الحاكمة في مصر. ثم خضعت للفاطميين بعدما سقطت دمشق بيد القائد الفاطمي جعفر بن فلاح عام 359 هجرية 969 ميلادية.

ولا ننسى أن نذكر هنا الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري، الذي ورث أهل جبل عامل منه الشجاعة والجرأة التي طالما اعتزوا وافتخروا بها... ولم يهدأ جبل عامل أبداً في وجه الأعداء الذين تربصوا به، فقد قاوم أهالي جبل عامل كل حركات الاستيطان التي باشرها الأوروبيون تارة في الحركة الصليبية المسلحة وتارة أخرى في حركة التبشير المسالمة في ظاهرها، بعد أن تحطمت قوتهم العسكرية. والجدير بالذكر أن منطقة جبل عامل قاومت المحتل الصليبي لآخر نفس، فبعدما سقط "الشمال اللبناني" وعكا وبيت المقدس؛ أحكم الصليبيون سيطرتهم وحصارهم على جبل عامل، وخوفاً من هجمات الناس عليهم أقاموا القلاع والحصون الكثيرة ومن أشهرها قلعة تبنين (Tyron) وقلعة الشقيف أرنون، وحصن تل المعشوق لتشديد الحصار على مدينة صور...

وتسجل لنا كتب التاريخ الكثير من المعاناة التي لاقاها أهالي جبل عامل من الصليبيين بعكس ما روجه البعض لتبرير بعض أعمال القتل والتدمير التي قام بها البعض تحت عناوين وحدوية، فقد مارس الصليبيون أفظع أشكال الاستعباد والتنكيل بالعامليين من أعمال سخرة وضرائب وغير ذلك. يقول ابن جبير أن الصليبيين كانوا يأخذون من سكان جبل عامل الذين يقطنون بين تبنين وعكا نصف الغلة عن أوان ضمها، وجزية على كل رأس دينار وخمسة قراريط ولهم على ثمر الشجر ضريبة... وما إن تم جلاء الصليبيين حتى وقعت المنطقة تحت سيطرة المماليك الذين كانوا يتحركون تحت أهواء تعصبية وطائفية وحيث اقترن تاريخهم بالمجازر والمذابح والتصفيات لعدد كبير من القرى. ولا ننسى الممانعة والجهاد في مقاومة حركة التتريك التي لبست ثوب الدين واتخذت شعار (أخوة العقيدة الدينية) سلاحاً لها في كبت الشعور القومي. ولا بد من تذكر الكثير من الوقعات التي حصلت بين العامليين من جهة وأزلام العثمانيين من جهة أخر كوقعة أنصار (1638م) ووقعة عيناثا (1660م) ووقعة النبطية (1666م) ووقعة وادي الكفور (1667م).

* المجاهدون العامليون‏
قد أتقن العامليون بعض الفنون القتالية ومارسوها ممارسة عملية، ويصف لنا المؤرخ محمد جابر آل صفا بقوله: "وانصرف الشعب العاملي كله في ذاك العهد والحديث عن العهد العثماني لممارسة فنون الحرب وإحكام خطتي الدفاع والهجوم، وكانوا لا همّ لهم في فترات السلم إلا شحذ السيوف وتسديد المرمى والكر على ظهر الخيل يعلمونها أولادهم منذ الصغر". وأما نظام الدفاع عن البلاد "فقد كان على درجة من الرقي تدهش الباحثين" ومن فنون القتال التي أتقنها العامليون: الرمي بالبنادق، وضرب الرماح، وسرعة الالتئام والتعبئة عند إعلان النفير، والكر في الهجوم واليقظة والحذر في الدفاع وتحصين القلاع والحصون وشحنها بالسلاح والمقاتلين وإجادة القتال فيها. وكان لكل مقاطعة من مقاطعات جبل عامل راية خاصة يلتئم المقاتلون حولها، إلا أن الاتحاد بين هذه المقاطعات كان تاماً ومتيناً، وخاصة في زمن الحرب وأوقات الخطر، فإذا هوجمت إحداها "هبت المقاطعات كلها هبة واحدة، واتحدت كلمتهم على صد المعتدي بقوة السلاح" وكانت راياتهم من نسيج حريري أخضر وأحمر، وقد طرز عليها بالنسيج الأبيض، آيات قرآنية وعبارات دينية مثل "نصر من اللَّه وفتح قريب "أو" لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه "أو" لا "فتى إلا علي ولا سيف إلا ذور الفقار" وكانت راياتهم تتقدم جيوشهم في أثناء القتال.

وكان إطلاق النار هو الإشارة الرسمية للتعبئة عندهم "فإذا سمعوا طلقاً نارياً في إحدى قراهم أجابوا بإطلاق الرصاص طلباً للنجدة، وتتبعهم القرى متصلة حتى يمتد الصوت على ما قيل من جباع في سفح لبنان إلى البصَّة على حدود عكا". أما أسلحة المقاتلين فكانت في معظمها البنادق والسيوف والخناجر والرماح، وكانوا يقاتلون مشاة وفرساناً، وكانوا يتحصنون في القلاع مستخدمين النار المحرقة وبعض أنواع المدافع والبنادق، وأما عدد المقاتلين في جبل عامل فقد كان غير معروف حتى عهد التحالف مع الشيخ ظاهر العمر أي النصف الثاني من القرن الثامن عشر ميلادية، حيث كان يومها نحو عشرة آلاف مقاتل.

وكان جبل عامل منذ القدم منطقة حصينة ومنيعة، أنشئت فيها قلاع وحصون عديدة تعهدها العامليون باستمرار، وإن لم يكونوا قد بنوها بأنفسهم، ومن هذه القلاع: قلعة الشقيف أرنون، وقلعة أبي الحسن، وقلعة هونين وقلعة شمع وقلعة دوبيه وقلعة تبنين...



المصادر والمراجع:

1- أخبار الأعيان في جبل عامل لطنوس الشدياق، منشورات الجامعة اللبنانية 1970م.
2- تاريخ جبل عامل لمحمد جابر آل صفا، دار متن اللغة بيروت.
3- البلاد العربية والدولة العثمانية لساطع الحصري، دار العلم للملايين 1965م.
4- جبل عامل في التاريخ لمحمد تقي آل الفقيه المطبعة العلمية 1946.
5- خطط جبل عامل للسيد محسن الأمين ط1، عام 1961م.
6- الغرر الحسان في تاريخ حوادث الزمان، لحيدر أحمد الشهابي، مصر 1900م.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع