نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

أمراء الجنة: الشهيد القائد سعيد أسعد مواسي‏

نسرين إدريس‏



الاسم الثلاثي: سعيد أسعد مواسي‏
اسم الأم: فاطمة قوصان‏
محل وتاريخ الولادة: عيترون 1964
محل وتاريخ الاستشهاد: ميس الجبل 1-1-1986

﴿وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ . فأمطر جسده الشهب في الليالي الظلماء، ليصبح تراب الجنوب مزيَّناً بعقد من النجوم، النجوم التي عرفت معنى الأرض المخضبة بالنجيع فأبت البقاء بعليائها الموهوم، فإن العلى هناك فقط، حيث يتدفق دمٌ آمن بطريق الحسين عليه السلام. وبالرغم من أن بلدة عيترون المجاورة لحدود فلسطين المحتلة هي قريته التي نشأ وتربى فيها، إلا أنه انتمى إلى الريح الجنوبي المفعم برائحة الصعتر والزيتون، إلى تراب الصبح الندي، إلى صوت المناجل وحفيف السنابل بين تشققات الأكف المتعبة، وغرز أحلامه في ميابر التبغ ليصنع من المرارة السعادة التي لا تنتهي... كان يعود من مدرسة عيترون التي حافظ على تفوقه في جميع صفوفها ليساعد أهله في عملهم الزراعي، فتعلَّم من الأرض التي ترعرع بين شتولها كيف يحرثُ روحه بمحراث التقوى لينبت فيها نفساً محمدية أصيلة تفوح منها روائح الجنة المعطَّرة بصلاة السالكين وصيام الراغبين ودنيا الزاهدين، ولم يكن صعباً عليه، وهو الولد الصغير، الإحساس بالخطر المحدِّق بقريته من عيون الذئاب الصهيونية، وفي إحدى المرات رأته أمه، وكان حينها ابن عشر سنوات، يحمل سلاحاً أمام المدرسة، فخافت عليه وأخبرته أن المدرسة للعلم، فأجابها إن العلم والسلاح لا ينفصلان...

انتقل من عيترون إلى صور لمتابعة دراسته حيث التقاه هناك الدكتور مصطفى شمران، وكان لا بد للدكتور شمران أن يصطاد من صمت سعيد مكنونات روحه المتميزة، فاستشف من الهدوء روحاً وثَّابة وحماسة قلّ نظيرها، بالمقابل كان لا بدّ للتلميذ أن يكون مجتهداً وسائراً في الطريق الذي أرشده إليه أستاذه خصوصاً وأن الوضع في الجنوب كان ضبابياً في مرحلة التأسيس لمشروع صهيوني على أرض لبنان، فكان لا بد من فهم خطورة تلك المرحلة والتهيؤ لها بشتى الوسائل؛ الثقافية، العلمية، والعسكرية... لم تكن مرحلة الالتقاء والتتلمذ على يدي الدكتور شمران فقط نقطة تحول لحياة الجهاد في حياة سعيد، بل صقلت فيه الكثير من الأفكار والعقائد التي سعى إلى إيجادها في نفسه، ليكمل بعد ذلك ليس مسيرة تفوقه في دراسته فحسب، بل لتزداد شخصيته تألقاً وتميزاً. انتقل من صور إلى صيدا لإنهاء دراسته المهنية في اختصاص الالكترونيات التي برع فيها، لتصبح عيترون البعيدة عن ناظريه، ساكنة لواعج فؤاده المتعب من الغربة، غير أن ما كان يخفف من حزنه أمل العودة من جديد. ولكن مسافة البعد طالت بعد نجاحه في المهنية لينتقل إلى دمشق لمتابعة دراسته الجامعية، وعندما كان هناك اجتاحت القوات الصهيونية أراضي لبنان، فحزم حقائب الرجوع على عجل، ليحمل السلاح ولتبدأ رحلة الجهاد الطويلة...

"إن الذي يريد سلوك طريق المقاومة سيجوع ويعطش وسينام في العراء"، "إن أردتم العزَّة فقدِّموا أرواحكم رخيصة لتبقى الحياة عزيزة للأجيال القادمة، واكتبوا على صفحات أيامكم تاريخاً مشرِّفاً"، هذا اختصار ما كان يقوله سعيد للمجاهدين، فإلى جانب جهاده سعى إلى تربية الأخوة المجاهدين وتبيان أهمية العمل الذي يقومون به، فكان لهم، بحق، نعم القائد والمثل والقدوة. بعد عودته إلى لبنان، لم يأوِ سعيد إلى بيت، ولا التقى بالإخوة والرفاق إلا لماماً، فقد كانت المغاور سكناه، والسماء سطح ليله، والعشب الطري طعامه، والقرآن رفيق دربه، والدعاء على عتبات الإمام الحجة مناغاة سَحَره، وهمُّه مقارعة العدو الإسرائيلي عند كل مفترق طريق، وفي كل قرية، فلم يهدأ ولم يتعب، وكيف له أن يتعب وهدفه الواضح الجلي أمام ناظريه هو "الشهادة"؟! إلى جانب الثقافة العسكرية التي سعى دوماً إلى تطويرها، والسير بالإخوة المقاومين لامتلاك مهارات قتالية متطورة، لم يغفل عن بال سعيد تنمية الروح الثقافية والدينية، فتتلمذ ورفاقه المجاهدين على أيدي العلماء المجاهدين، وحملوا من الزاد الذي أعانهم للوصول إلى مبتغاهم "مرضاة اللَّه"، فساروا في طريقهم، طريق ذات الشوكة، ملتزمين بأوامر الولي الفقيه، لا يخافون في اللَّه لومة لائم... لقد أخذت المقاومة جُلّ اهتماماته، ولم يفكر يوماً ببيت أو زوجة، فالبندقية هي رفيقة روحه، وعيترون هي الحضن الدافئ الذي أبعدوه عنها، فكان السياج الفاصل يحز قلبه ويدميه، فأبى الوجع وأصر على مواصلة الطريق حتى الرمق الأخير. كانت رحلته إلى إيران، قبل أسبوع واحد من شهادته، زيارة متميزة، حيث تشرف بلقاء الإمام الخميني قدس سره، وعندما اقترب ليسلم على الإمام طلب إليه أن يدعو له بالشهادة.

وهناك، على التلال المشرفة على عيترون، ومع فجر اليوم الأول من عام 1986، وبعد ليل قضاه بعض الناس بالسهر على أصوات الموسيقى الصاخبة احتفالاً بقدوم العام الجديد، كان سعيد ومجموعة من المجاهدين يتهيئون لإقامة حفلةٍ من نوع آخر، فساروا في وعر الأودية وسلاحهم الملقَّم بالرصاص جاهز لقتل اليهود، غير أن سعيداً لاحظ وجود تحركات غريبة فطلب إلى رفاقه الانسحاب ليؤمن تغطيتهم بعد أن بدأت الرشاشات الصهيونية تمطرهم بوابل الرصاص. بقي سعيد وحيداً يقاتلهم وجهاً لوجه وأبى أن يبقى رفاقه فريسة الكمين الصهيوني، وكان نداء "يا زهراء" جسر عبوره إلى المكان الذي طالما سعت روحه إليه، وقد حمل دمه على كفه ولطخ به جسده ليقدمه قرباناً للسيدة الزهراء عليها السلام ختم وفاءٍ للعهد الحسيني... لقد أراد سعيد منذ بداية عمره أن يكون شهيداً فكان... وقد يكون من السهل جداً على المرء معرفة الطريق، ولكن من الصعب سلوكها، ذلك أن درب الحقيقة صعب دائماً.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع