أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

آداب ومستحبات‏: آداب السوق‏

السيد سامي خضرا

 



الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة، والمؤمنون صادقون في أقوالهم وأعمالهم وصادقون في معاملاتهم من بيع وشراء وأخذ وإعطاء. فاللَّه سبحانه لم يخلُقنا عبثاً، ولم يترُكْنا سدى وهملاً، بل خلقنا ليأمرنا وينهانا؛ كما قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ(الذاريات: 56).

* تعريف السوق:
فالسوق لغة، هو موضع البياعات التي يتعامل فيها، واصطلاحاً، هو اسم لكل مكان وقع فيه التبايع بين من يتعاطى البيع والشراء. رُوي عن مولانا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: "أحب البلاد إلى اللَّه مساجدها، وأبغض البلاد إلى اللَّه أسواقها". ربما لأنه يوجد في السوق في كثير من الأحيان، حَلِف وكذب، وغش وخداع، وزور وبهتان... وعندما جاء الإسلام، أولى السوق اهتماماً خاصاً فدعا إلى العمل بالتجارة، واكتساب المال عن طريقه، قال اللَّه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ (النساء: 29). وقَرَن اللَّه العاملين في الأرض بالتجارة، بالمجاهدين في سبيله، فقال: ﴿... وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ... (المزمل: 20). وكان الرسول صلى الله عليه وآله يرتاد الأسواق كسباً للرزق وطلباً للمعاش، حتى عاب المشركون عليه ذلك بقولهم، كما حكى ذلك القرآن ﴿وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ (الفرقان: 7). وحكم رسول الله صلى الله عليه وآله على الغشاشين وكأنهم خرجوا من الملة، لأنهم لو كانوا كذلك، ما خانوا أهلهم في أمنهم الاقتصادي والمالي! ومرَّ صلى الله عليه وآله في سوق المدينة بتاجر يبيع نوعاً من الحبوب، وقد خلط جيِّدَه مع رديئه، فقال لصاحبه وهو يرى ظاهر الحبوب: "ما أرى طعامك إلا طيباً". وعندما سأله عن سعره، أوحى اللَّه عزَّ وجلَّ إليه أن يدس يديه في الطعام، ففعل، فاكتشف غش التاجر، فقال صلى الله عليه وآله له: "ما أراك إلا وقد جمعت خيانة وغشاً للمسلمين". وفي حادثة أخرى مشابهة، قال للبائع: "ميِّز كل واحد منهما (الجيد والقبيح) على حِدة، ليس في ديننا غش".

وهذه بعض الآداب، المتعلقة بالسوق:
أولاً: عند دخول السوق:

إذا دخلت السوق، فعليك بهذا الدعاء: فعن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: "من دخل السوق فقال: "لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت، وهو حي لا يموت بيده الخير، وهو على كل شي‏ء قدير" كتب اللَّه له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيئة، وبنى له بيتاً في الجنة". فالمسلم لا يشغله البيع والشراء عن الصلاة وذكر الله. قال اللَّه تعالى: ﴿رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (النور: 37 - 38). وفي هذا الزمن غابت الألفاظ اللائقة والمعاملة الرقيقة لتحل محلَّها ألفاظٌ سوقية، ومعاملاتٌ خشنة، وكذب، ورشوة وفساد...

ثانياً: لا تكن سخاباً(*) بالأسواق:
والسخب هو رفع الصوت بالخصام واللجاج، ورد في وصف النبي صلى الله عليه وآله "أنه ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب بالأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر" والسخب مذموم في ذاته، ولا يليق بالرجل العاقل الرزين أن يكون سخاباً يستفزه أقل إنسان.

ثالثاً: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم:
إن كثرة التردد على الأسواق، يُعرِّض أحياناً لرؤية ما لا يرضي اللَّه عزَّ وجلَّ، وقلَّ ما تسلم من مناظر محرمة، خصوصاً ما نراه من تسكع نساء هذا الزمان في الأسواق والتبرج وإظهار الزينة وتجاوز قواعد الحياء: "يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الثانية". ويُلاحظ اليوم أن صُور النساء قد عُلِّقت على مداخل الأسواق، والأماكن العامة، فيجب غض البصر. وعلى الرجال خاصة تقوى اللَّه، وعدم مضايقة النساء ومزاحمتهن في الأسواق، والالتزام بآداب وأخلاق المسلمين.

رابعاً: المرأة والأسواق:
ورابع هذه الوقفات، مع المرأة، ودخولها للأسواق، وهذا يحتاج لكلام مستقل: فأي فتنة أشد وأعظم مما يُشاهد من أوضاع النساء في الأسواق في هذا الزمان، من التبرج والسفور والاختلاط بالرجال وإهمال الحياء. فالمرأة تنزل إلى السوق في كثير من الأحيان لغير حاجة، فقط لأنها تشعر بملل في المنزل، والحل بظنها، الذهاب لقضاء عدة ساعات في الأسواق: تدخل المحلَّ وتخرج، وتدخل الآخر وهكذا، وتسأل عن سعر بعض البضائع، وهي لا تريد الشراء، وأحيانا تفوح منها رائحة الطيب! رُوي عن النبي صلى الله عليه وآله: (أيما امرأة تطيبت ثم خرجت إلى المسجد لم تُقبل لها صلاة حتى تغتسل) هذا إذا كان خروجُها إلى المسجد للصلاة، فما بالك بالسوق؟! وعنه صلى الله عليه وآله: "أيما امرأة استعطرت ثم خرجت، فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية". ومن المستحسن أن تسير المرأة في حافة الطريق، ومن اللائق أن يترك الرجال أماكن السير القريبة من المتاجر الخاصة بالنساء. ولتحذر المرأة المسلمة من التبرج والزينة والخضوع بالقول عند التعامل مع البائع.

خامساً: كثرة الحلف:
عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: "الحلف منفقة للسلعة، ممحقة للكسب"، والمعنى أن البائع قد يحلف للمشتري أنه اشترى السلعة بكذا وكذا، وقد يخرج له فواتير في ذلك، فيصدق المشتري، ويأخذها بزيادة على قيمتها، والبائع كاذب، وإنما حلف طمعاً في الزيادة، فهذا يعاقب بمحق البركة، فيدخل عليه من النقص أعظم من تلك الزيادة التي أخذها من حيث لا يحتسب، بسبب حلفه. وقد قال اللَّه تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (آل عمران: 77).

سادساً: من المكروه كثرة المماطلة في السعر وعلو الصوت والاحتكاك مع البائع.
وعلى التجار الابتعاد عن المغالاة في الأسعار. والنصيحة هنا للمسلم الجاد، أن يحدد ما يريد شراءه ويضبط وقته، ولا يضيع ثمين أوقاته في التجول والتسكع في السوق. وعندما تقرر شراء سلعة، أعطِ الأولوية للمنتجات العربية والإسلامية على غيرها. وُنحذر من الانخداع بالمظاهر والماركات والمغالاة في سعر السلع وتبذير الأموال، فالسلع في النهاية وسائل وليست غايات. اللهم إنا نسألك أن تصلح قلوبنا وأعمالنا وأن تجعل رزقنا طيباً وعملنا متقبلاً.


 (راجع وسائل الشيعة الجزءان 12- 13).
(*) السخب لغة من الصخب، مضارعة.


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع