نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

الصداقة: النوعية، الحدود والاختبار

الشيخ محمد توفيق المقداد(*)

 



الصداقة من الأخلاق الحميدة التي شجَّع الإسلام الناس عليها، لأنها تجمعهم وتقربهم من بعضهم البعض وتجعل بينهم أنواعاً من الإلفة والمحبة والاحترام، من أجل جعل حياتهم أكثر سعادة وأنساً وهناءً.والصداقة مشتقة من "الصدق " وهو كما المعلوم من أرفع الصفات الأخلاقية مدحاً في كتاب اللَّه وسُنَّة نبيه صلى الله عليه وآله وكلام الأئمة المعصومين عليهم السلام.ولا يمكن لأي إنسان أن يستغني عن الأصدقاء، لأن اللَّه خلق الإنسان مفطوراً على العيش مع الجماعة ليأنس بها وتأنس به، وليأمن بها وتأمن به. والصداقة هي عبارة عن انفتاح الإنسان على الآخرين، بنحو يجعلهم يألفون ويأنسون به ويرتاحون إليه ويبوحون إليه بما يخالج نفوسهم، من شؤون ومشاكل ليعاونهم في إيجاد الحلول المناسبة لها في كل المجالات التي يقدر على المساعدة فيها. إلا أن هذه الصداقة على أهميتها، لا بد أن تستند إلى قواعد متينة وركائز قوية، حتى تتحقق الأغراض والأهداف الصحيحة منها. ولهذا عندما نرجع إلى أحاديث النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام، نجد أنهم وضعوا ورسموا لنا النموذج للصداقة وبالتالي للصديق وهي على النحو التالي:

* أولاً نوعية الأصدقاء:
إذ من الواضح أن الإنسان لا يمكن أن يأخذ أي شخص كان صديقاً له، بل لا بد من توافر مواصفات حميدة في هذا الصديق، ومن هنا أرشدنا أهل البيت عليهم السلام إلى من ينبغي لنا أن نصادقه، ومن هذه الأحاديث:
1 - اصحب من تتزين به، ولا تصحب من يتزين بك(1).
2 - من موعظة الإمام الحسن عليه السلام لأحد أصحابه قال: "إصحب من إذا صحبته زانك، وإذا خدمته صانك، وإذا أردت منه معونة أعانك، وإن قلت صدَّق قولك، وإن صُلْتَ شدَّ صَوْلك، وإن مددت يدك بفضل مدها، وإن بدت منك ثلمة سدها، وإن رأى منك حسنة عدها، وإن سألتهُ أعطاك، وإن سكتَّ عنه ابتدأك، وإن نزلت به إحدى الملمات ساءك(2).
3 - من دعاك إلى الدار الباقية وأعانك على العمل، فهو الصديق الشفيق(3).

وفي نظرة سريعة إلى مضمون هذه الأحاديث، نجد أن الصديق هو الذي تتوافر فيه صفات الصدق، والأمانة، والإخلاص، وحفظ السر، وصون الصديق، وعدم فضح عيوبه، ومساعدته عند الحاجة، والدفاع عنه ضد من يريد له الشر؛ فمن لم تكن فيه هذه الصفات فليس بصديق. ومن جهة أخرى، نجد التحذير من مصاحبة أشخاص تجر صداقتهم إلى ما لا تُحمد عقباه، وقد ورد فيهم:

1 - احذر من الناس ثلاثة: الخائن والظلوم والنمام، لأن من خان لك خانك، ومن ظلم لك سيظلمك، ومن نمَّ إليك سينمُّ عليك(4).
2 - احذر مصاحبة الفُسَّاق والفُجار والمجاهرين بمعاصي اللَّه(5).
3 - إياك ومعاشرة متتبعي عيوب الناس، فإنه لم يسلم مصاحبهم منهم(6).
ولم نذكر كل الذين لا تفيد مصاحبتهم، وإنما ذكرنا نماذج يمكن القياس عليها.

* ثانياً حدود الصداقة:
ومع كل ما ذكرنا من المواصفات الحميدة للصداقة، ينبغي أن تكون لها حدود لا تتجاوزها، لأنها عندما تنقلب إلى ضدها ستكون ضارة ومؤذية، لأن من كان صديقاً ثم صار عدواً فهو الأقدر من غيره على إيقاع الأذى والضرر بمن كان صديقهُ، لذا، نجد في الأحاديث حدوداً للصداقة كما في الحديث التالي: (لا تكون الصداقة إلا بحدودها، فمن كانت فيه هذه الحدود أو شي‏ء منها، وإلا فلا تنسبه إلى شي‏ء من الصداقة، فأولها: أن تكون سريرته وعلانيته لك واحدة، والثانية: أن يرى زينك زينه وشينك شينه، والثالثة: أن لا تغيِّره عليك ولاية ولا مال، والرابعة: أن لا يمنعك شيئاً تناله مقدرته، والخامسة: وهي تجمع كل الخصال: أن لا يسلِّمك عند النكبات)(7). ولذا، ورد في الحديث أن حدود الصداقة تقيها وتحميها وتحفظها، لأن ذهاب الحشمة والحياء بين الأصدقاء من خلال المزاح الحاد الخارج عن حدود الأدب في الكلام والمحاورة والرياء والمباهاة تذهب بالصداقة وتحولها إلى فرقة وعداوة، ومن هنا جاء في الحديث: "المراء يفسد الصداقة القديمة، ويحلل العقدة الوثيقة، وأقل ما فيه أن تكون فيه المغالبة، والمغالبة أسُّ أسباب القطيعة "(8).

*ثالثاً اختبار الصداقة:
عندما يأخذ إنسانٌ ما صديقاً له، فإن عليه أن يختبره لكي يكتشف معدنه وجوهره وحقيقة أمره، فقد يكون هذا الصديق وهماً لا حقيقة، وكذباً لا صدقاً، أو خائناً وليس أميناً، وهكذا في باقي الأمور. والاختبار هو الطريق لكشف الصديق الحقيقي من غيره، وطبعاً هذا الاختبار يبقى في نفس الصديق الذي يريد اختبار صديقه، لأنه لو أخبره لزالت الفائدة المرجوة، ولذا ورد في الحديث الشريف:
1 - الطمأنينة إلى كل أحد قبل الاختبار عجز(9).
2 -إذا كان الزمان زمان جور وأهله أهل غدر، فالطمأنينة إلى كل أحد عجز(10).
3 - لا تثق بالصديق قبل الخبرة(11).
4 - إبذل لصديقك كل المودة، ولا تبذل له كل الطمأنينة(12).

وقد ورد ما يمكن أن نختبر به من يقول بأنه صديق، فإذا صدق في موارد الاختبار ونجح فهو الصديق حقاً، ومن لم يصدق وفشل فهو الزاعم للصداقة، وهو بالتالي منافق ومخادع يريد استغلال الصداقة لأهوائه ورغباته، ومن ذلك (يُمتحن الصديق بثلاث خصال: فإن كان مؤاتياً فيها فهو الصديق المعافى، وإلا كان صديق رضاء لا صديق شدة، تبتغي منه مالاً، أو تأمنه على مال، أو تشاركه في مكروه)(13)، أو (عند زوال القدرة يتبين الصديق من العدو)(14) أو (لا تعرف أخاك إلا عند حاجتك إليه)(15). من هنا، نقول إن الصداقة الحقيقية هي التي تتميز بهذه الصفات الثلاث (النوعية والحدود والاختبار)، وما دون ذلك فهو الغدر والخيانة والمكر والدهاء والخبث، وهذه الصفات السلبية هي من المساوئ الناتجة عن الصداقة غير الحقيقية. فالخيانة بين الأصدقاء هي من أبشع الصفات السلبية التي يمكن أن يتصورها إنسان، نظراً لما تحمل من دلالات نفسية واجتماعية بغيضة ومكروهة عند اللَّه وعند الناس المفطورين على الصدق والحب والخير والصفاء والوفاء، وقد ورد في القرآن العديد من الآيات الذامة للخيانة مثل ﴿وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (يوسف: 52) و﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (النساء: 107) و﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (الأنفال: 27).

من كل ذلك، نصل إلى الخلاصة المطلوبة: إن كل من أراد أن يتخذ صديقاً له، فعليه أن يأخذ في الاعتبار كل ما ورد في الأحاديث الواردة عن أهل بيت النبوة والعصمة عليهم السلام، الذين أوضحوا لنا كل ما ينبغي توافره في الصديق الحقيقي من غيره، فضلاً عما نسمعه أو نقرأه عن نماذج شنيعة من الخيانات بين الأصدقاء، كالتي اتهمت صديقتها بالسرقة مع أنها هي التي كانت السبب في حصولها على وظيفة، أو من ائتمنت امرأة صديقة لها على ابنتها فباعتها لعائلة من خارج البلاد بثمن بخس، أو كالذي أرسل المال لصديقه الذي ادَّعى أنه قد صار مفلساً فتبين أنه كاذب، أو كالذي أرسل مالاً لصديقه ليشتري له أرضاً فسجَّل الصديق الأرض باسم ابنه ولم يعلم صاحب المال أن الأمر كذلك إلا بعد وفاة من كان يدَّعي الصداقة. هذا غيض من فيض من نماذج الخيانة بين الأصدقاء، والتي هي من المحرَّمات الشرعية لما تحتويه من كذب ونفاق وافتراء وأكل مال الناس بالباطل، وهذه كلها أمور يعاقب الإسلام فاعلها في الدنيا فضلاً عن العقاب الأخروي عند اللَّه الذي هو أشد وأقسى على الإنسان من عذاب الدنيا.


(*) مدير مكتب الوكيل الشرعي العام للإمام الخامنئي في لبنان.
(1) الإمام الصادق عليه السلام، بحار الأنوار، ج‏76، ص‏267.
(2) الإمام الحسن عليه السلام، بحار الأنوار، ج‏44، ص‏139.
(3) الإمام علي (عليه السلام، ميزان الحكمة، ج‏5، ص‏203، رقم 10249.
(4) الإمام الصادق عليه السلام، بحار الأنوار، ج‏78، ص‏230.
(5) الإمام علي عليه السلام، ميزان الحكمة، ص‏304، ج‏5، رقم 10260.
(6) الإمام علي عليه السلام، ميزان الحكمة، ج‏5، ص‏304، حديث رقم 10265.
(7) الإمام الصادق عليه السلام، بحار الأنوار، ج‏78، ص‏249.
(8) الإمام الهادي عليه السلام، بحار الأنوار، ج‏78، ص‏369.
(9) الإمام علي عليه السلام، بحار الأنوار، ج‏103، ص‏86.
(10) الإمام الصادق عليه السلام، بحار الأنوار، ج‏78، ص‏239.
(11) الإمام علي عليه السلام، ميزان الحكمة، ج‏5، ص‏311، حديث رقم 10317.
(12) الإمام علي عليه السلام، بحار الأنوار، ج‏74، ص‏165.
(13) الإمام الصادق عليه السلام، تحف العقول، ص‏237، وبحار الأنوار، ج‏78، ص‏235.
(14) الإمام علي عليه السلام، ميزان الحكمة، ج‏5، ص‏312، حديث رقم 10323.
(15) لقمان الحكيم، بحار الأنوار، ج‏74، ص‏178.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع