أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

صور من الحياة: وبالوالدين إحساناً

ايفا علوية ناصر الدين

 



تغرق عينا أم أحمد ببحر من الدموع وتكاد تختنق في غصتها وهي تتربع على سجادة الصلاة محدّقة بتلك الصورة المعلّقة على الجدار والتي احتضنت بين أطرافها أفراد عائلتها قبل أربعين عاماً. تنظر إلى الابتسامة التي تطفو على وجوه أصحاب الصورة فيتأجج حزنها، وتشعر بحرقة تخترق صدرها، وبقلبها يتحول إلى كتلة من اللهب. تركّز نظرها في علامات السعادة الغامرة التي كانت تغلِّف ملامحها وهي تقف إلى جانب زوجها تحتضن بكل قوتها أولادها الخمسة في مشهد يختصر روعة العائلة السعيدة. ما زالت تتذكر ذلك اليوم جيداً، كان يوم عيد حيث اصطحبهم أبو أحمد إلى المصور لالتقاط صورة للذكرى.

كانت فرحتها يومذاك لا توصف، فبالرغم من أن اللَّه لم يرزقها البنات إلا أنه أنعم عليها بخمسة صبيان يساوون عندها الدنيا وما فيها. كان مصيباً أبو أحمد، فقد بقيت تلك الصورة "الذكرى" أنيسة وحدتهما في عزلة الكبر، يستعيدان معها ذكريات خلت مع فلذات كبديهما قبل أن تسرقهم الأيام وتحوّلهم إلى ما يشبه الغرباء، يغيبون عن أنظارهما شهوراً ليعودوا بعدها في زيارات خاطفة لا تُشبع جوع اشتياق الوالدين، ولا تعوض حاجتهما الماسة لأيادي العطف والشفقة والحنان في عمر يناهز السبعين. سيلٌ من الأسئلة يتدفق في مخيلة أم أحمد وهي ترمي بنظرها نحو أبي أحمد القابع في زاوية الغرفة عاجزاً بعدما أقعده المرض ورمى به طريح الفراش: أي ذنب ارتكباه حتى يُتركا مرميين في شباك الوحدة القاتلة؟! فيمَ قصّرا في حق أبنائهما حتى يصوبوا عليهما سهام البعد والجفاء؟! بأي حق يتركونهما غارقَين في مستنقع الحاجة والعوز؟! هل هكذا يكون جزاء التربية والتضحية والاهتمام؟! أهكذا يكون إكرام الوالدَين اللذين كان سعيهما الدؤوب وهما في ريعان القوة في سبيل توفير أسباب التربية الصالحة والرعاية السليمة لأولادهما؟ أهكذا يكون مصير الوالدين اللذين كان جُل همهما في هذه الدنيا تأمين المستقبل الأفضل لأبنائهما؟! أهكذا يُعامل الآباء والأمهات الذين يرسمون بريشة الأحلام الوردية لأولادهم أجمل لوحات الغد المشرق؟! "ما أقسى قلوبهم وما أبردها"! تردد وهي تختتم شريط الذاكرة الحبلى بصور أبنائها في مراحل الطفولة والشباب. واليوم وقد أصبحوا رجالاً أشداء ها هم يعيشون بهناء ورخاء، وينعمون بحياة مُرضية مع عائلاتهم التي كان لها ولأبيهم الدور الأكبر في بنائها حين كانا قادرين على تقديم كل ما في جعبتهما من الدعم المادي والمعنوي.

واليوم وبعدما انقلبت الأدوار وصار الوالدان اللذان لطالما قدّما محتاجَين، ها هما يجدان نفسيهما في مهب الحرمان المعنوي والمادي على السواء، حيث قطع عنهما أولادهما أوصال الدعم والرعاية. ولم يكتفوا بالبعد والهجران بل شدّوا على جيوبهم وضيقوها بحجة هَمّ عيالهم واستكثروا عليهما حتى مبالغ شهرية بسيطة تكف حاجة والدين يقفان على أبواب رحمة اللَّه وشفقة عباده. "تُفرَج!!"، تنتبه لأبي أحمد يتمتم متنهداً وكأنه كان يتخبط معها في عاصفة آلامها. نعم، هذا ما تقوله لها أيضاً جارتها أم صبحي لتهوّن عليها مواسية إياها بسرد قصص عن آباء وأمهات نالوا في كبرهم النصيب الأوفر من عقوق أبنائهم. فذاك فلان الذي غافله أحد أبنائه بانتزاع توقيعه على ورقة بيضاء تتضمن تنازلاً عن البيت الذي يعيش فيه ليقضي بقية عمره في ذل ومهانة. وتلك فلانة التي تركها ولدها وهي العاجزة التي فقدت البصر تركها تعيش في زاوية إحدى غرف منزله في عزلة تامة عن بقية أفراد العائلة الذين يأتونها فقط لتقديم الطعام والشراب وقضاء الحاجة. وذلك فلان أيضاً الذي فرش له ولده سريراً خارج المنزل ليقضي عليه طوال النهار وأحياناً الليل بعدما رفضت زوجة الابن تحمُّل أعباء الاهتمام به. وقصص أخرى تُمزِّق الفؤاد وتقشعر لها الأبدان تسمعها من هنا وهناك تزيد همها هماً بدل أن تشكل لها مورداً للعزاء والمواساة. تشهق أم أحمد بحسرتها وهي جالسة على سجادة الصلاة، فهي بالرغم من الألم الذي خلّفه لها أولادها الخمسة ترفع يديها عالياً بالدعاء لهم بالتوفيق والهداية، وتسأل اللَّه لهم العفو والغفران.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع