أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

الوالدان: حقوق وعقوق‏

تحقيق: هبة يوسف عباس



"ربِّ إغفر لي ولوالديّ وارحمهما كما ربياني صغيرا"، دعاءٌ صغير ندعو به إلى اللَّه في صلاتنا لوالدينا، يكتنف في طياته معاني الرحمة والرأفة التي يتوجب على الأبناء مراعاتها في تعاملهم مع الوالدين. مجلة بقية اللَّه تروي قصص أبناءٍ بارين بحق آباءهم وآخرين عاقين، إذ نسوا من أنجبهم وأعطاهم من عمره وتعبه وجهده ليكبر ويغدو على ما هو عليه، لكن المثل يقول: "كما تُعَامِلْ تُعَامَل" فليحذر هؤلاء كيف يعاملون آباءهم حتى لا يعاملهم أبناؤهم بالمثل.

* المنزل، حنين:
"أشعر بحنين إلى الماضي" أول جملة افتتح بها الحاج أبو نزيه (82 سنة) الذي يعيش عند ولديه حديثه معنا. ويكمل وهو يتنهد: "أنا سعيد بالعيش مع ولديّ وعائلتيهما، لكن حياتي الخاصة انتهت بعد وفاة زوجتي. ووضعي الصحي لا يسمح لي بالعيش وحيداً، ما اضطرني إلى بيع بيتي والقدوم للعيش هنا، وهذا الأمر يضايقني كثيراً". ويضيف: "كم أتمنى أن تعود الأيام الماضية، حيث كنت أنتظر يوم الجمعة ليأتي أولادي وأحفادي لزيارتي، حينها كنت أحس بقيمتي كجد أكثر من الآن". الحاج أبو نزيه يعترف بأن ولديه يحاولان القيام بكل ما يسعده، وهو راضٍ عنهما وعن عائلتيهما. وأحفاده يحاولون مسايرته وإضحاكه حتى يُنسوه وضعه الحالي، لكنه رغم ذلك يحب دائماً أن ينفرد بنفسه ليستذكر الماضي والعزَّ القديم. الحاجة أم حسن (70 سنة)، تعيش في قرية جنوبية في منزل ملاصق لمنزل ابنها البكر، وهي تتفهم حنين الحاج أبي نزيه لمنزله وتقدِّر خسارته، إذ تعتبر أن المنزل هو كل شي‏ء بالنسبة لكبار السن. لذلك ورغم محاولة ابنها إقناعها بالإقامة الدائمة معه. إلا أنها ترفض فكرة إلغاء منزل خاص بها بشكل قاطع، وذلك حسب قولها لأن المنزل هو مملكتها وهي الملكة الوحيدة الحرة التصرف فيه، وتضيف: "منزلي لا أستغني عنه، إذ لديَّ باقي أولادي، حيث يأتون لزيارتي فيه، فلماذا أزعج ابني بكل هذه "العجقة"؟ فأنا لدي حياتي الخاصة، وكذلك هو. رغم أخلاقيات زوجته وأحفادي، لكني أرى نفسي هكذا مرتاحة أكثر".

* منزلهم، منزلها:
الحاجة أم محمود (60 سنة)، تعيش مع وحيدها محمود منذ أن تزوج ولا زالت تلازمه إلى الآن. وعن حياتها تقول: "توفي والد محمود بعد زواجنا بخمس سنوات في حادث سير، وأنا قررت تكريس حياتي لولدي ولم أفكر في الزواج مطلقاً، لذا تعلقت بمحمود كثيراً. وعندما قرر الزواج عاش معي دون أي ضغط مني عليه، ثم ما لبث أن اشترى منزلاً أكبر فانتقلت أنا للعيش معه، بعد أن أصرَّ وزوجته على انتقالي إليهم". أم محمود لا ترى أي فرق بين بيتها وبيت ابنها، ولا تحس بأي حسرة على منزلها، فالمهم أن تكون قريبة من ولدها، وتقول: "على الجد أو الجدة المقيمَين مع أولادهما أن يكونا "خفيفَين نظيفَين"، أي لا يثقلان على أبنائهما بمتطلبات كثيرة تختلف حسب مزاجهما، وأنصحهما بالتالي: أولاً أن يكونا مفيدَين لهم، فأنا مثلاً توليت الاهتمام بأحفادي، حيث إن كنّتي موظفة وتغيب من الصباح حتى الثالثة ظهراً، وكنت فرحة بهذا الدور، إذ أحسست بأني أم من جديد. ثانياً: أن لا يتدخلا في حياة أولادهما، فأنا في حال قيام أي مشكلة بين كنّتي وبين ابني أكون دائماً في صفها ولا ألعب دور الحماة، بل وأحياناً لا أتدخل وأدعهما يحلان مشاكلهما بنفسيهما، لأنهما سيعودان ليتصالحا، فلماذا أحشر أنفي في ما لا يعنيني؟". الابن وزوجته يؤكدان أن الحاجَّة هي بركة البيت، ولا يتصوران المنزل دونها، خاصةً وأنها مرهفة الإحساس وطيبة القلب.

* شتاءً فقط:
الحاج أبو سعيد (75 سنة) وزوجته (60 سنة)، يقيمان في بيروت مع ابنهما الأصغر الأستاذ محمد شتاءً فقط، ويفضلان الانتقال في فصل الصيف إلى قريتهما الجنوبية. وعن سبب هذا الترحال الدائم يقول الأستاذ محمد: "والدي ووالدتي يقيمان عندي شتاءً بسبب الطقس البارد في القرى الجنوبية، أما في الصيف فيعودان إلى القرية"، ويضيف: "الكبار في السن يحتاجون إلى رعاية صحية ونفسية أيضاً من أبنائهم وأحفادهم، حتى يشعروا بأنهم ليسوا عبئاً عليهم، بل مرحَّب بهم. ووالدايَ هما فعلاً بركة البيت جعلاه مليئاً بالإيمان والتقوى، إذ تعوَّد أولادي على الإستيقاظ فجراً معهما للصلاة، كما علماهم قراءة القرآن". يتحدث الحاج أبو سعيد عن معاملة ابنه وأحفاده فيقول: "يعاملونني بكثير من اللطف، وأحفادي يحبونني كثيراً، فهم يصلون من المدرسة ويركضون نحوي. وأرى أن هذا الأمر سينعكس في المستقبل على طريقة تعامل أحفادي مع أبيهم عندما يكبر، فكما عاملني هو بالحسنى وكان باراً بي وبوالدته، سيعامله أبناؤه بالمثل ويكونون بارِّين به". الحفيد أحمد (12 سنة) يقول عن جده: "هو مسلٍّ جداً ويدافع عني عندما يؤنبني والدي. أصدقائي يسألونني أحياناً: ألا تتضايق من وجود جدك وجدتك الدائم معكم؟ لكني أجيب بأنهما عائلتي التي أحب وهما جزء من البيت، إذ لا أتصوره دونهما حتى في الصيف عندما يذهبان إلى القرية ننتظر عطلة الأسبوع بفارغ الصبر لرؤيتهما". الحاجة أم خليل (85 سنة) التي تعيش مع ولدها البكر حيث تعاني من مرض (الخرف)، وبعد محاولتي المتكررة للتكلم معها قالت: "ابني اللَّه يرضى عليه، أعذّبه معي لذلك أطلب من اللَّه أن يرحمني ويرحم أولادي ويأخذ وديعته، لأني قد عشت ما يكفي لأرى أحفاد أحفادي الذين يحبونني ويعاملونني بطريقة جيدة، خاصةً أبناء خليل فهم يهتمون بي ويطعمونني وينتبهون لي طوال الوقت". الحاج خليل تمنى لوالدته طول العمر، فهي التي تعبت حتى ربتهم بعد أن توفي والده وهو لم يبلغ الرابعة عشرة من عمره، فقامت الوالدة بالعمل لتربيهم وتعلمهم، ومن حقها عليهم مراعاتها كما رعتهم وهم أطفال.

* حزنٌ وأسى:
الحاج أبو أحمد (78 سنة)، فضل العيش في منزله بعد وفاة زوجته، حتى لا يضايق أبناءه الثلاثة بالعيش عندهم، لكن المرض أجبره أحياناً على الانتقال للعيش مع ابنه البكر، والمشكلة يقول الحاج أبو أحمد هي زوجة ابنه التي تتأفف من وجوده وتصر على زوجها ليعود والده إلى بيته، بحجة عدم قدرتها على مراعاته ويضيف: "اللَّه يسامحها، فأنا أعتبرها كابنتي التي لم أنجبها، لكنها تتعمد إظهار انزعاجها مني دون أي مراعاة لمشاعري، والمشكلة الكبرى هي في ابني الذي يسعى لإرضائها بدلاً من إرضائي". الحاج أبو سمير (83 سنة) وزوجته (70 سنة)، لديهما 4 أولاد (صبيان وبنتان) مسافرون إلى الخارج. يعيشان في منزلهما الخاص دون وجود من يعيلهما أو يساعدهما أثناء المرض، وبعد مطالبتهما المتكررة لأولادهما بزيارتهما، عاد ابنهما البكر بعد 13 سنة سفراً، ليستقر في لبنان مع زوجته وأولاده. وهنا بدأت المشاكل. وعن معاملة كنّته له ولزوجته يقول الحاج أبو سمير: "كانت تعاملنا كالغرباء، فممنوعٌ علينا لمس أحفادنا، ممنوعٌ علينا المجي‏ء دون موعد مسبق، وطبعاً المبيت عندهم غير مرغوب به أصلاً، فهي لبنانية الأصل لكنها أجنبية التربية". الحاجة أم سمير التي تحدثت بكثير من الأسى، قالت: "من عاد من السفر ليس ولدي الذي ربيته وتعبت وسهرت عليه الليالي. قبل سفره كان حانياً جداً علينا، لكن الغربة قسّت قلبه، وكما يقول المثل؛ "بعيد عن العين، بعيد عن القلب" فيا ليته بقي مسافراً، لأن وجوده مثل عدمه".  القصة الأخيرة الأكثر قساوةً هي للحاجة أم فؤاد (رحمها اللَّه)، التي وُجدت في منزلها متوفاة دون أن يعلم بها أيٌّ من أولادها. وبعد أن فحصها الطبيب الشرعي تبين أنها متوفاة منذ 3 أيام، حيث كانت تعيش وحيدةً في منزلها، إذ لا يزورها أولادها الخمسة إلا قليلاً. هذا ما أخبرتنا به جارتها وعيناها تملأهما الدموع، قائلةً: "حتى بعد أن علموا بوفاتها قدموا إلى منزلها وبدأوا يتشاجرون على التركة، بينما والدتهم في المستشفى دون دفن. فليرحم اللَّه هؤلاء لأنهم غداً سيكبرون وسنرى كيف سيعاملهم أبناؤهم".

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع