أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

المسلم من يهتم بأمور المسلمين‏

مصطفى الحاج علي‏

 



الإسلام هو دين التوحيد، ومنهجه في النظر هو أيضاً منهج توحيدي. ولذا أكثر ما ناهض الإسلام هو الشرك بكل أصنافه. ولا نغالي إذا قلنا إن الجدلية المركزية والمحورية التي تحكم حياة الإنسان خلال رحلة عمره على هذه الأرض، والتي تتفرع عنها كل الجدليات الأخرى، هي جدلية التوحيد والشرك. وهذه الجدلية ليست حبيسة الكيفية التي ننظر فيها إلى اللَّه سبحانه وتعالى، وإن كانت قاعدتها ومنطلقها، وإنما هي تستوعب كل مظاهر حياتنا ووجودنا وعلاقاتنا في ما بيننا، وعلاقتنا مع أنفسنا. فكل لحظة من لحظات عيشنا، نحن معنيون فيها بتجسيد نظرتنا الإسلامية التوحيدية إلى اللَّه سبحانه وتعالى، في كل مناحي وجودنا ومسؤولياتنا العامة والخاصة. وهذا معنى أن يكون اللَّه سبحانه وتعالى هو الحاضر الكلي الحضور في حياتنا المعيوشة.

* النظرة الإسلامية للمجتمع‏
هذه النظرة التوحيدية نرى تجسيدها الحي في النظرة والتصور الإسلامي الذي قدمه لنا رسول الرحمة وخاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله إلى المجتمع الإسلامي، إذ قال: "مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى". هنا ثمة رؤية عضوية للمجتمع الإسلامي. هذه الرؤية لا تستقيم ما لم تتوفر روح واحدة تمسك أعضاء المجتمع وتشدهم إلى بعضهم البعض. وجوهر هذه الروح هو المحتوى العقائدي والقيمي للإسلام. ومن لوازم هذه الحقيقة أنه بقدر ما يقوى هذا المحتوى ويشتد حضوراً وسطوعاً، يقوى ويشتد التلاحم بين أعضاء المجتمع، لكأنهم الكُل واحداً، والواحد كلاًّ. وهذه النظرة هي أعلى مرتبة من النظرة التعاقدية للمجتمع، التي تنظر إليه نظرة حقوقية قائمة على تبادل المصالح، أكثر منها نظرة عقيدية. فثمة بون واسع بين ما هو عَقْدي وما هو عقيدي. وهذه النظرة أيضاً هي بالضد تماماً مع النظرة التي لا ترى في المجتمع إلا مجرد شركة أو علاقة مشاركة، فالأولى لا تنهض إلا على مصالح مادية تجارية نفعية؛ والثانية تقوم على ما هو قواسم مشتركة. وكلا الأمرين يفتقد إلى البناء الروحي التحتي الجامع والموحد، فنحن أمام مجرد علاقات بين أبدان، لا أمام علاقات تنطلق من الروح لتترجم عبر لغة الأبدان والأجساد. في هذا السياق، يأتي قول رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: "من بات ولم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم" أو "ليس بمسلم". ثمة نقاط في هذا الحديث تستدعي الوقوف عندها:

* أولاً: الاهتمام بشؤون المسلمين‏
إننا أمام حديث يعنى بما يعرف بالشأن العام، أو الأمور العامة للمجتمع. والأمور أو الشؤون العامة هي التي تندرج غالباً تحت عنوان السياسة، من حيث أن السياسة هي في جوهرها وحقيقتها فن ممارسة الشأن العام. ورجل السياسة الحق، بل قل رجل الدولة الحق، هو من يتعاطى الشأن العام، ولا يكون همه إلا عاماً، والقادر على تجاوز مصالحه الخاصة في سبيل ما هو مصلحة عامة. من هنا، فالحديث يحض المسلمين ليس فقط على تعاطي الشأن العام تعاطياً نظرياً، أي مجرد تكوين فهمٍ لما يجري، بل تعاطي المهتم. أي على المسلم أن يجعل همه أمور المسلمين العامة، كما لو هي همه الخاص، أو أمره الخاص. لأن بهذا الهم والاهتمام يتأكد معنى الانتماء إلى الجماعة الإسلامية، ويتأكد أكثر معنى هوية هذا الانتماء، ويتجذر مفهوم وحدة الجماعة، في تربة الروح الواحدة، من غير هذا الاهتمام بشؤون الجماعة الإسلامية، يفقد الفرد المسلم جذور انتمائه وهويته العامة، وتجسيده لمعنى الوحدة والتكامل، ما يجعله، عملياً، خارج دائرة الإسلام، وهذا ما أكده الحديث حيث اعتبر من لا يهتم بأمور المسلمين ليس بمسلمٍ. إذاً، ليست هناك لا مبالاة في الإسلام، بل التزام عميق ومسؤول، فعلى الفرد أن يتأسلم بمعنى أن يخرج إسلامه من بوتقته الفردية ليصبح مسلماً عاماً، فلا يقصر همه على شؤونه الخاصة، بل يوسع من وجوده، ليجعل همه عاماً، بما ينتج نوعاً من التفاعل المستمر والقوي بين "الأنا" الفردية، و"النحن" الجماعية. ومن الواضح، أن الهم لا يتأتى من غير متابعة ووعي وحس مرهف بالالتزام، واستعدادٍ قوي على مواجهة التحديات والمشاكل، وهذا ما يجب التنبه له كثيراً.

* ثانياً: الاهتمام اليومي‏
إن الحديث في قوله "من بات" يفتح الأمر على التحدي، أي كأنه يقول للإنسان المسلم: إن إسلامك بالمعنى الذي تقدم هو موضع اختبار يومي، بحيث إذا انقضى النهار، ولم يصدر عنك ما يفيد الاهتمام بأمور المسلمين، فستسقط في امتحان الإسلام هذا. ما يعني بدوره، أن كل نجاح للإنسان المسلم في إظهار اهتمامه بأمور المسلمين، هو نجاح له في تأكيد هويته الإسلامية، وهذه لعمري من الواجبات العظيمة.

* ثالثاً: الاهتمام العملي‏
إن "الاهتمام" الذي يظهره الحديث له مصاديقه التي تتجاوز المتابعة والفهم إلى الأطر العملية. فمن مظاهر الاهتمام مراقبة ما يجري مراقبة نقدية خصوصاً للحكام وأولي الأمر ولكل من يتصدى للشأن العام. ومن مظاهر الاهتمام رفع الصوت إلى جانب قضايا المستضعفين والمظلومين وكل القضايا المحقة. ومن مظاهر الاهتمام ولعل أرفعها الجهاد في سبيل قضايا الأمة خصوصاً إذا ما استلزمت هذا النوع من الاهتمام، فالجهاد هو أعلى ضروب الاهتمام بالشأن العام، لأنه يتصدى لأخطر القضايا التي يمكن أن تهدد كيان الأمة وحياة الجماعة. خلاصة القول هنا: لا يمكن للمسلم إلا أن يكون مسيساً، أي بمعنى أن يكون منخرطاً بوعي ومسؤولية والتزام في القضايا والتحديات والأخطار التي تواجه أمته الإسلامية، وإلا يكون خارج روح الأمة، وهويتها الجامعة والموحّدة، وبذلك يكون عملياً ليس بمسلم.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع