نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

في هوى الشهادة كلنا للوطن... مقاومون‏

ولاء إبراهيم حمود



في ذاكرتي من الاجتياح الإسرائيلي في العام 1982 مشهدٌ حيٌّ لشاب "جُبيلي" ترك أوراق شهادته العلمية (دكتوراه فلسفة) جانباً، واتجه بعدَّته وعتاده جنوباً، مجيباً تلك العجوز التي اعترضت خطاه، ب(شو إلك بالجنوب يا أحمد؟)، "أرض الجنوب أرضي وأهلها أهلي وشبابها إخوتي، وهيدا واجبنا كلن". ومضى مع إخوانه الجنوبيين يصدون الهجوم الإسرائيلي عند بوابة الجنوب الأولى "خلدة"، لمدة ثلاثة أيام، أعيد بعدها إلى منطقته، حيث نال فيها درجة الشهادة العليا، موقعةً بيد الباري عزَّ وجلَّ... غفراناً ورضواناً.

وصغت بعد عدوان تموز هذا المشهد سؤالاً، طرحته على عوائل شهداء الوعد الصادق، الذين أكدوا ومن كل المناطق، ما يجب أن نكتشفه سوياً، أعزائي القراء، في هذه التفاصيل:
من "جبيل" التي تربطها بجبل عامل صلاتُ قربى قديمة، من حسب ونسب وتاريخ مقاوم، و"بنتٌ" هي "مع عيترون ومارون الراس"، ضلع مثلث بطولة نفخر بالإنتماء إليها منها إذاً بدأت أولى محطات التحقيق... من "لاس" تحديداً:
تحدَّثت فاطمة سيف الدين شقيقة الشهيد ماهر سيف الدين عن أخيها بعزةٍ قاومت معها دموعاً التمعت ولم تنحدر... تذكرت سيد الشهداء عليه السلام، الذي حارب لأجل الإسلام، دون أن ينتمي لبقاع أو جنوب في كربلاء... ولئن كان الدافع الأساسي للاستشهاد هو الدين لدى ماهر، فإن حب الوطن، هو دافع آخر للتضحيات، التي لا تكفي مهما كبرت، لبقاء الوطن قوياً، ونحن فيه، أقوياء أوفياء لهؤلاء الشهداء. وقد استشهد "ماهر" في مواجهات "عينات"، يوم العاشر من آب 2006، تاركاً في "لاس" صورته شهيداً كما قال لوالدته قبل رحيله، وصبيين، يتابعان بعده خطاه على دربه... وبنتاً تترقب تلك الخطى.

ومن "رأس اسط" تحدث والد الشهيد حسين حيدر أحمد عن عشق ولده للمقاومة الإسلامية، وعن سعيه ليكون من مجاهديها، رغم إلحاح أهله للبقاء معهم مجيباً مناقشته: "ما في بديل عن فوق، فوق غير شكل" قاصداً "الجنوب". يؤكد والده، أن عشقه لأرض المقاومة دفعه للزواج من جنوبية، وشراء منزل هناك، حيث استشهد. أما أختاه (أم حسن وأم عبد اللَّه) فقد أضافتا: "أنه كان يجد ذاته الهائمة في حب اللَّه في الجنوب، وأنه استشهد في مثلث (مارون الراس عيترون بنت جبيل) وذلك بعد أن أخذ مناوبة صديقه، بدافع من حبه لعمله هناك حيث كان يبحث عما يتعبه، لا ما يُريحه. استشهد حسين في 12 آب، شهادةً وصفها رفاقه بأنها شبيهة بشهادة أبي الفضل العباس عليه السلام تاركاً فوق ثرى الجنوب شجرة زيتون زرعها رفاقه في مكان عروجه". وفي "رأس إسط" مكان ولادته، وُلد له بعد شهرين ونصف من استشهاده طفلٌ كي يتابع على درب الجنوب خطى أبيه.

ومن حارة حريك بيروت عاصمة المقاومة الأبية، تحدَّث عن استشهاد الشهيد حسن مصطفى قماطي، صديقه راغب: "كان حسن وحيد أمه، لذا كان ممنوعاً من الجهاد العسكري. كان يتوسط لدى المعنيين للمشاركة في المواجهات. وقد بلغ عشقه لأرض الجنوب وأهلها درجة لم يقطعها الموت، فقد جاء لصديقه "ولاء" في حلمٍ أخبره فيه أنه في الجنوب بخير وأنه لن يغادره. وقد ربط ابن عمه، الحاج خضر قماطي، بين شهادة ابن عمه حسن، ورحلة الحسين عليه السلام من المدينة إلى كربلاء في سبيل اللَّه مضيفاً أن الشهيد كان يعلن دائماً استعداده للدفاع عن أي منطقةٍ في لبنان تتعرض للاعتداء، لأنه ليس ابن حارة حريك فقط بل لأنه ابن كل لبنان. وقد وافق والد الشهيد على كل ما قيل، مضيفاً أن من أبرز صفاته التي دفعته جنوباً، هو كتمانه وإيثاره الآخرين على ذاته حيث اتحد بالجنوب والمقاومة، إيثاراً منه لانتصار المقاومة على بقائه وزواجه.

أما من بعلبك الهرمل، فقد تحدَّث السيد بلال الحسيني عن شهادة أخيه السيد "محمد" في جبال البطم، قبل يومين من وقف اطلاق النار، أثناء تصديه لإنزال وادي مريمين "إن المسلم لا تحدُّه الأوطان، وحب الشهادة عنده لا يلزمه بمكان دون آخر، لأنه مع أمته كالجسد الواحد مع أبنائها، وأن هذه الحدود السايكسبيكية (نسبة إلى اتفاق سايكس بيكو) ليس لها مفهوم في عقيدتنا، لكنهم شاؤوا لنا هذا التقسيم، كما في قول السيد الأمين العام. لذلك يرى مجاهدونا التحاقهم بمنطقة الجنوب قليلاً، بالنسبة لما قدّمه آل البيت، لإعلاء كلمة اللَّه وليس أشرف من تقديم الدماء مقابل العزة والكرامة لتحيا بها الأمم. يعزّ علينا الفراق ولا يعزُّ في سبيل اللَّه شي‏ء فقد اختارنا وكرَّمنا بأخينا شهيد".

وقد اعتبر والد الشهيد حسام الموسوي من النبي شيت أن مقاومة الظلم لا ترتبط بزمانٍ أو مكان، بل يهب لها كل صاحب نخوةٍ، للدفاع عن وجوده وعقيدته. وقد دفع حب الشهيد حسام للإمام الخميني قدس سره، إلى اعتبار مواجهة إسرائيل واجباً يقع علينا جميعاً لتحطيم مشروع إسرائيل من الفرات حتى النيل، كما في مواقف الإمام قدس سره .
ومن البقاع الغربي، خزان المقاومة، تحدَّث الشيخ بلال علي عبد اللَّه عن شهادة أخيه خالد، المولود في "قلي": لقد استشهد في "ياطر". كان كغيره من الشهداء... رسالةً أودعها اللَّه فينا، هدفها السعي لتحقيق حكم اللَّه على الأرض في ظل هذا الظلم الذي تتعرض له أمتنا والوطن. كان يحرص على أن يكون في خطوط المواجهة الأمامية... وقد دعانا في آخر أيامه إلى وليمة أحسسناها وداعية وأوصانا بالوفاء لدماء الشهداء، فقيل له (صار لك 17 18 سنة على طريق المقاومة وصار لازم ترتاح)، فأجاب: "أنا أعمل على طريق آخرتي، وإذا تخلى كل إنسان بحجة الراحة ستفتقد إسرائيل من يواجهه". استشهد خالد في "ياطر" تاركاً في "قلي" ثلاث بنات وصبيين يحلمون بأن يستعيدوا خطى ثمانية عشر عاماً مشاها والدهم على درب المقاومةً.
أما الشهيد محمد شبيب محمود، المولود في "لبَّاي" في البقاع الغربي، فقد تحدثت خطيبته الجنوبية من (مارون الراس) "زينب"، عن عشقه الكبير للجنوب وأهله... لقد كانت أسعد أيام عمره، تلك التي كان يقضيها مرابطاً هناك في قرى الجنوب، حيث يقترب من اللَّه أكثر... وهذا القرب كان ينسيه كل ما خلَّفه وراءه سواها... لأنها كانت تشجعه على الجهاد في سبيل اللَّه ولأنها كانت تعتز به مقاوماً تعلم أن اللَّه سيختاره إلى جواره باكراً...

إذاً... لقد تغير اتجاه بوصلة العقل والقلب في مشاعرنا جميعاً منذ العام 82 حتى 2006... لقد أشارت هذه البوصلة الراشدة والناضجة ديناً وثقافة ووطنيةً بعد كل ما مرَّ بأهلها من إرهاصات عسيرة إلى خط المواجهة الأول، الجنوب والمقاومة وأنهما توأمان. ولأن عشقهما أصيلٌ فينا، متجذرٌ في طينتنا الأولى... ولئن أعادت شهادة الأخ العزيز محمد شبيب محمود إلى ذاكرتي صوت أخي الذي اتجه إلى الجنوب مقاوماً منذ أكثر من عشرين عاماً، فقد أعاد استشهاد كل هؤلاء الشهداء العظام، رجال اللَّه، إلى ذاكرتنا الجماعية ما سيدخل بثباتٍ إلى صلب رؤانا الثقافية من مشهد الصمود الرائع لكل أبناء الوطن. من أي منطقة أتوا... وأي طائفةٍ انتموا... أننا في هوى المقاومة كلنا جنوبيون ولأجل لبنان كله في سبيل اللَّه كلنا... مقاومون.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع