نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

اعرف عدوك‏: بين الصهيونية واليهودية

علي حيدر

 


لعل من أولى التساؤلات التي تطرح نفسها على كل باحث أو متخصص في الشؤون الإسرائيلية (أو الصهيونية)، هو العلاقة بين الصهيونية، كما تُقدم نفسها على أنها تعبير عن القومية اليهودية وأن اليهود المنتشرين في أنحاء الأرض كافة هم شعب واحد وقومية واحدة، وبين اليهودية كدين.

على ضوء المفهوم المتداول بين أتباع الأفكار القومية، تعتبر أن الأمة سابقة على الدولة وأن الأمم تبني الدول، حيث يتم اكتشافها، (تبلور القومية كفكرة، أو قل اختراعها) ثم تشكيل إطار سياسي يتبناها ويسعى للوصول إلى الدولة المعبرة عنها، والتي تعمل لاحقاً في حال تشييدها على تغذية هذا المفهوم عبر برامج تعليمية وثقافية وتربوية لنشر الاعتقادات حول عظمة الأمة واستمرارية وجودها المتعالي على التاريخ، ومعاناتها (كقومية) المتواصلة مع أعدائها ومسيرتها الطويلة إلى حين الخلاص عبر تحقيق الاستقلال.

* مفهوم القومية
رغم أن الدراسات النظرية المعاصرة المرتبطة بنشأة الأمم والقوميات تشير إلى أن بروز هذه الجماعات المعاصرة لا يستند بالضرورة إلى تطور تاريخي خاص ومستقل لكل جماعة قومية، كما تدعي نصوص هذه الجماعات، بقدر ما يستند إلى محاولات تجيير أحداث تاريخية معينة ودمجها في سرد تاريخي خاص يهدف إلى منح الجماعة القومية مظهر الجماعة التاريخية ذات الجذور الضاربة في أعماق التاريخ. فالأمم المعاصرة هي اختراعات نشأت في زمن حديث يرتبط بالتحول إلى الرأسمالية، وبالثورتين الصناعية والعلمية، أي بزمن الحداثة. وفي هذا الاطار فإن كتابة التاريخ القومي، ومنها جهد المؤرخ القومي، غالباً ما تبتكر الإثبات على وجود الأمة وشرعيتها. وعليه فإننا نعتقد أن البحث عن جذور أمة ما، وعن المعاني التي تحملها الأمة عن ذاتها وعن أعضائها، تلزمنا بالرجوع لا إلى التاريخ بمعناه الواسع فحسب، بل أيضاً إلى الكتابة التاريخية الخاصة بالأمة المحددة موضع الدراسة.

مع التشديد على حقيقة أننا لا نسعى من خلال معالجة هذه الفكرة محاولة إثبات غصبهم لفلسطين وعدم أحقيتهم بها، عبر إثبات أنهم لا يشكلون قومية بأي مقياس لهذه الكلمة. فهم غاصبون بغض النظر عن واقعهم وسواء شكلوا قومية (مفترضة)، بحسب معايير أتباع هذا الفكر، أم شكلوا شذوذاً عنها.

بموازاة ما تقدم حول اختراع المقولات القومية يسود مفهوم آخر للأمة وبنائها يقضي بأن الدولة ليست تعبيراً عن أمة سابقة في وجودها عليها، وإنما هي أداة بنائها عبر بناء الشخصية والجماعة الموحدة في رؤيتها وميولها وتوجهاتها... ويبدو أن الصهيونية وتحديداً بصيغتها العلمانية، تجمع بين الطرحين فهي من جهة رفعت لواء وشعار أن اليهود شعب واحد وقومية واحدة ينبغي البحث والعمل على بناء وطن قومي لهم... ومن جهة أخرى آمنت (الصهيونية) بأن الدولة هي مشروع "بوتقة صهر" التباينات بين الأفراد والجماعات اليهودية الوافدة، وبناء شخصية صهيونية تامة وبالتالي أمة صهيونية.

* القومية اليهودية
في نظرة سريعة نجد أن الصهيونية (القومية اليهودية) لا تتلاءم مع أبسط مقومات القومية المفترضة (على الأقل من وجهة نظر معتنقيها) كونهم لا ينتمون إلى منطقة جغرافية واحدة، ولا يشتركون في لغة قومية واحدة أو حتى ثقافة واحدة (وفق مفهوم محدد لها)، كما هي الحال لدى القوميات الأخرى من عربية، وسورية، وتركية وأيضاً لدى مختلف القوميات الغربية. وفي هذا السياق نشير إلى أن الصهيونية لم تنشأ كصدى لحركة "التنوير" الأوروبية في القرن التاسع عشر، بقدر ما كانت ردة فعل عليها... فهي قد اعتبرت اليهود الموزعين جغرافياً، الذين لكل جماعة منهم ذاكرة تاريخية مختلفة عن الأخرى، أبناء قومية واحدة. فإذا بها تتحول إلى قومية عابرة للتاريخ والجغرافيا وهو أمر سيبدو مفهوماً عندما نتناول الأسس التي استندت إليها، وعلاقتها باليهودية كدين.

* قانون العودة كمدخل‏
لم تنجح الصهيونية في أوج "علمانيته" في وضع تعريف لليهودي يختلف عن تعريف الشريعة التوراتية التلمودية. فقد نصّ قانون العودة (عام 1950) أن من حقّ كلّ يهودي الهجرة إلى "اسرائيل" وبأنّ الحقوق كافة الممنوحة للمهاجر، بموجب هذا القانون، تمنح أيضاً لابن وحفيد اليهودي ولزوج ابنه وحفيده، ما عدا من كان يهودياً وغيَّر دينه بإرادته. وقد حُدِّد اليهودي الذي يحقّ له ذلك، على أنه من ولد لأم يهودية أو تهوّد وليس تابعاً لديانة أخرى. وفي هذا الإطار لا يعتبر الأولاد يهوداً إن كان والدهم يهودياً وتربوا كيهود في إسرائيل وخدموا في الجيش إن لم تكن أمهم كذلك، وفقاً لتحديد الشريعة التوارتية، كذلك.

ولتوضيح هذه المسألة، نوضح أنه في الوقت الذي تعتبر القومية العربية أو الفارسية أو أي قومية أخرى الانتقال من ديانة إلى أخرى، المسيحية، اليهودية أو الإسلام أو حتى لو كان الشخص ملحداً فلا يتعارض ذلك مع كونه جزءاً من تلك الأمة القومية المفترضة، في حين نجد أن الصهيونية تحدد أن الجماعة التي تشكل قومية واحدة هم اليهود حصراً ووفقاً لتحديد الشريعة التوراتية. حيث لا يمكن أن يكون الشخص يهودياً من ناحية هويته القومية وإبناً لديانة أخرى في الوقت ذاته.
وعليه:
فإنه خلافاً للدول القومية الأخرى لا تتطابق الأمة مع المواطنة في إسرائيل؛ فليس كل مواطن إسرائيلي (حامل للجنسية الإسرائيلية) جزءاً من "الأمة"، في حين أن كل يهودي في العالم حتى لو لم يكن إسرائيلياً يعتبر جزءاً من الأمة التي ينتمي إليها الكيان الإسرائيلي.
ما تقدم عن العلاقة بين اليهودية والصهيونية لا يعني أنه ليس هناك صراعات محتدمة جداً بشأن الطابع العلماني للحياة اليومية في "إسرائيل" أو بين المتدينين والعلمانيين، وإنما يؤكد أن المفاهيم الإسرائيلية إزاء الأمة والانتماء للدولة لم تمر بعملية علمنة بل هي مستقاة كاملة من الدين.

قد يكون من الصحيح ملاحظة أن الحركات القومية تلجأ في بعض الأحيان إلى تبني رموز دينية مع إضفاء طابع خاص عليها بما يخدم ويغذي المفهوم القومي. لكن في الحالة الإسرائيلية يمكن الجزم أنها الوحيدة بين الطروحات القومية التي يوجد فيها تطابق تام بين القومية اليهودية (الصهيونية) وبين اليهودية كدين بحيث ينطلق مسار الوصول إلى المواطنة الإسرائيلية من الانتماء إلى دين محدد (اليهودية) ثم إلى القومية ثم إلى الأسرلة، أو لمزيد من الموضوعية من الانتماء إلى الديانة اليهودية إلى أحقية الهجرة إلى "إسرائيل" والحصول على جنسية إسرائيلية (كي نأخذ بعين الاعتبار هجرة الأغلبية اليهودية لأسباب اقتصادية وسياسية وأمنية).

نجد أن الصهيونية والنظام السياسي الإسرائيلي يتبنيان أدوات دينية محضة لفحص الانتماء إلى القومية. كما أن الحجة الوحيدة المستخدمة لتبرير السيادة وحق تقرير المصير هي حجة دينية تاريخية، يدعى بموجبها بوجود حق تاريخي توراتي على الأرض. ولا يجري في الحالة الإسرائيلية اختبار تهوّد اليهودي دينياً لغرض تحصيل المواطنة الإسرائيلية فقط، بل ترفض مواطنة وصهيونية (أي قومية) من غيَّر دينه إلى ديانة أخرى ولا ينطبق عليه "قانون العودة".
وفي هذا السياق نفهم كيف أن الدين منح القومية الصهيونية رغم طابعها العلماني (من دون الغفلة عن وجود التيار الصهيوني الديني)، ورغم اشمئزاز روادها الأوائل من أمثال هرتسل، جابوتنسكي، وبن غوريون، من الدين الأسماء والمفردات واللغة: إسرائيل، شعب إسرائيل، أرض إسرائيل، العَلَم بكل عناصره، رمز الدولة (الشمعدان) كلها مفردات دينية. وأقدم الصهاينة، حتى الملحدون منهم، على التغني بالتوراة باعتبارها جزءاً من التراث اليهودي. وهكذا نجد أنهم حملوا الإلحاد أو العلمنة بيد والتوراة بيد أخرى لتوظيفها فيما يخدم طروحاتهم وأفكارهم. ونجد أن الدين قد منح الصهيونية المحتوى الذي تشيّد عليه كل صرحها الفكري والسياسي.

عليه نجد أن اليهودي قومياً (الصهيوني) حتى لو كان من غلاة العلمانيين وإلى حد الإلحاد هو اليهودي دينياً كي يصبح في نهاية المطاف إسرائيلياً.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع