نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

مشاركات القراء: يوم لا ينفع الندم

إيمان شبلي

 



من الأسماء التي تسمى بها يوم القيامة اسم ذو وقع مؤثّر في القلب، ما إن يطرق السمع حتى تجتاح النفس مشاعر الخوف والوجل. اسم يحكي عن ألم يتغلغل في الروح، فيكاد يزهقها لشدته في يوم تتقلب فيه القلوب والأبصار. قد أنذر الله تعالى منه بقوله عزّ من قائل: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} (مريم: 39).

إنه "يوم الحسرة" الذي يتحسر فيه المقصرون على ما فاتهم ويتأسّفون ويندمون أيّما ندم على فرص قد ضيّعوها بلهوهم وغرورهم. وكفى بالحسرة عذاباً وحرقةً وألماً لقلوب غفلت عن معبودها وأرواح غابت عن الحاضر الذي لا يغيب ولسان حالها يقول: {يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ} (الزمر: 56). فالتفريط في جنب الله سبب لحسرة يوم القيامة والندامة فيه كما قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: "ثمرة التّفريط الندامة" (1).

* ندامة يوم القيامة
هذه الحقيقة سيدركها كل من قصّر أو فرّط في ارتباطه بالله تعالى ولكن بعد فوات الأوان وضياع الفرصة وهذا بحدّ ذاته يورث حسرة بعد حسرة وستكون عندها الندامة شرّ ندامة كما قال النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: "شر الندامة ندامة يوم القيامة" (2). إنّ هذا النحو من الألم الروحي لا يختصّ بالكافرين والفاسقين فحسب، بل يشمل حتّى بعض أهل الإيمان وإن اختلفت شدّته ونسبته من شخص لآخر. وهذا ما أكّده النّبي صلى الله عليه وآله وسلم حين قال لابن مسعود: "يا ابن مسعود أَكْثِر من الصّالحات والبرّ فإن المحسن والمسيء يندمان، يقول المحسن: يا ليتني ازددت من الحسنات، ويقول المسيء: قصّرت، وتصديق ذلك قوله تعالى: {وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ}" (3).
وجاء في الخبر أنّ أهل الجنة لا يتحسرون على شيء فاتهم من الدنيا كتحسّرهم على ساعة مرت من غير ذكِر الله تعالى.

* أعمالهم حسرات
عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام: "ما من مجلس يجتمع فيه أبرار وفجّار فيقومون على غير ذكر الله عزّ وجلّ إلا كان حسرة عليهم يوم القيامة" (4).
ومن مصاديق الحسرة أيضاً: حسرة الظَلَمة وأتباعهم هذه الحسرة التي تبلغ من الشدة أن يكون حالهم كما وصفهم الله تعالى بقوله: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً} (الفرقان: 27).
يقول الله تعالى في معرض الحديث عن تبرؤ الظالمين من أتباعهم يوم القيامة وتمنّي الأتباع التبرؤ منهم:
{كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} (البقرة: 167).

* حسرة الجاحد لولاية إمامه:
ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله: "... فإن من آثَر الدنيا على الآخرة واختارها علينا، عظمت حسرته غداً وذلك قول الله تعالى: {أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ}" (5).
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأبي ذر: "يا أبا ذرّ يؤتى بجاحد علي يوم القيامة أعمى أبكم يتكبكب في ظلمات يوم القيامة ينادي: يا حسرتا على ما فرّطت في جنب الله، وفي عنقه طوق من النار"(6).

* حسرة العالم
حسرة العالم المنسلخ عن علمه، التارك له الذي كان يدعو الآخرين إلى عبادة الله وطاعته فيمتثلون له ويطيعون الله تعالى فيدخلهم الله بطاعتهم الجنة ويدخل العالم التارك لعلمه النار.
فهذا أشدّ أهل النار ندامةً وأعظمهم حسرةً، كما عبّرت بذلك روايات أهل بيت العصمة عليهم السلام.
فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "العلماء رجلان رجل عالم آخذ بعلمه فهذا ناج وعالم تارك لعلمه فهذا هالك. وإنّ أهل النار ليتأذّون من ريح العالم التارك لعلمه، وإنّ أشدّ أهل النار ندامة وحسرة رجل دعا عبداً إلى الله فاستجاب له وقبل منه فأطاع الله وأدخله الله الجنة وأدخل الداعي النار بتركه علمه واتباع الهوى وطول الأمل..."(7).
وقال الإمام أبي عبد الله عليه السلام: "إن أعظم الناس حسرة يوم القيامة من وصف عدلاً وخالفه إلى غيره"(8).

* حسرة صاحب المال
من مصاديق أهل الحسرة أيضاً: حسرة رجل كان له مال حرام في الدنيا وبعد موته صار ماله سبباً لدخول غيره الجنة ودخوله هو النار.
فقد جاء في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: "إن أعظم الحسرات يوم القيامة حسرة رجل كسب مالاً في غير طاعة الله فورّثه رجلاً فأنفقه في طاعة الله سبحانه فدخل به الجنة ودخل الأول به النار"(9).
كانت هذه بعض مصاديق أهل الحسرة في الآخرة الذين طالما ناداهم كتاب الله ودعاهم إليه كل يوم كي لا يكونوا من أهل النّدامة والحسرة ولكن عميت أبصارهم وقلوبهم وصمّت أسماعهم وآذانهم عن كلام الله تعالى فباؤوا بحسرة "فيا لها حسرة على ذي غفلة"(10).
أخيراً: كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: "نسأل الله سبحانه أن يجعلنا وإياكم ممّن لا تبطره نعمة ولا تقتصر به عن طاعة ربه غاية ولا تحل به بعد الموت ندامة ولا كآبة"(11).


1.نهج البلاغة، ج4، ص 43، حكمة 181.
2.بحار الأنوار، المجلسي، ج 74، ص 133.
3.م.ن، ص 104.
4.أصول الكافي، الكليني، ج 2، ص 464.
5.تفسير نور الثقلين، الحويزي، ج 4، ص 494.
6.م.ن، ص 495.
7.المحجة البيضاء، الكاشاني، ج 1، ص 126.
8.بحار الأنوار، م.س، ج 69، ص 139.
9.تفسير نور الثقلين، م.س، ج 1، ص 152.
10.نهج البلاغة، م.س، ج1، خطبة 64، ص111.
11.م.ن

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع