محمد أحمد خشفة

كانت سامراء تسمى بالعسكر لأن المعتصم العباسي انتقل إليها هو وعسكره بعدما بناها، ولذلك سمي الإمام علي بن محمد الهادي وابنه الإمام الحسن بن علي عليهما السلام بالعسكريين، فقد عاش الإمام الهادي عليه فيها 20 عاماً و9 أشهر وكان معه الإمام الحسن العسكري عليه السلام(1).

في التاريخ:
يوم الاثنين 25 جمادى‏2 من عام 254هـ يدفن الإمام الهادي عليه السلام، بعد شهادته في وسط داره التي اشتراها من دليل بن يعقوب في سامراء والتي سكن فيها مع عائلته حين قدومه من المدينة المنورة. في 8 ربيع الأول 260هـ يستشهد الإمام العسكري عليه السلام ويدفن قرب مدفن والده الهادي عليه السلام في سامراء، بعدما يصلي عليه صاحب الزمان عجل الله فرجه وتكون الغيبة الصغرى(2). وتلا ذلك وفاة كل من: السيدة نرجس عليها السلام في نفس العام ودفنت خلف ضريح الإمام العسكري عليه السلام تماماً، ثم السيدة حكيمة عليها السلام عام 274هـ، التي دفنت في مكان يلي رجلي العسكريين متصل بضريحهما(3)، ثم دفن على المشهور عصبة من السادة العظام منهم: الحسين بن الإمام علي التقي(4)، ومنهم أبو هاشم الجعفري وكذلك جعفر بن الإمام الهادي عليه السلام. هذه القبور جميعها كانت في مشهد واحد داخل الدار، ويبدو أنه لم تقم عمارات تذكر في ذلك الوقت سوى المحافظة على مدافن آل البيت عليهم السلام في هذه البقعة المباركة، بالإضافة إلى تأثر الحالة السياسية والشعبية العامة بالغيبة الصغرى لصاحب الزمان عجل الله فرجه(5)، فبعد أن تبين للسلطة العباسية بأن للعسكري عليه السلام عقباً، جن جنونها وفتشت دور سامراء وأزقتها، وأقامت العيون على كل المداخل والمخارج، وبحثت عن الإمام المهدي عجل الله فرجه. لذلك، لم يشهد ذلك الدار المبارك أي تحسن من حيث العمارات.

يقول الجلالي عن الشيخ خضر شلال في مزاره(6):
عام 333هـ شيد ناصر الدولة الحمداني الدار والضريح بالستور.
عام 337هـ أكمل معز الدولة البويهي بناء الحمداني وعمر القبة والسرداب.
عام 368هـ سيج عضد الدولة البويهي الروضة بالسياج.
عام 445هـ ترك الأمير أرسلان بغداد إلى تكريت وعمر القبة والضريح وعمل الصندوق من الساج.
495هـ جدد السلجوقي (بركيا روق) الأبواب وسيج الروضة ورمم القبة والرواق والصحن والدار.
606هـ عمر الناصر العباسي القبة والمآذن والسرداب وكتب أسماء الائمة الإثني عشر بشكل بارز.
640هـ وقع حريق في المشهد، فهدم الكثير من ضريحي الإمامين الهادي والعسكري عليهما السلام.
بعد الحريق المهيب، أبدل المستنصر العباسي الصندوق المخصص لجثماني الإمامين المقدسين وعمر الروضة المطهرة على يد السيد جمال الدين بن طاووس.
750هـ زين أبو أويس حسن الجلائري الضريح وشيد القبة.
1106هـ قام شاه حسين صفوي بتشييد سياج حول الروضة. وعمل شباكاً من الفولاذ.
1200ه عمر أحمد الدنبلي أحد السلاطين في ذلك الوقت الروضة المباركة والسرداب وبدلهما بالصوان والرخام، وكان وكيله السلماسي.
1225هـ أكمل السلماسي عمله بشكل نهائي.
1285هـ جدد ناصر الدين شاه القاجاري الشباك من الذهب وعمر الضريح والرواق والقبة والصحن وزاد الساعة الكبيرة.
1349هـ أضيئت الروضة العسكرية بشكل دائم بعد جلب ماكينة كهربائية خاصة.
1360هـ نصب الشباك الفضي الذي كان موضوعاً للحضرة الحسينية، فنقل من كربلاء إلى سامراء بعد إصلاحه.
1367هـ رمم (محمد صنيع) خاتم الصندوق.
1381هـ تبرع بعض الوجهاء الأفاضل بصندوق خاص للضريح الشريف ودامت صناعته 5 سنوات.

بعدها، لم يشهد المشهد المقدس تحسينات بحجم المتغيرات، خاصة مع تغير الحكومات في العراق. ولكن لا بد من ذكر بعض التحسينات والإضافات والتي تلخص كالآتي:
إقامة أماكن للوضوء بشكل أفضل على الجانب الشمالي للصحن الخارجي، تبرعات للخزانة الخاصة بالمقام الشريف من سجاد وثريات ووسائل تهوية وتدفئة كوقف للمقام الشريف.  حتى كانت تلك الحادثة والتي لم يسبق لها مثيل، وهي تفجير قبة المقام المذهبة والضريح الشريف ثم تفجير المأذنة المباركة. 1426هـ عملية تفجير لروضة العسكريين أدت إلى تهديم القبة المقدسة والسور ولبعض الجدر المحيطة بالحضرة المقدسة. 1427هـ عملية تفجير المأذنة المباركة لروضة العسكريين. كانت قبة الإمامين العسكريين عليهما السلام تعتبر من أكبر القبب المقدسة في مجموع العتبات المقدسة والمشاهد المشرفة، قبل أن تهدم بالتفجير الأخير المذكور. للعسكريين زيارات عديدة، وكذلك لسرداب الغيبة وهو مكان سكن الأئمة الثلاثة (الهادي والعسكري وصاحب الزمان عليهم صلوات الله تعالى). توجد الزيارات في الكتب المخصصة لذلك، وتتوافد الحملات لزيارة مرقدهم المقدس وتجديد البيعة والولاء لصاحب العصر والزمان عجل الله فرجه، فيقرأ الزوار داخل السرداب: دعاء العهد، زيارة آل ياسين، دعاء الندبة، زيارة صاحب الزمان عجل الله فرجه، زيارة وارث، زيارة عاشوراء، زيارة أمين الله، الزيارة الجامعة وغير ذلك(7). ومن الأدعية التي نختم بها اطلالتنا على الروضة المشرفة في سامراء، هذا الدعاء:  "اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة، ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً، حتى تسكنه أرضك طوعاً، وتمتعه فيها طويلاً، برحمتك يا أرحم الراحمين".

_{(1) مزارات أهل البيت عليهم السلام وتاريخها، الجلالي، مؤسسة الأعلمي، ط3، 1995، ص‏136 (بتصرف).
(2) تواريخ أعلام الهداية، الشيخ التستري، مؤسسة التاريخ العربي، ط1، 2000، فصل في ولادتهم عليهم السلام.
(3) مزارات، م.ن، ص‏141 (بتصرف)، ومفاتيح الجنان ط2، ص‏591 593.
(4) يذكره الشيخ القمي في مفاتيح الجنان ص‏594، ويقول: "إن ابنه الحسين كان من الزهاد والعباد، وكان يقر لأخيه بالإمامة".
(5) مزارات 139 و141 (بتصرف).
(6) م.ن، ص‏139.
(7) راجع كتب الزيارات المخصصة، منها: مفتاح الجنات للسيد الأمين، ومفاتيح الجنان للشيخ القمي.}