نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

الأناشيد الثورية.. الذراع الفنية للمقاومة

إعداد: فاطمة خشاب درويش



مع انطلاقة المقاومة الإسلامية في الثمانينيات، بدأت الأناشيد الإسلامية تبصر النور، فكانت تعبيراً صادقاً عن حالة إيمانية تؤمن برفع المظلومية والعدوان، من قبل عدو لطالما التصق اسمه بالهمجية والإرهاب. رافقت المجاهدين في تضحياتهم وقرّبت الصورة للجمهور من خلال تجسيد الملاحم البطولية والوقائع المشرفة على الجبهات. ومع توسع الحركة المقاومة، تطورت الأنشودة في الشكل والمضمون، وذلك في سعي لمواكبة الانتصارات المشرفة، فكانت الصدى الحقيقي للعمل الجهادي على طول السنوات الماضية. وبعد ما يقارب ربع قرن - وإدراكاً للدور المتزايد للنشيد - يسعى المعنيون بهذا العمل في مختلف المجالات إلى تطوير الأنشودة الإسلامية والمحافظة على قيمتها، لأنها باتت جزء لا يتجزأ من العمل المقاوم النضالي.

* تطور الأنشودة ولجنة الإشراف الفني
يتحدث مسؤول وحدة الأنشطة الاعلامية في حزب الله الشيخ علي ضاهر عن تاريخ الأنشودة الإسلامية، فيعتبر أن ما شهده النشيد الإسلامي من تطور ونمو هو شيء طبيعي جداً، لأنه انطلق مع الحركة المقاومة، وهو يواكبها ويطور أساليبه كما المقاومة. ويشير إلى أهمية وجود لجنة الإشراف الفني، التي تعمل في إطار وحدة الأنشطة الإعلامية. وهذه اللجنة مؤلفة من مجموعة أشخاص متخصصين ذوي خبرة، سواء في المجال الموسيقي أو الأدبي، يعملون على تقييم المضمون ومستوى القصيدة الشعري، ويتم العمل بمتابعة مباشرة من قبل عالم دين لتحديد الضوابط والأطر الشرعية. أما عن أهداف اللجنة، فيؤكد ضاهر على أهمية وجود مرجعية تمثل الأم والأب للأنشودة، تسعى إلى جمع العائلة الفنية والتنسيق فيما بينها كإطار جامع، هدفه تنظيم العمل، خاصة وأن هذا الحقل شرد في وقت من الأوقات، إن كان لجهة اللحن أو الكلمة، فدخلت بعض الظواهر الغريبة الخطيرة جداً، كاللحن الغربي الذي ليست له علاقة بواقعنا.

كما تسعى اللجنة إلى تأهيل وتطوير الأشخاص العاملين في هذا المجال، من خلال تبادل الخبرات بين المحترفين والمبتدئين، إلى جانب توجيه الأعمال الفنية نحو المضامين الرسالية والهادفة. ويوضح الشيخ ضاهر أن اللجنة ليس لها سلطة، إنما ارتضى الجميع القبول برأيها، خاصة وأنها جهة حيادية متخصصة، فعملها توجيهي، هدفه الأساس تحسين النشيد وتقديمه بأحسن صورة ممكنة دون تدخل في تفاصيل العمل الفني. ويتابع أن اللجنة استطاعت أن تنظم الساحة الفنية الإسلامية بنسبة 80 %، وهي ستكمل وظيفتها فيما يتعلق بإيجاد منابر لإطلالة هؤلاء المنشدين، إضافة إلى إنشاء صندوق تعاضد وتنظيم موضوع قراء الموالد والرواديد. وحول واقع الأنشودة اليوم ومستقبلها، يؤكد الشيخ ضاهر على أن مضمون القصيدة هو المهم، فالموسيقى وسيلة أو جسر يتم العبور من خلاله، كما يتوقع المزيد من التطور والرقي، خاصة في ضوء الإمكانات التي تضعها الجمعية اللبنانية للفنون "بيات" في خدمة كل المنشدين، ويشير إلى أهمية تجربة "أوبرا الضوء المشذى"، التي قدمت في أربعين الشهيد القائد عماد مغنية، إلى جانب الأمسية الصوفية التي قدمها نداء أبو مراد وفرقته تحت عنوان "وصال".

* الأنشودة الذراع الفنية للمقاومة
أما الشاعر أنور نجم، فيتطرق إلى العوائق التي تواجه الأنشودة، مشيراً إلى أن الشعر كان مقيّداً بموضوع الطرح، فيما كان القيد الآخر هو جواز اللحن. وانطلاقاً من تجربته الشخصية التي بدأها عام 1983 بكتابة اللطميات وبعض القصائد المتعلقة بأهل البيت عليهم السلام، فكان من الأوائل الذين كتبوا بهدف خدمة قضية الصراع مع العدو الصهيوني، ويعتبر أن الكلمة في الأنشودة كانت الذراع الفنية للمقاومة، واكبتها منذ انطلاقتها حتى الآن. أما بالنسبة لآلية كتابة الشعر والقصائد، فيشير إلى أنه يطلع عادة على أحاديث أهل البيت عليهم السلام ويعمل على صياغة الحديث وبلورته في إطار شعري هادف. أما بالنسبة للأنشودة الثورية، فيركز فيها على استحضار عناوين أساسية تنطلق من القيم والمفاهيم الجهادية والإسلامية. وفيما يتعلق بالأناشيد ذات الطابع الاجتماعي، فيتم تحليتها بالقالب الإسلامي، فيخيم مفهوم الحب والتضحية عند الحديث عن الأم والشهداء. ويشدد على ضرورة التركيز الدائم والمستمر على خدمة القضية المركزية المقاومة، بعيداً عن التفكير المادي المتعلق ببدل الأتعاب. وفي قراءة موضوعية لواقع الأنشودة الإسلامية، يلفت إلى وجود تقصير بالجملة الموسيقية المصاحبة للقصيدة، معرباً عن أمله الكبير بشركة "بيات للانتاج الفني" التي تحاول إصدار كل ما هو جديد، من خلال سياسة الانفتاح على الآخرين، خاصة التعاون مع الملحن الكبير عبدو منذر. ويختم الشاعر أنور نجم بالتاكيد على أن تطوير النشيد الإسلامي هو مسؤولية الجميع، من ملحنين وشعراء وموسيقيين، ويشدد على ضرورة الإسراع في العمل على رفع مستوى النشيد أكثر، ليصل إلى مستوى المقاومة التي أعطت أكبر أنشودة للعرب والعالم الإسلامي أجمع.

* أهمية التكامل بين اللحن والكلمة
من جهته، المنشد الشيخ حسن بحمد يؤكد أن الشعر كان رفيقاً للمقاومة، والنشيد كان أيضاً من وهج عطاءاتها ودماء شهدائها وعذابات أهلها الذين تحملوا وواكبوا المقاومة وحضنوها. ويضيف قائلاً: إن النشيد كان يحمل عبق الثورة والجهاد والمحفز لهذه الشهادة، يطرح الآمال والطموحات في باقة وردية، مشيراً إلى أن دوره يتبلور في تعبئة النفوس وشحذ الهمم من أجل المزيد من العطاءات. ويتابع الحديث، فيعتبر النشيد بمثابة الحمالة التي تحمل الكلام فتزينه وتنقله إلى حيث يجب أن ينقل. ويشدد في هذا المجال على أهمية التكامل ما بين اللحن والكلمة، لأن سقوط اللحن يبقي الكلام شعراً ولا يتلقاه بذلك إلا المتذوقون والخاصة من الناس. وفي إطار الحديث عن سبل تطوير النشيد، يرى بحمد أن الضعف المادي قد يؤثر سلباً على المسيرة التصاعدية له، مشيراً إلى أهمية التقنيات الحديثة وأثرها في العمل الفني. ويلفت إلى ضرورة الحذر من الانغماس في الناحية التجارية البحتة، التي من شأنها أن تفقده قيمته وتضيع بوصلته. وحول تطور النشيد، يرى بحمد أنه تطور بشكل ملحوظ بعد التحرير عام 2000، حتى أصبح في مستوى (راية لبنان) و(نصر العرب )، فقد وصلنا إلى أناشيد أجمل بتقنيات أعلى.

* أولوية الدراسة الأكاديمية
وفيما يرى الشيخ بحمد أن النشيد أصبح اليوم أكثر تطوراً وجمالاً، يعتبر المنشد حسين زعيتر أن الأنشودة القديمة - أي في الثمانينيات - أهم من الأنشودة الحالية، نظراً لما كان لها من تأثير ووقع كبيرين في هذا الخط الحسيني المقاوم. فعلى الرغم من الإمكانات التي كانت متواضعة في ذلك الوقت، يعتبر زعيتر أنه كان هناك نوع من الإبداع والعطاء والإخلاص الكامل لهذه المسيرة الجهادية، مضيفاً: للأسف، هناك نوع من التراجع نوعاً ما. ويشير زعيتر إلى أهمية التنافس البناء في المجال الفني الإسلامي، لأن ذلك من شأنه تقديم الأفضل للجمهور، بما يليق بالمسيرة الرائدة للمقاومة الإسلامية. زعيتر الذي يتعلم الموسيقى "شرق – عربية" في المعهد الموسيقي في الجامعة الأنطونية، يعطي أولوية للدراسة الأكاديمية للموسيقى من أجل الحفاظ على حضارتنا والارتقاء أكثر والابداع في المجال الفني، كما يشدد على أن تطوير النشيد يرتبط بالكلمة واللحن والأداء والتوزيع الموسيقي وحتى الامكانات المادية المتوافرة.

* الحاجة إلى تطوير الإمكانات الفنية
أما العاملون في مجال التأليف والتوزيع الموسيقي، فيسجلون عدم وجود إمكانات كافية لتطوير الأنشودة الإسلامية كما يجب، فكل ما حصل هو نتيجة جهود فردية في هذا المجال. ويعتبر الملحن علي الموسوي أننا لم نستطع حتى الآن - رغم كل المحاولات - تقديم أعمال فنية على مستوى انتصار حرب تموز 2006، مشدداً على ضرورة تكثيف الجهود للاقتراب أكثر من إنجازات المقاومة المشرفة. وحول رأيه في ما يشد الناس إلى النشيد، يعتبر الموسوي أن الموسيقى بالدرجة الأولى هي الأساس يليه الصوت. أما الكلمة - للأسف -، فقد أصبحت في آخر السلم، الأمر الذي يشكل مشكلة بالتأكيد. أما بالنسبة لنظرته الخاصة للواقع الفني الإسلامي، فيرى أن هناك حاجة ملحة لدراسة الموسيقى أكاديمياً، إلى جانب توفير الإمكانات المادية من أجل الابتكار وتقديم المميز للجمهور. وحول مدى اعتبار الضوابط الشرعية عائقاً للتطوير الفني، يشدد الموسوي على وجود هامش للعمل من خلاله، مؤكداً أن الناحية الشرعية لا تشكل عائقاً لتطوير العمل الفني.

* الضوابط الشرعية تضمن التطور
أما بالنسبة للإشكالية التي يطرحها البعض حول دور الضوابط الشرعية في الحد من تطوير النشيد الإسلامي، فيؤكد مدير مكتب الوكيل الشرعي للإمام الخامنئي في لبنان سماحة الشيخ محمد توفيق المقداد أن الضوابط الشرعية جميعها لا تمنع من تطور النشيد، بل تساعد على تطوره نحو الأفضل، إذ إنها تمنع بعض المنتفعين من التجارة بالنشيد وتقف في وجه التقليل من قيمته لأهداف مادية وفئوية أو شخصية. وحول ماهية الضوابط التي يحرص عليها الشرع في هذا المجال، يشير الشيخ المقداد إلى عدة ضوابط: أولاً الضابطة المفهومية التي تتعلق بمضمون النشيد الذي من المفترض أن يطل على أحد المفاهيم العقائدية الإسلامية كالجهاد والتضحية، فيكون ذا غرض تربوي. أما بالنسبة للضابطة الثانية، فهي الضابطة اللغوية التي تركز على الصياغة اللغوية السليمة، بحيث تكون القصيدة مسبوكة بشكل جيد يتقبلها الإنسان بمعانيها ومضامينها، وأن تراعى في النشيد القواعد اللغوية، إذ إن الاستخفاف بها قد يؤذي أذن المستمع ويقلل من قيمة النشيد. أما بالنسبة للجانب الموسيقي، فيشدد الشيخ المقداد على ضرورة أن تكون الموسيقى متناسبة مع الذوق الإسلامي العام، فيجب أن يكون فيها نوع من الخشوع، فتكون هادئة وناعمة تتناسب مع النشيد الإسلامي ومضامينه السامية، فلا تكون الموسيقى متناسبة مع مجالس أهل الفسق والفجور واللغو والعبث. ويشير في هذا المجال الى مغالطة كبيرة يقع فيها بعض المنشدين، إذ يلجأون إلى استخدام موسيقى أغانٍ قديمة، فيضعون لها كلمات النشيد الأمر الذي يعتبر محرماً شرعاً. أما الضابطة الأخيرة، فهي تتعلق بالأداء الذي يجب أن يكون هو أيضاً بعيداً عن أجواء الفسق والفجور، بحيث يكون هناك نوع من الحشمة والدلالة على الخلفية القيمية للنشيد ولمؤديه، وذلك لأن الأداء غير المتوازن للنشيد لن يؤدي إلى إيصال الهدف الرسالي له. ويختم الشيح محمد توفيق المقداد بالتمني على كل العاملين في المجال الفني الإسلامي أن يتعاونوا مع الجهات الدينية المختصة لمراعاة الضوابط الشرعية، آملاً من كل من يودّ شراء شريط أناشيد أن يراجع المكتب الشرعي من أجل تحديد الموقف الشرعي، كي لا يتم الوقوع في المحذور دون علم من المكلف.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع