نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

تعيين الإمام والميثاق على الإمامة

آية الله جوادي الآملي

بعد أن علمنا أن الإمامة عهد الهي، وإن تعيينها لا يتم بالدستور أو انتخاب الناس، وإنما بالتنصيب الإلهي، وما دور الناس إلا التمسك بميثاق إمامة الإمام، يطرح هذا السؤال حول حاجة الناس للتعرف على الإمام قبل إقامة العهد والميثاق على إمامته.
فما هي طريق معرفة الإمام، وعلى من تقع مسؤولية إثباتها؟


والجواب:
كما أن ثبوت الإمام يكون بالتنصيب الإلهي، فإن إثباتها أيضاً من أفعال الله، أي أن الإمامة التي خرجت عن آراء وانتخاب الناس، فإنها كذلك لا تحدد باستطلاع آرائها واستمزاجها.
أجل، ما هو داخل في فعل الأمة ورأيها أو فعل الإمام ورأيه هو الميثاق والعهد، لذلك فإن الإمام مكلف بالقبول والتصدي لهذا المنصب، ومكلف أيضاً بالتبليغ وأخذ الميثاق من الناس، وعلى الأمة أن تؤدي هذا الميثاق.

أما الطرق التي يثبت الله تعالى فيها الإمامة، ويمكن للناس من خلالها أن يتعرفوا على الإمام فهي كثيرة. لكن أهمها وأقواها طريقان، يعدان المرجع لغيرهما من الطرق:
الأول: هو الإعجاز، والمعجزة إما أن تكون معجزة فعلية معجزة قولية.
والثاني: هو النص القطعي.
لهذا، فلو أدعى إنسان كامل الإمامة وقرنها بالمعجزة تثبت إمامته، وكذلك فيما لو ادعى ذلك وكان هناك نص على إمامته من معصوم قبله.

ب - تعيين الولي الفقيه في عصر الغيبة
(تحدّثنا في العدد السابق حول القسم الأوّل وهو: نفي تعيين غير المعصومين للإمامة).
علمنا من خلال الأبحاث السابقة، أن مسؤولية الولاية والقيادة للمجتمع تقع على عاتق الإنسان يحدده الله تعالى. والآية الشريفة: ﴿أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم (النساء/59).
هي في مقام بيان ضرورة ووجوب إطاعة من ينصبهم الله تعالى، لأن هذه الآية التي تأمر بإطاعة أولي الأمر، لا إطلاق فيها بالنسبة لكل من يتولى زعامة المجتمع، وإنما هي في مقام بيان وجوب إطاعة أولئك الذين نصبوا لولاية الأمر. ولو فرضنا أن هناك إطلاقاً في هذه الآية فلا شك أبداً بأن هذا الإطلاق يصبح مقيداً بالعديد من الآيات الأخرى. كالآية الشريفة: ﴿ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطاً الكهف/28) ﴿ولا تركنوا إلى الذين ظلموا... (هود/113)
ويعتقد سيدنا الأستاذ العلامة الطباطبائي - رضوان الله عليه - أن الآية تختص بالإمام المعصوم عليه السلام من خلال نقاط دقيقة فيها.

والمرحوم صاحب الجواهر في عرضه لمصارف الزكاة الثمانية، يقول بشأن الذي يوصل الزكاة بنفسه إلى مستحقها بتكليف الإمام: "إن هذه الزكاة باطلة، وفي حال زوال عينها فإن على المكلف بتأدية الزكاة أن يؤديها مرة ثانية للإمام". وفي جوابه على صاحب "المدارك" الذي يقول أن البحث في هذه المسألة في زمن الغيبة لا طائل له يقول: "إن ما قاله صاحب "المدارك" من أن الأمر في هذه المسألة بزعم اختصاص مورده بزمن حضور المعصوم سهل وبسيط - حيث يمكن التوجه بالسؤال المباشر من الإمام عليه السلام - ليس صحيحاً، لأن المسألة لا تختص بزمن المعصوم، والدليل على ذلك أن الأدلة الدالة على حكومة الولي الفقيه تجعله في زمرة أولي الأمر الذين أوجب الله طاعتهم". وكلام صاحب الجواهر هو:
"إطلاق أدلة حكومته خصوصاً رواية النصب التي وردت عن صاحب الأمر - روحي له الفداء - بصيره من أولي الأمر الذين أوجب الله علينا طاعتهم".

بعد أن عين ولي الأمر الفقيه الجامع للشرائط لمنصب الحكومة والولاية أصبح من زمرة أولياء الأمور، وفي هذه الحالة يجب إطاعته
ويقصد بذلك أن الإمام المعصوم قد عرّف الفقيه الجامع للشرائط بعنوان الولي والحاكم "إني جعلته حاكماً". وذلك من خلال ذلك الأصل والقاعدة الكلية الكبرى في الآية المباركة:
﴿أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، وسوف يصح الموضوع والقاعدة الصغرى، أي أن ولي الأمر بعد أن عين الفقيه الجامع للشرائط لمنصب الحكومة والولاية أصبح من زمرة أولياء الأمور، وفي هذه الحالة يجب إطاعته.
على كل حال، فنحن لا نشك من خلال الأدلة المتعددة التي بيناها أن تعيين ونصب الولي الفقيه في عصر الغيبة لأجل قيادة المجتمع وزعامته ضروري وحتمي من الباري سبحانه.

لكن، بالرغم من هذه جميعاً، يقول بعض الذين يقبلون بولاية الفقيه بأن تعيينه يتم من خلال انتخاب الأمة بدليل استحالة تعيينه من قبل الله سبحانه ويقولون:
إن جميع الروايات مثل مقبولة عمر بن حنظلة التي هي في مقام إظهار علامات الشخص المنصوب في الواقع ليست إلا في مقام بيان شروط الشخص المنتخب. والدليل الذي قدموه على استحالة نصب الولي الفقيه هو:
"لو لم يكن لدينا في عصر الغيبة إلا فقيه واحد جامع للشرائط لما كان هناك إشكال في تعيينه. لكن بما أن الفقهاء الجامعين للشرائط كثر، فإن في التعيين هنا إشكال. ذلك لأن في هذا التعيين لا يمكن أن نتصور أكثر من خمس صور، والحال أن جميعها باطل:
الصورة الأولى هي أن ينصب واحد معين من بين الفقهاء للولاية. وسبب بطلان هذه الصورة أننا من خلال الرجوع إلى الروايات الواردة في هذا الباب لا يمكن أن نستفيد من انتصاب شخص معين.

الصورة الثانية هي أن ينصب المجموع من حيث المجموع. وسبب بطلانها أن لكل فقيه رأي خصا. ولهذا لا يمكن أن نتصور مجموعهم على أنه واحد.

الصورة الثالثة هي أن ينصب كل واحد منهم، لكن يحق لواحد أن يعمل رأيه، وهذا باطل لأنه لا يوجد معيار محدد في يقين ذلك الشخص.

الصورة الرابعة هي أن ينصب الجميع - وليس المجموع - يعني كل فرد من الأفراد، لكن يشترط في أعمال رأيه موافقة الآخرين، وهذا باطل بسبب استحالة الاتفاق الفكري والفتوائي عند الجميع.

الصورة الخامسة هي أن يعين الجميع بالفعل، ويعمل كل واحد منهم رأيه بدون رعاية رأي الآخرين. وبطلان هذا الرأي واضح لأنه يستلزم الهرج والمرج.
وبعد بطلان الصور المذكورة، لا يبقى مجال للتنصيب، وبما أن الأمر يدور بين الانتصاب والانتخاب، فإنه مع بطلان الانتصاب يصح الانتخاب.".

كان هذا ملخص ما ذكره المستشكلون. لكن الجواب على الإشكال هو:
إن التناسب ما بين الحكم والموضوع يوضح المسألة، فإن التنصيب الإلهي ليس لفرد ولا للمجموع من حيث المجموع بل للجميع بحيث أن جميع الفقهاء الجامعين للشرائط منصوبون لمقام الولاية، ولهذا فإن حمل هذه المسؤولية يقع على عاتقهم بالوجوب الكفائي.
بمعنى أنه إذا قام أحدهم به سقط عن الباقين. ويوجد أمثلة كثيرة على هذه المسألة في الأبواب الفقهية. منها مثال الأب والجد اللذين لهما ولاية على أموال الولد الصغير بدون أن يكون هناك هرج ومرج، لأن إقدام أحدهما يسقط فعل الآخر.

المسألة الأخرى، مسألة القضاء التي يذعن بها المستشكل:
لأنه إذا وجد في مدينة واحدة عدة مجتهدين، فإن الجميع حاصلون على منصب القضاء بناء على نصب الإمام، لكن فيما إذا تم الرجوع إلى أحدهم سقط التكليف عن الآخرين.

والجواب الآخر:
أن مسألة الولاية ليست مثل مسألة صلاة الجماعة التي يمكن لكل عادل أن يقوم بإمامتها، بل أن الولاية في الدرجة الأولى هي وظيفة الأعلم والأتقى والأشجع والأكفأ من الآخرين، والحال هنا أنه يندر أن يتساوى في مثل هذه المسألة إثنان. إضافة إلى أن طبيعة هذه المسؤولية التي تحمل معها المشكلات والمصائب خلافاً للإفتاء تقلل من عدد أولئك الذين يتصدون للقيام بها.
والشاهد على هذا تاريخ الألف سنة الأخيرة التي قل فيها من تحمل الأم الصاع والمبارزة والقيام بوجه الظالمين، وكانت له الشجاعة والكفاءة لذلك.

فبعد إثبات أن الحكم يدور حول محور الولاية دون الوكالة والنيابة من قبل الناس، وبعد رد استحالة تعيين الولي بالتنصيب الإلهي، لا يبقى دليل واحد لأجل رفع اليد عن الظهور في الروايات التي جاءت في باب تنصيب الولي الفقيه وشرائط وخصوصيات الفرد المنصوب.
أما الخصائص العقلية والنقلية التي ذكرت للولي الفقيه فهي ليست شاهداً على تنصيب الولي الفقيه فحسب، وإنما هي دليل على عزله أيضاً وبيان ذلك إنه كما ذكرنا سابقاً من أن الذي يحكم في الإسلام ليس شخص الفقيه العادل وإنما الفقه والعدالة.

ومن هنا فالولي الفقيه كما أنه لا يحق له أن يعمل باتباع آراء الناس، كذلك فإنه لا يحق له أيضاً أن يتجاوز برأيه الحدود والوظائف المحددة له.
فالفرق الوحيد الذي يوجد بين الولي الفقيه والآخرين هو مسؤولية الولاية، فكل ما لا يرتبط بهذا المقام لا يختلف فيه مع الآخرين بتاتاً. ولهذا فهو كسائر الأفراد بل قبلهم مكلف برعاية وأداء الأوامر التي يصدرها بناءً على أحكام الإسلام والمصالح الاجتماعية.

وقد أشرنا أيضاً إلى كلام المرحوم صاحب الجواهر في مقام بيان هذا الأمر حيث يقول:
إن إطلاق حرمة رد حكم الفقيه الجامع للشرائط والمستفاد من عبارة: "... وعلينا راد والرد علينا كالراد على الله" يشمل أيضاً الفقيه نفسه.
لهذا فإن على الفقيه أن يبقى واحداً لجميع الشرائط التي ذكرت بقاءً وحدوثاً، ويبقى أيضاً في معرض الميزان مع الشروط والموازين العقلية والنقلية التي عينت في مقام الولاية. وبمجرد أن يتعدى الحدود المقررة، أو يصاب بمرض أو عجز عن أداء وظيفته يعزل من منصبه بدون الحاجة إلى عزل.
ومن هنا نعلم أن تكليف الناس ليس تعيين الولي الفقيه أو عزله، بل تحديد ومعرفته في مقام التنصيب والعزل.

* مجلس الخبراء والتنصيب والعزل
إن الدستور الإيراني الذي كان يُتصور في البداية أن إتمامه لن يأخذ أكثر من 30 يوماً قد أنجز بجهود 70 شخصاً من بينهم 40 مجتهداً مسلماً بعد ثلاثة أشر من العمل المستمر ليلاً نهاراً. وفي هذا القانون ولكي لا يتوهم الوكالة أو النيابة في موضوع الولي الفقيه من قبل الناس، لم يأت الحديث عن الرأي والانتخاب الشعبي، وإنما عن قبولهم وهو معنى التولي. والخبراء أنفسهم بسبب مقدرتهم على التمييز والتشخيص هم وسائط التعرف على الولي. فهم يحددون نصب أو عزل الولي الفقيه، وليس لهم مسؤولية عزله أو نصبه.
والحمد لله رب العالمين
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع