نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

ورودٌ وأشواك في طريق المحجبات

مقابلة مع الحاجة عفاف الحكيم

جمانة عبد الساتر


هل حجاب اليوم يعكس هوية المرأة المسلمة وما يرتبط بها من التزام أخلاقي وسلوكي؟ وإن لم يكن فما أسباب هذا التناقض وكيف نزيلها؟ وما الضوابط والالتزامات التي يفرضها الحجاب على أخلاق الفتاة وسلوكها؟ هذه الأسئلة وغيرها تجيبنا عنها الحاجة عفاف الحكيم رئيسة الجمعية النسائية للتكافل الاجتماعي.

* هل يستلزم الحجاب سلوكيات معينة يفرضها هذا اللباس؟
نعلم أن الإسلام في تشريعاته هدف إلى تنظيم حياة الإنسان فرداً ومجتمعاً. ومن التزم بهذه الشريعة ونظم سلوكه وفق ما يتطلبه الشرع يكون قد سار في درب السعادة الدنيوية والأخروية. غير أن الشريعة حين أرادت أن تحصن المؤمن من الوقوع في الحرمات رسمت خطوطاً ودعت الإنسان لعدم تجاوزها (فما من واقعة إلا ولله فيها حكم )(1) كما ورد. ومن الطبيعي أن يستلزم كل حكم شرعي آداباً معينة باعتبار أنه ليس عندنا فصل بين الحكم الشرعي والأخلاق، كما وأن الإسلام لا يطرح أي حكم شرعي بعيداً عن الأخلاق والسلوكيات، فبالرغم من أن الحجاب في ظاهره ستر للبدن والشعر لكنه في الجانب المعنوي والسلوكي يمثل الصفة الأخلاقية والتي يجب أن تهيمن على سلوك الإنسان، وبالتالي فإن نمط الحجاب والكلام ونوعية اللباس يجب أن تراعي أمور العفة والحياء، استناداً إلى الآية القرآنية التي تتحدث عن عدم الخضوع بالقول لجهة التكلم بطريقة مثيرة ﴿فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (الأحزاب: 32)، ونحذر من المزاح الذي يرفع الحواجز ويمهد الطريق أمام الانزلاق.

* هل تدور هذه السلوكيات مدار العلاقة بين المرأة والرجل الأجنبي، أم أنها تمتد إلى ما بينها وبين المجتمع النسائي؟
الحجاب هو إنعكاس للداخل ويترجم المعنى الداخلي عند المرأة. واللباس المحتشم الذي صاغه الإسلام للمرأة هدفه أن يرقى بها نحو الكمالات المعنوية وأن يبعدها وأسرتها عن المشاكل وحالات السقوط وصولاً إلى مجتمع سعيد تُحترَم فيه المرأة وتصان كرامتها وشخصيتها. ومن هنا فإن الإسلام أولى المرأة عناية خاصة لمسألة الحجاب بحيث وجهنا إلى نوع الملابس التي يجب أو يستحب أو يحرم لبسها، كما حدد الأحكام الخاصة بلباس المرأة وزينتها في المجتمع من غير أن يحدد لها شكل وتصميم اللباس إن كان عباءة أو ثوباً شرعياً أو غيرهما، بحيث ترك لها الخيار في إطار الشروط التي تضمن تحقيق هدفية وفلسفة الحجاب الإسلامي، فلا يجوز أن يكون اللباس ضيقاً ومثيراً أو مغرياً أو ملفتاً للنظر ويظهر زينة المرأة وجمالها، قال تعالى: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا (النور: 26) ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى (الأحزاب: 23).

من جهة أخرى فإنه من المكروه للمرأة عندنا التبذل باللباس أمام النساء حتى أنه في الحكم الشرعي هناك كراهية للباس القصير والرقيق الذي يبرز مفاتن الجسد حتى أمام النساء بحيث يثير الفتنة والتناقض ولا ينم عن العفة والخلق الديني وبالتالي لا  ينسجم مع كامل حجاب المرأة وكمالها. وأعتقد أننا بحاجة إلى إعادة ترميم السلوكيات والأخلاق لأن هدف الحجاب هو نشر العفاف في المجتمع وقطع الطريق على كل أسباب الإثارة والتمييع.. ومن هنا فإن مراعاة الحشمة حتى بين النساء مسألة أساسية ولا بد من الإلتفات إليها، حتى لا يتناقض الواقع مع المفهوم والعرف.

* إلى أي مدى يشكل التزام المرأة المحجبة بالسلوكيات الدينية والأخلاقية دعوة إلى الدين على خطى الرسل والمصلحين؟
الحديث عن الحجاب يقودنا إلى الحديث عن المرأة المسلمة ودورها في مسيرة التغيير والتمهيد لصاحب العصر والزمان الإمام المهدي عجل الله فرجه. وأي صورة نموذجية يمكن أن تقدمها للعالم عن مضمون وأبعاد هذا الحجاب الذي به ومعه يتجلى إيمانها ودينها وعزتها وكرامتها، وبه ومعه تتجلى أسمى معاني التضحية والصبر وقوة التحدي إعلاء لكلمة الله تبارك وتعالى من دون أن تقف أنوثتها حاجزاً لها أمام أداء هذه الواجبات الرسالية ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ (التوبة: 71) وفي الحديث الشريف عن الإمام الصادق عليه السلام: "كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم".

فالمرأة الملتزمة والأسرة الملتزمة في يومنا هذا تشكلان الدعوة الحقيقية والصادقة إلى الإسلام في المعركة الراهنة مع قوى الاستكبار والضلال باعتبار أن الحجاب الإسلامي وسيلة لتحقيق الهدف الأسمى وهو عبادة الله تعالى وطاعته والخضوع لتعاليمه نهياً كانت أم أمراً ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (الذاريات: 56) هذا هو شأن العبادات وباقي الفرائض الأخرى في الشريعة الإسلامية والتي تساهم كلها في تقريب العبد من ربه وتزكي نفسه حتى تؤهله للمهمة العسيرة ألا وهي خلافة الله تعالى في الأرض.

* بالمقابل هل عدم التزام المحجبة بالسلوكيات الأخلاقية والدينية إضعاف لموقع الدين في المجتمع؟ إن الحجاب بما نراه اليوم في شوارعنا وبما يشكله من تناقض كبير مع مفهوم وفلسفة وهدفية الحجاب كتشريع إسلامي بات يمثل سيفاً ذا حدين، فهو سلاح إسلامي عندما يكون وسيلة ومعبراً عن الوعي الإسلامي الأصيل ومنطلقا لأداء الدور الرسالي، وهو في المقابل يكون سلاحاً على الإسلام عندما ينحرف عن المفهوم والهدف ويصبح مجرد شعار وقشور فارغة وخالية من الجوهر، فهو في هذه الحالة يصبح حجر عثرة على مستوى التغيير الشامل والطموحات وبالتالي يتحول إلى سلاح بيد الأعداء وسلاح لأداء دور الفتنة والتمييع إسقاطاً لشخصياتنا ومجتمعاتنا في مهاوي الفساد والضياع. والخطاب الإلهي حاسم هنا: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ (الأحزاب: 59) وفي سورة النور الآية 36 ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ لذا عندما تتناقض سلوكياتنا وأخلاقنا مع التعاليم الإلهية لا شك تصبح ردود الفعل معاكسة لأنها في تناقضها مع الأقوال تسبب نفوراً زائداً وفهماً خاطئاً للإسلام، من مثل ما نراه في المدارس والجامعات والمعاهد من خفة وميوعة وإختلاط حتى في المسابح المغلقة وأماكن الرياضة والموالد والأعراس من مظاهر غريبة وبعيدة كل البعد عن قيمنا ومفاهيمنا وأخلاقياتنا، فاللموالد حرمتها وقداستها ويجب أن يراعى فيها اللباس الوقور وعدم الرقص الذي يعتبر هتكاً لأنه تشبُّهٌ بأهل الفسق والفجور وهذا ما نهى عنه الإسلام.

* متى تكون جرأة المرأة محمودة ومتى تكون مذمومة؟
يذكر التاريخ السيدة الزهراء عليها السلام في مواقفها السياسية عندما خرجت إلى مسجد أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وألقت تلك الخطبة الرائعة أمام بعض قادة المسلمين آنذاك والتي تركت أثراً بعيداً في تاريخنا الإسلامي، في كل حركة من حركاتها وحياتها وحتى إنجابها لولديها الحسن والحسين عليه السلام والسيدة زينب بطلة كربلاء عليها السلام. ولدى زيارتي زوجة الشهيد مطهري في قم وجدتها وقد ناهزت السبعين عاماً وصحتها معتلة ورغم ذلك لا زالت تعطي درساً أسبوعياً في بيتها لأكثر من مئة امرأة يأتين إليها أسبوعياً وتعطيهن الدروس. فالمرأة المسلمة لا ينقصها التشريع ولا تنقصها القدوة وإنما تنقصها الإرادة والتصميم للسير على النهج المحمدي الأصيل. جرأتها تكون كجرأة السيدة الزهراء عندما خرجت وخطبت بتلك الروح والإرادة العالية إذ لم يبق شخص إلا وبكى. هذا مثال المرأة عندما تذهب لتدافع عن حق وكي تستعيد أرضاً وتدافع عن المقاومة لكي تقدم إبناً أو زوجاً وتكون معهم وإلى جانبهم. هذه مواقع تشهد على جرأة المرأة المحمودة. لكن المواقع الأخرى أي المذمومة هي عندما تحتك وتختلط بما يثير الشبهة وما يثير أجواء من الميوعة ولا يكون منسجماً مع تفاصيل المرأة المسلمة.

* ما هي الآثار السلبية التي تتركها هذه السلوكيات والمظاهر على من تستعد لارتداء الحجاب؟
خلال تدريسي لمدة 25 سنة مرت علينا مثل هذه الأمور حيث كانت تأتيني فتيات شاكيات من تصرف بعض المحجبات وكنا نقول لهن إن هذه التصرفات لا تتناسب مع ديننا وإننا نأخذ تعاليمنا من الله وليس من هؤلاء وعلينا أن نقدم النموذج بأنفسنا ومن خلال أنفسنا. فحركتنا وواقعنا اليومي هو الذي يشهد لنا إن كانت هذه الحركة سليمة. ونحن باستطاعتنا أن نكون قدوة لهؤلاء المنحرفات بشكل عام عن المضمون الأساسي للحجاب. عن تأثيرها في أي فتاة خلال الخمسة والعشرين عاماً وما إن كان قد لفتتها أي فتاة واستفادت من خبرتها قالت "في السنوات الأولى حيث كان من العسير وضع الحجاب في ذلك الوقت تحجبت عندي 70 أختاً وأتيت بهنّ إلى المنزل وأقمنا حفلاً لهذا الموضوع واستمرت علاقتي بتلميذاتي بصورة دائمة في كل مكان أزوره في الدول الأوروبية أو العربية وبعضهن طبيبات ويقلن إنهن تأثرن بالحجاب من خلال الدروس التي أعطيتها لهن". وهذا ما جعل السيدة عفاف سعيدة بأن التعليم الديني في تلك المرحلة ترك أثراً كبيراً.

* ما هي النصيحة التي توجهينها إلى فتيات اليوم في ظل هذه التحديات التي يواجهنها على صعيد العولمة والانترنت والغزو الثقافي؟
من أهم الأمور يجب أن تصبح الأم صديقة أبنائها وأن تفتح الأم صدرها لأولادها وأن تتحمل بقوة الإرادة عدم الانفعال الفوري تجاه أي مسألة يمكن أن تواجههم لأنه باستطاعتها أن تحل كل المشاكل بهدوء ولأنها هي القدوة والملجأ الأساسي الذي يلجأون إليه. فمفتاح السعادة للأبناء في المستقبل أن يكون هناك هذا الصدر الحنون الواعي والحاضن وهو صدر الأم لأن الابن حتى لو أصبح بروفيسوراً فهو يحن إلى هذه الأم العظيمة التي تركت أثراً كبيراً في نفسه وتربيته.


(1) الأصول العامة للفقه المقارن، السيد محمد تقي الحكيم، ص619.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع