نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

شهيد الوعد الصادق عباس قاسم العطار (كرار)

نسرين إدريس قازان

 



اسم الأم: ورد العطار
محل وتاريخ الولادة: شعث 20/3/1980.
الوضع العائلي: عازب.
رقم السجل: 86.
محل وتاريخ الاستشهاد: مواجهات الطيري 7 آب 2006.


عشر سنوات من الانتظار؛ والعمر قصير.. لم تتعب اليد من البندقية، ولم يملّ القلب، لكنّما الشوق بلغ حدّه، وأزف وقت الرحيل، فما كان منه إلا أن وقّع في السطر الأخير من حياته، جملةً عكست من هو وماذا أراد أن يكون: "المشتاق للقاء الإمام الحسين عليه السلام.."؟! ولأنه عباس؛ كان شجاعاً ومقداماً، مضحياً ومؤثراً.. ولأنه أبي الضيم، أبى قبل سقوطه شهيداً في قرية الطيري، إلا أن يترك ذكرى مخزية حُفرت في تاريخ العدو الصهيوني..

* ممنوع المرور!
فمن يعرف كيف يؤدي عباس عمله، يدرك تماماً بماذا كان يفكر وهو يزرع العبوات في قرية الطيري لتكون الدبابات والجنود صيداً سهلاً؛ أو ليس هو من أتقن طوال سنوات عمل: "ممنوع المرور!" بلى، إنه هو، ذلك الشابُ الذي تنطق تقاسيم وجهه بالطيبة والسكينة، لكنها لا تلين أمام مواقف التحدي.. كان عباس يخدم في تشكيل حرس أحد المربعات الأمنية في بيروت، وهو عملٌ كسيفٍ ذي حدين، الأول أنه عليه أن يسخّر أخلاقه بدقة مشوبة بحذر في التعاطي مع الناس حوله، والثاني أن المسؤولية الملقاة على عاتقه كبيرة وحساسة، ولكنّه أجاد القيام بمهامه على أكمل وجه، وكان تنفيذ التكليف فوق أي اعتبار، فعندما يحين وقت "المرور ممنوع"، لا أحد يستطيع المرور حتى لو كان ذا شأنٍ كبير! هذا في بيروت، فكيف إذا ما كان من يريد العبور هو العدو الإسرائيلي؟!

* غياب الأم:
من بين عينيه اللتين أبصرتا النور في السنتين اللتين ألهبتا شرارة الحرب الطويلة في لبنان، انطفأت أمامه شمس أمه وغربت وهو في الثانية من عمره.. حرمان لم يفقه معناه عقله الصغير، وإذ كان قلبه احتفظ بلحظات الفقد تلك، وتركت بداخله أثراً لم تمحه السنين، فإن الحياة أنصفته، فقد تكفلت زوجة أبيه تربيته، وأولته من الحبّ والحنان ما يفيضُ عن حاجة المرء، فكانت ملاذه وملجأه، وسنده في محطات حياته الأساسية. مع والده وإخوته الثمانية، تفتحت بتلاتُ عمره الندية، وتربى في كنف عائلة محبة، وفي بيئةٍ متدينة اختارت خط الجهاد باكراً، فسار عباسُ في الركب وهو طري العظم، يُلَقم المفاهيم والمبادئ، وتُذخر روحه بالشجاعة والإقدام. كان منزلهم محاذياً للمسجد، لذا كانت صلاته في أغلب الأحيان بين جدرانه التي شكلت جسراً يفضي إلى ضفافٍ عديدة؛ ثقافية وجهادية وتربوية..

أثبت عباس حضوره في كل ما له صلة بالعمل الإسلامي، وأبى إلا أن يكون له حصة في أي عملٍ صغيراً كان أم كبيراً، فهو مع الكشافة مذ كان شبلاً إلى أن تسلّم زمام القيادة، وهو في الأنشطة والمراسم يساعد في تدبير الشؤون، ولا يزالُ منبر مجالس العزاء الحسينية يفتقد لصوته الشجي وهو يقدم التعريف بأسلوبٍ مميز جداً. ولأنه ربيب منزلٍ مقاوم، لم يحتج يوماً أن يتخذ قراراً، فخياره واضح وجليّ تماماً. فما إن أنهى الصف الرابع متوسط، حتى التحق بالعديد من الدورات العسكرية التخصصية آخرها كان ضمن الوحدة الهندسية في المقاومة الإسلامية، وكان على صغر سنه يشارك في المرابطة على الجبهة، وبعد أن بدأ العمل في بيروت، رفضَ أن ينتقل للسكن هناك على الرغم من توفر الظروف المادية وتخفيف عبء التنقل إلى البقاع، لأن "السكن" عنده تجاوز معنى المأوى، فكان الانتماء إلى بيئةٍ وعائلة. وكما يحمل حقيبته على عجلٍ شوقاً للالتحاق بعمله، كذلك الأمر حينما يذهب لملاقاة عائلته، وعوض أن يرتاح من عناء العمل في تلك الفترة، كان يقضي الأيام متنقلاً من منزل إلى آخر متفقداً جميع أقاربه سائلاً عن أحوالهم، وفي وقت فراغه يلتقي مع أصدقائه ورفاق دربه في المسجد، أو في ملعب كرة القدم، وقد اشتهر عباس بدقة تنظيمه للوقت وتقسيمه بين عمل وحياة خاصة وعلاقات اجتماعية.

أدرك عباس أن تحصيل الشهادة يستلزمُ مقدمات، والسير في طريق الجهاد لا يعني حمل البندقية وحفظ الشعارات، بل تربية أصيلة للنفس وتطويعها، فوضع لنفسه برنامجاً عبادياً خاصاً التزم به طوال حياته، وفي مطلع العام 2006 أصر على الذهاب لأداء فريضة الحج، فلم يوفّق للحصول على التأشيرة، عندها استدان مبلغاً من المال وحصل على تأشيرة من أفريقيا وسافر إلى الحج، فلقد كان في إصراره على تنفيذ ما يحب عناد وتحايل على الظروف والمعطيات لا ينتهي إلا حينما يصل إلى ما يريد.

* الوعد الصادق هو الموعد:
بعد وقوع عملية الوعد الصادق، كان عباس في منزل ذويه في قرية شعث، وفي كل يوم كان يتصل بمسؤوله المباشر ويتوسل إليه أن يسمح له بالالتحاق في الجبهة والأخير يرفض، ولكنه لم يقف مكتوف الأيدي، فكان يقوم بخدمة الناس، وعند حدوث أي شيء غريب، كان يأخذ بعض التدابير والإجراءات حول المنزل، ويصر على تفقد جوار البيت لوحده نظراً لخبرته في الأمور الهندسية، وقد بقي ثمانية عشر يوماً على الحال ذاته، يتحرق شوقاً للذهاب إلى الجنوب، وقد التهب فؤاده أكثر بعد سقوط شهيد في قرية شعث، فخرج للمشاركة في تشييعه ودفنه، ما زاد في لوعته. وعندما حصّل الموافقة أخيراً، لم تسعه الفرحة وسارع إلى تسديد دين صغير، وحمل حقيبته على عجل مودّعاً الجميع بسرعة. كان عباس في قرية الطيري، وقد قام مع رفاقه بزرع العبوات تحسباً لدخول الصهاينة، وفي اليوم الرابع والعشرين من الحرب، كشف ضوء قمر الثالث عشر من شهر رجب خيالات سريّتين من مشاة الجنود الإسرائيليين تقتربان من القرية بفزعٍ واضح وحذر بالغ. سرعان ما اشتبك المجاهدون معهم في معركة قصيرة انكفأ الجنود على إثرها.. لم يجرؤ العدو على التقدم إلى الطيري لمدة أربعة أيام اعتمد فيها على المناوشات مع المجاهدين، ولكن كان لا بدّ من دخول الآليات، فانتشر المجاهدون من جديد بانتظار أن تلهب القذائف والعبوات الميدان.

غرق العدو في مستنقع الطيري ولم يعرف كيف يمكن الخروج منه، فهي على صغر مساحتها كبّدته العشرات من القتلى والجرحى، حتى أنهم بعد إحدى المواجهات اضطروا لحمل جرحاهم على الحمَّالات أكثر من أربعة كيلومترات، إلى أن وصلت الآليات لإنقاذهم. كان عباس قد سأل الله عزَّ وجلَّ أن يرزق أخوه الكبير صبياً يسميه "حسن المجتبى"، وقد انتظر ذلك على أحر من الجمر، حتى لما ودعه قبل الذهاب إلى الجنوب دعا له بذلك. لم يعرف عباس أن الصبي الذي رزق به أخوه سُمي على اسمه "عباس" تيمناً بعمه البطل الشهيد الذي ذرف دماءه على أرض الجنوب الطاهرة في معركة أرادها العدو نهاية لفكرة المقاومة، فرسخها الرجال بدمائهم وأجسادهم.. من وصيته: "عشتُ مرارة الحياة وأنا أنتظر لأنال ما ناله هؤلاء الشهداء العظام، الذين جعلوا للأمة كرامتها ومجدها، وإني لأفخر بأني من طلاب مدرسة أهل البيت عليهم السلام، وفخري كبير بأني عاصرتُ زمن الشهادة والبطولة. (المشتاق للقاء الحسين عليه السلام)".

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع