نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

أمراء الجنة: خادم عوائل الشهداء ... شهيداً

نسرين إدريس

 



الاسم الثلاثي:رضوان قاسم حجازي.
اسم الأم: سكنة عبد الله.
محل وتاريخ الولادة:طير دبا 1/10/1970.
رقم القيد: 25.
الوضع الاجتماعي: متأهل وله أربعة أولاد.
الاستشهاد: 20/9/2008 أثناء قيامه بواجبه.

لم تكن المرة الأولى التي حزم فيها الحاج رضوان حجازي ملفاته المتداخلة السطور مع حياته، ليسافر في مهمةٍ جُبلتْ وشخصيته التي عكست عنواناً وحضوراً لمؤسسة الشهيد. ولم يخطر في بال أحد أنها ستكون السفرة الأخيرة، وأنه حينما سيعود إلى بيته في طير دبا، لن يترجل من سيارته ليعانق أطفاله الأربعة، بل سيكون محمولاً على أكتاف رفاقه في نعشِ الشهادة، وهو الذي طالما حمل على كتفيه نعوش الشهداء..

* طفولة قاسية، واعية:
مع مرارة التبغ التي دمغت حياة الجنوبيين، تذوق رضوان، في صغره، مرارة الواقع القاسي الذي فرضته العصابات الصهيونية على الجنوب، بعد أن وجدت في ملاحقة الفلسطينيين المهجرين من أرضهم، ذريعة لبسط قهرها في القرى الجنوبية الحدودية، التي شكّلت انطلاقاً لغزوات دموية ناحية القرى الآمنة.. وإذا كان رضوان آنذاك لا يفقه الكثير مما يتناقله الناس حوله من أحاديث في السياسة، ولكنه أدرك أن غيمة الخوف لن تمطر إلا الكثير من دماء الأبرياء. وفي طير دبا حيث تربى على القيم الأخلاقية الممتزجة بالمفاهيم الإسلامية، تشكّلت لَبِنْة شخصيته الواعية والمدركة، والتواقة إلى المعرفة، وانطلق شاباً يبحثُ عن أقصر طريق للالتحاق بصفوف المقاومة الإسلامية، بعد أن صار يتحين فرصة رؤية أولئك الرجال الذين لم يعرفهم أحد بل كانوا فقط يتركون توقيعهم المتفجر عند أحِفّة الطرقات، فسعى إلى لملمة حروف أسمائهم، ورسم وجوههم وهو على ثقة تامة بأن الله تعالى سيوفقه ليكون واحداً منهم. وأخيراً، هداهُ الله تعالى إلى نقطة البداية التي كانت والشهيد محمد زيدان(*)، المرشد الأول له، حيث بدأ العمل من مسجد القرية مركزِ انطلاق المجاهدين.

ولم تُنْسِه المهام التي أوكلت إليه رغبته في خدمة عوائل الشهداء، فتطوّع للعمل في مؤسسة الشهيد ضمن نطاق قريته والقرى المجاورة.. لم تكن دمعة اليتيم الصغير الذي فقد والده في عملية عسكرية للمقاومة الإسلامية التي كانت في بدايات انطلاقتها، تلسعُ قلبه بملوحتها وتلوعه فحسب، بل كانت دافعاً للشاب الفتيّ الطالب في الثانوية، للبدء بالعمل، خصوصاً بعد اندحار العدو الصهيوني عن قرى الجنوب والإبقاء على بعض القرى التي رسمت منطقة الشريط الحدودي آنذاك. في العام 1989، توجه رضوان إلى بيروت للالتحاق بالجامعة تاركاً بلدته على مضض، وتابع هناك ما بدأهُ في القرية، حاملاً في جعبته المقاومة الثقافية في الزمن الصعب والأماكن الضيقة، ولكن كل الصعوبات لم تثنه عن طرح رأيه والدفاع عن صوابيته؛ فقد تجلّت ثقافته العالية بمناقشاته الدائمة لبعض أساتذة الجامعة العلمانيين، ولم يفوّت فرصة لدحض كل المغالطات التي يطرحونها، فتحوّل هذا الشاب الجامعي الذي عكس بفكره رسوخ المعتقد في الروح وتبلوره كخلفية للانطلاق في الحياة، إلى مثالِ يُحتذى في التدين والأخلاق والثقافة.

* أبٌ رؤوف بالأيتام:
ولأنه لا يستطيع أن يعيش بعيداً عن خدمة الأيتام، عمل مربياً في مبرة الإمام الخوئي قدس سره، بموازاة متابعته لدراسته الجامعية إلى حين عودته إلى الجنوب. كل من كان رآه كيف يحملُ الأطفال الصغار ويرافق الفتية، لمح فيه أباً رؤوفاً لكل من فقد والده، فقد كان يسعى جهده، ليردم الهوة العاطفية عندهم بكل ما أوتي من صبر وتجلد وحكمة ومحبة..

* البوصلة صوب مؤسسة الشهيد:
لقد كانت رقّة قلبه تلك هي بوصلة تحديد مصير ذلك الرجل العقلاني، فما إن عاد إلى صور وعُرضَ عليه العمل في مؤسسة الشهيد، حتى بدأ عمله في اليوم التالي، وكان ذلك في العام 1992. ولأنه لم ينظر في يومٍ من الأيام إلى العمل في المؤسسة على أنه عمل مكمل للمسيرة الجهادية، فقد تفانى في خدمة عوائل الشهداء وأبنائهم.. وإذا كان قد تسلّم خلال سنوات ملفات عديدة في المؤسسة، ما بين إدارية وتربوية، غير أنه كان مشاركاً في كل خطوة تقوم بها المؤسسة، ولم يختزل نفسه في عمل محدد.. تحولت مؤسسة الشهيد، بما تحتويها من عناوين ومضامين، إلى حياته. والشاب المجاهد الذي صار رجلاً مسؤولاً عن عائلةٍ وأولاد، ظلّ على حاله، يوصل ليله بنهاره، ولا يعرفُ معنى للتعب أو الملل.. في العام 1996، تمّ تكليفه بملف " تكفل أبناء الشهداء" في مدينة صور، وهو ملفٌ تميز بحساسية مفرطة، ومسؤولية جسيمة، وخصوصاً في مرحلة التأسيس، ما استلزم منه إلغاء أيام العطل والأعياد، واستطاع بفترة قصيرة تقديم هذا المشروع إلى الناس المتلهفة إلى خدمة عوائل الشهداء، التي مهما كبرتْ تظلُّ صغيرة أمام عظمة الشهادة.. سنوات كانت فيها كفّا الحاج رضوان جنّةً من عطاء وتضحية.. كفّان فاح منهما عبير السعادة التي زيّنت حياة أبناء الشهداء الذين كان لهم الرفيق المخلص، يراعيهم ويرعاهم ولم يألُ جهداً في إضفاء البهجة والسعادة على قلوبهم.

* مسيرة جهاد وشهادة:
شكّل الحاج رضوان حالة خاصة في حياته التي لم يفصلها كثيراً عن عمله في مؤسسة الشهيد. وعلى الرغم من انشغالاته الكثيرة، لم يتخلّ عن العمل الاجتماعي- الخدماتي للبلدة، بل كان كالقطب من الرحى، فهو وجه إجتماعي بارز ذو رأي ومشورة، وقد انتخبَ عضواً بلدياً في بلدته، ناهيك عن مشاركاته المتعددة في المجالين الثقافي والإعلامي، كما أنه لم يغب عن ساحة الجهاد خلال الحروب التي شُنّت ضد لبنان، فقد ظلّ على تماسٍ مباشر مع عوائل الشهداء في حروب تموز 1993، ونيسان 1996، وتموز 2006 والتي على الرغم من ضراوتها فإنها لم تزده إلا تصميماً وإصراراً على إكمال المسيرة.. مسيرة الجهاد والشهادة.

وَازَنَ الحاج رضوان بين بناء الروح ومتطلبات الحياة، فلم يغبْ عن باله طرفة عين أن الطريق الحقيقي للإنسان إنما هو السلوك إلى الله عز وجلّ بزادِ التقوى والإخلاص.  وكما كان ابناً باراً بوالديه، كذلك كان أباً رؤوفاً لأربعة أولاد، غذّاهم بالمفاهيم التي تشرّبتها روحه، وزرع فيهم القيم التي عاشها وعاش لأجلها، وأورثهم تاريخاً زاخراً من حياةٍ كانت شمعة ذابت في سبيل الله.. في مكاتب مؤسسة الشهيد، لا يزالُ طيف الحاج رضوان يتنقل بين الأروقة والمكاتب، يتحدثُ مع ذاك، وينهي موضوعاً مع هذا، ويتابع عبر الهاتف موضوعاً ثالثاً.. لم يعرف أحد كيف يمكن لذلك الهدوء المتسم بالوقار أن يتحول إلى ضجيج وصخب بلحظات تنتهي مع انتهاء العمل!

.. والتحق بركب الشهداء:
بتاريخ 12/9/2008، الموافق للعاشر من شهر رمضان المبارك، تعرّض لحادث مؤسف أثناء قيامه بواجبه (استشهد على أثره) سامي (زميله في مؤسسة الشهيد) مباشرةً، فيما نقل الحاج رضوان إلى المستشفى بحالٍ خطرة.. ثمانية أيام من الغيبوبة في غرفة العناية الفائقة.. أياماً أخيرة عاشها رضوان الذي ما إن فتح عينيه حتى طلب ورقة كتب عليها بخطٍ ضعيف سؤالاً عن سامي، ثم عاد إلى الغيبوبة.. بتاريخ 20/9/2008 الموافق للثامن عشر من شهر رمضان المبارك، أغمض الحاج رضوان حجازي عينيه ليلتحق بركب رفاقه الشهداء.


(*) محمد حسين زيدان (الشيخ). طير دبا 24/2/1964، استشهد بتاريخ 2/6/1987، أثناء قيادته لعملية اقتحام موقع الرادار في عملية بدر الكبرى الشهيرة.

أضيف في: | عدد المشاهدات: