نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

تسابيح شهادة: الطائر المهاجر


ولاء إبراهيم حمود


إلى الشهيد محمد صلاح قدوح (جواد)

لا أدري كيف أستهل حديثي معك. تراني ألوي عنان قلمي باتجاهٍ آخر، أُعاتب فيه حبره العاجز عن الانسكاب حباً، كما فعلت دماك. تُرى، كيف امتلك نجيعك قدرة إرواء قلب الأرض وجذور الشجر الراسخ فيها؟ والورق هذا العاجز الثاني، أُعنِّفه لأنه أكثر عجزاً منه عن احتواء أشواقي إليك، وحنيني إلى قامتك تطل عليّ بكل أفياء البطولة التي امتدت ظلالها فوق روابي الجنوب في ملاحم آبٍ وتموز...


يا بحر اشتياقي يا جواد. ورقي هشيمٌ لا يحسن حتى هسيس الاحتراق، وقلبي جمرُ غيابٍ لا يتقن حتى فنَّ الترمّد والانطفاء. جواد الغالي... يا ابن أخي... يقهرني عجزي عن التعبير، يؤلمني عنادُ قلمي ويُعذبني رحيل حروف الشوق.. وجهك يحاصرني قرب البيت الذي حملتَ فيه جدَّتك بعد أن عجزت أذناها عن التقاط أصداء العدوان الذي أحاط بالقرية، ولكنها استطاعت بأذني قلبها العاشق لأنوار وجهك سماع صوتك يحنو على عجزها، ويغمرها بقبلات اللقاء الوداعي الأخير.. ما كنت أدري أنك لن ترجع بعده، ترى هل كنت سأعترض طريق ذهابك وأضمك إلى قلبي أكثر...؟

يا جواد! والدك، شقيقي، جناح عمري، ما زال حتى اللحظة عاتباً عليّ، لأنني لم أمنعك.. هو يعلم مثلي وأكثر، أنه أمر الله وأن لا أحد في الكونِ كله قادرٌ على ردِّك عن أمرٍ فيه لله رضاً ولك جنةٌ ورضوان... يا ابن أخي... يا حنو ولدي... ما فرَّطت بك إِذ عجزت عن إقناعك عن العودة إلى نداءاتِ أبيك لمرةٍ واحدةٍ وأخيرة. والآن، وبعد مرور سنواتٍ ثلاثٍ على غيابك، أراني أكثر عجزاً عن التعبير عن لواعج هذا الغياب... إقبل مني، يا حبة القلب وقرة العين، هذا العجز تعبيراً وحيداً عن حبي لكَ واعتزازي بك...

واعلمْ أن الطائر الصغير الذي كنت تطعمه بيديك أبَّان كل غروب وكان مثلك حريصاً على موعد اللقاء معك حرص على زيارة أبيك في الموعد نفسه أثناء انشغالك في جهادك... وبالحرص عينه، كان أبوك ينتظره ويطعمه بيديه المجاهدتين، لكنه لم يأتِ في ذاك الغروب الذي رحلت قبله ولم تعد أثناء احمرار شفقه. كان الغروب الأول لغيابك، وبعد أن لملم آخر أطراف ذوائبه الحمراء عن روابي القرية بحزمٍ أعلن لي أبوك أنك مضيت شهيداً إلى جنان الله. وعندما سألته عن يقينه في تلك اللحظة من أين جاء به؟ أجابني أنه انتظر طويلاً ذلك الطائر الذي كنتَ تطعمه وقد طال انتظاره حتى ما بعد غروب شمس ذلك النهار... فأدرك أنكَ قد اتخذت من الحياة درباً آخر يوصلك إلى رضوان الله، وأن طائرك قد رافقك فيه أو سبقك إليه... أتراه كان أكثر قدرةً مني على التعبير وعلى شجاعة القرار؟

جواد، أيها الغالي: بعد ثلاث سنوات على شهادتك العزيزة.. إقبل مني ومن والديك وأولادي وكل من يعرفك حباً يغمر كل مساحات العمر.. ووعداً بصون الدماء وحفظ العهد. إلى وعدٍ صادق آخر.. قريبٍ بإذن الله، وليعجز الورق ولينتحب القلم قدر ما يشاء. ما همَّ وكلنا ننتظر بفارغ الشوق والصبر لحظة اللقاء التي ربما قد يشهدها طائرٌ اعتادَ التقاط ثمار الحياة من سخاء كفَّيك اللتين ما غابتا إلاَّ لتعطيا الحياة ثمار الجنان من حدائق الآخرة..

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع