نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

فاطمة عليها السلام كوثر الرسالة والإمامة

الشيخ توفيق علوية

 



يقول تعالى: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (الكوثر). في السورة ثلاث آيات غزيرة بالمعاني الظاهرية والباطنية؛ وبالعموم هي تتحدث عن ثلاث جهات:
الأولى: جهة العطاء الرباني الممنوح للرسول صلى الله عليه وسلم والمتجسد بالكوثر.
الثانية: جهة طلب الشكر مقابل العطاء الرباني بصورة الصلاة والنحر.
الثالثة: جهة التبكيت للمبغض والحاقد على الرسالة والمتمثل بالبتر وقطع النسل.


* معنى الكوثر
وقيل الكثير في المراد بالكوثر، ومن ذلك: "الخير الكثير النبوة والكتاب القرآن بنحو خاص كثرة الأصحاب والأتباع الشفاعة كثرة النسل والذرية"(1) واللفظ يتحمل كل هذه المعاني. والنسل والذرية هو أصح الأقوال لتناسب ذلك مع سبب النزول من جهة، ومع تبكيت المبغض من جهة أخرى، ومع شاهد الحال من جهة ثالثة، حيث أحصي عدد ذرية الرسول من فاطمة عليها السلام بخمسة وثلاثين مليوناً. ولقد أيّد هذا القول الفخر الرازي في تفسيره، وكفانا مؤونة البحث والتنقيب بما لا مزيد عليه. وعلى كل التفاسير، فإن السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام هي كوثر الجميع، فهي الخير الكثير، وهي بنت النبوة، وممدوحة القرآن والسنة، ومن خلالها كثر الأصحاب والأتباع، وهي الشفاعة أي التي تشفع كما ورد في الأخبار.

* انعقاد النبوة بالإمامة
ويكفي أن فاطمة عليها السلام هي التي كانت وما زالت مجمع طهر بينهما، ولولاها لما انتقلت الرحمة الإلهية إلى الأمة من النبوة بواسطة الإمامة؛ إذ لولاها كيف لهذا الاتصال بين نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وإمامة علي عليه السلام أن يتم؟ وبأي صورة سوف تنتقل هذه الطهارة؟ وبأي وسيلة سوف يمر هذا اللطف؟ فلو لم تكن فاطمة عليها السلام لانفرط عقد اتصال النبوة بالإمامة، وعندها لم يكن للكفار أن ييأسوا من النيل من الإسلام، ولم يكن للدين أن يكتمل، ولا للنعمة أن تتم؛ ولن يقع الدين محلاً لرضاه سبحانه وتعالى. وكما أن فاطمة عليها السلام كان وجودها المبارك سبباً لانعقاد النبوة بالإمامة، فكذا دورها وفعلها وتصرفها جعل هذا الاتصال أكثر سمواً ورقياً.

إن اللَّه سبحانه وتعالى وحينما أنزل الوحي على رسوله المكرم صلى الله عليه وسلم أبت حكمته العلية، ومشيئته العظمى إلا أن تكون الواسطة بينه عزَّ وجلَّ وبين محمد صلى الله عليه وسلم من أشرف الوسائط ألا وهي جبرائيل حيث قال تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (التكوير: 20). وهكذا، فإن اللَّه عزَّ وجلَّ وحينما أراد وصل النبوة بالإمامة، جعل عقد اتصالهما قائماً على أساس هو من أشرف الخلائق أجمعين وهي السيدة فاطمة عليها السلام. وطالما أن النبوة بهذا الشرف، وطالما أن الإمامة بهذه المنزلة، فلا بد للواسطة أن تكون كذلك. ولتتأمل معي في قضية أم مريم بنت عمران عليها السلام والحادثة التي جرت معها، فقد انتظر أوساط أهل الإيمان منها مولوداً ذكراً بالاستناد إلى بشارة عمران، ولكنهم فوجئوا بأن أم مريم وضعت أنثى هي مريم "وإني وضعتها أنثى وليس الذكر كالأنثى" وتزلزلت عقيدة البعض جرّاء ذلك، وكان التعليل من زكريا عليه السلام بل هو الواقع أن اللَّه عزَّ وجلَّ شاء أن يخلق الولد الذكر أي النبي الموعود "عيسى عليه السلام" من أم طاهرة ومعصومة؛ إذ إن الواسطة التكوينية لا بد أن تكون طاهرة ومعصومة.

وهذا ليس إنجاباً جسدياً تكوينياً فحسب؛ فماذا تريد للواسطة بين النبوة العظمى والإمامة الكبرى أن تكون وهي واسطة تكوينية من جهة، وقدسية من جهة أخرى؟ لا بد أن تكون واسطة أعلى وأشرف وأعظم من أي واسطة أخرى؛ ليس من ناحية الوعاء التكويني فحسب، بل من ناحية دور هذه المرأة وفعلها، حيث إن شرافة فاطمة عليها السلام هي شرافة تكوينية وأخرى عملية. كيف لا تكون أعظم وهي عقد اتصال أعظم وأوسع نبوة مع أعظم وأوسع وصاية؟! ويكفي أن المهدي عجل الله تعالى فرجه هو آخر ثمار هذا الاتصال بين النبوة والإمامة المنعقد بواسطة فاطمة عليها السلام، وعيسى عليه السلام يصلي خلفه ويتابع حكمته، ويأبى التقدم عليه. من هذا كله، نفهم مغزى الحديث القدسي القائل: "يا أحمد، لولاك ما خلقت الأفلاك، ولولا علي ما خلقتك، ولولا فاطمة ما خلقتكما".

لأن النبوة لولا الإمامة لما تمت واكتملت، ولأن النبوة والإمامة معاً لولا فاطمة عليها السلام لما اتصلتا، ولانفرط عقد اتصالهما! ومن هنا، قال الرسول صلى الله عليه وسلم لعلي عليه السلام "عما قريب ينهدّ ركناك" أي موته صلى الله عليه وسلم وموت فاطمة عليها السلام، ومن هنا، قال صلى الله عليه وسلم بحق فاطمة: "ألا إن فاطمة بابها بابي وبيتها بيتي". ومن هنا قال صلى الله عليه وسلم: "لولا علي ما كان لفاطمة كفؤ..." أي لما اتصلت النبوة بالإمامة.
هذا ما يفسر قول الإمام العسكري عليه السلام: "نحن حجج اللَّه على خلقه، وجدتنا فاطمة حجة اللَّه علينا"، إذ لولاها لما انعقدت الإمامة ولما استمرت.

ومن هنا قال صلى الله عليه وسلم: "ظاهري النبوة وباطني الولاية"، وهذا يفسر تعبير الإمام الصادق عليه السلام حينما يسأل اللَّه بحق فاطمة فيقول: "والسر المستودع فيها"، فإن أقل ما يفهم من هذا السر هو سر اجتماع النبوة بالإمامة، ولعله لهذا كان الاحتفاء بزواجها عليها السلام من علي عليه السلام في السماء بهذا العرس الملائكي قبل الأرض.
 


(1) إلا أن الأشهر أن المراد من الكوثر هو نهر في الجنة أو حوض القيامة.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع