نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

آداب ومستحبات: أُمَّةُ التَّرَاحُم

السيد سامي خضرا

 



إن الخلاف في وجهات النظر بين الأفراد في الأسرة الواحدة أمر طبيعي وذلك بسبب الاختلاف في أذواقهم ومزاجهم وشخصياتهم وطباعهم. فالاختلاف جزء من حياتنا اليومية. لكن ينبغي أن لا يتعدى حدود الودّ والتفاهم فيفسد علاقاتنا بمن حولنا. ويمكن تجنب ذلك بقليل من الالتفات والتسامح قربة لله تعالى، خاصة بين الأقارب والأرحام الذين يفترض أن يسود بينهم التسامح والعفو.... وهناك جملة أمور تسبب الخلافات الأسرية, منها:

المزاجية, تحكيم العاطفة, العصبية كأن يكون بعضهم دائماً على حق! التمييز بين الأولاد, تغليب المصلحة المادية، الخلافات حول الإرث, العناد، الغيرة، التكبر, الأنانية، عدم تحمل المسؤولية، إفشاء أسرار البيت، التسلط، الدلال المفرِط, وتبرير الأخطاء... وما شاكل ذلك!

• أمة التراحم ومجتمع الرحمة
إن المتتبع للنصوص المباركة يرى أننا أمة التراحم ومجتمع الرحمة، ففي القرآن الكريم قال الله تعالى جلّ ذكره:
﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ (الفتح: 29). وقال الله عزّ وجلّ: ﴿...الَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (الرعد: 21). أما في الأحاديث الشريفة فقد ورد عن رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله: " صِلْ مَنْ قَطَعَكَ، وَأَحْسِنْ إِلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ" (1). وعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ، أنهُ قَالَ: " بَلَغَنِي عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام: أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَهْلُ بَيْتِي أَبَوْا إِلَّا تَوَثُّباً عَلَيَّ، وَقَطِيعَةً لِي، وَشَتِيمَةً، فَأَرْفُضُهُمْ؟ قَالَ: إِذاً يَرْفُضُكُمُ اللهُ جَمِيعاً قَالَ: فَكَيْفَ أَصْنَعُ؟ قَالَ: تَصِل مَنْ قَطَعَكَ، وَتُعْطِي مَنْ حَرَمَكَ، وَتَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَكَ، فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ كَانَ لَكَ مِنَ اللهِ عَلَيْهِمْ ظَهِيرٌ" (2). وعن الحسن بن علي عليه السلام أنّ أباه قال له عند وفاته: " وارحم من أهلك الصغير, ووقّر منهم الكبير" (3).

• طريق الإيمان والثواب
فجمعُ الشمل وصلة الأرحام بين الناس هما من طرق التوفيق الإلهي. عن جميل بن دراج قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله جل ذكره: ﴿وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً قال: فقال: هي أرحام الناس، إن الله عزّ وجلّ أمر بصلتها وعظّمها، ألا ترى أنه جعلها منه" (4)؟ وعن رَسُول اللهِ صلى الله عليه وآله: " أعجل الخير ثواباً صلة الرحم" (5). وقال علي عليه السلام: " أَيُّهَا النّاسُ، إِنَّهُ لاَ يَسْتَغْنِي الرَّجُلُ، وَإِنْ كَانَ ذَا مَال، عَنْ عَشِيرَتِهِ، وَدِفَاعِهِمْ عَنْهُ بِأَيْدِيهِمْ وَأَلسِنَتِهمْ، وَهُمْ أَعْظَمُ النَّاسِ حَيْطَةً مِنْ وَرَائِهِ وَأَلَمُّهُمْ لِشَعَثِهِ، وَأَعْطَفُهُمْ عَلَيْهِ عِنْدَ نَازِلَة إنْ نَزَلَتْ بِهِ... وَمَنْ يَقْبِضْ يَدَهُ عَنْ عَشِيرَتِهِ، فَإِنَّمَا تُقْبَضُ مِنْهُ عَنْهُمْ يَدٌ وَاحِدَةٌ، وَتُقْبَضُ مِنْهُمْ عَنْهُ أَيْد كَثِيرَةٌ, وَمَنْ تَلِنْ حَاشِيَتُهُ يَسْتَدِمْ مِنْ قَوْمِهِ المَوَدَّةَ" (6). وعن الإمام الصادق عليه السلام: " إنَّ صلة الرحم والبرّ ليهوِّنان الحساب ويعصمان من الذنوب فَصِلُوا أرحامكم وبرّوا إخوانكم ولو بحسن السلام وردّ الجواب" (7).

• حق لا يقطع
وعن الجهم بن حميد قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام يكون لي القرابة على غير أمري ألهُم علي حقّ؟.. قال: نعم، حق الرحم لا يقطعه شيء، وإذا كانوا على أمرك كان لهم حقّان: حقّ الرحم، وحق الإسلام" (8).

• قصة للعبرة
يقول زكريا بن إبراهيم: " كنت نصرانياً فأسلمت وحججت فدخلت على أبي عبد الله عليه السلام، فقلت: إنَّ أبي وأمي على النصرانية وأهل بيتي وأمي مكفوفة البصر... فقال عليه السلام: انظر إلى أمك فبرَّها، فإذا ماتت فلا تكلها إلى غيرك، كن أنت الذي يقوم بشأنها. يقول زكريا: فلما قدمت الكوفة ألطفت لأمي وكنت أطعمها وأفلّي ثوبها ورأسها وأخدمها فقالت لي: يا بُنيّ ما كنت تصنع بي هذا وأنت على ديني فما الذي أرى منك منذ هاجرت فدخلت في الحنيفية؟
فقلت: رجل من ولد نبينا أمرني بهذا.
فقالت: هذا الرجل هو نبي؟
فقلت: لا، ولكنه ابن نبي.
فقالت: يا بُني، إنَّ هذا نبي، إن هذه وصايا الأنبياء.
فقلت: يا أمه، إنه ليس يكون بعد نبينا نبي، ولكنه ابنه.
فقالت: يا بُنيّ دينك خير دين، أعرضه عليّ، فعرضته عليها فدخلت في الإسلام وعلمتها الصلاة فصلَّت الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة، ثم عرض لها عارض في الليل، فقالت يا بني أعد عليَّ ما علَّمتني فأعدته عليها، فأقرَّت به وماتت" .

• بركة التواصل الرحمي
في رواية أن الإمام الصادق عليه السلام التفت إلى أحد أصحابه وهو ميسر وقال له: " يا ميسر لقد زيد في عمرك، فأي شيء، تعمل؟ قال: كنت أجيراً وأنا غلام بخمسة دراهم، فكنت أجريها على خالي" (9).
وفيما كلم الله تعالى به موسى عليه السلام... قال موسى: " إلهي, فما جزاء من وصل رحمه؟ قال الله عزّ وجلّ: يا موسى, أُنسئ له أجله، وأهوّن عليه سكراتِ الموت، ويناديه خزنة الجنة: هلم إلينا فادخل من أيّ أبوابها شئت" (10).


1.مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج 15، ص 252.
2.الكافي، الكليني، ج 2، ص 150.
3.الأمالي، المفيد، ص 222.
4.الكافي، م. س، ج 2، ص 150.
5.م. ن، ص 152.
6.نهج البلاغة، الشريف الرضي، ج 1، ص 62، خطبة 23.
7.الكافي، م. س، ج 2، ص 157.
8.بحار الأنوار، المجلسي، ج 71، ص 131.
9.م. ن، ج 47، ص 78.
10.الأمالي، الصدوق، ص 276.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع