نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

صفات المحسنين

آية الله مشكيني


في الحلقة الماضية تحدث العمة المجاهد آية الله مشكيني عن ثلاثة من أسماء القرآن المجيد وهي: الكتاب، الحكيم، الهدى. وفي هذه الحلقة يتحدث عن الاسم الرابع وهو الرحمة مفصلاً الكلام حول خصائص المحسنين ومميزاتهم.


* الرحمة

الاسم الرابع من أسماء القرآن الواردة في هذه الآية المباركة هو الرحمة. وهو اسم ظاهر وجلي لهذه الصحيفة الإلهية. ومعلوم أن ارتباط الرحمة بالهداية من حيث أن كتاب الله أنزل لهداية المجتمع البشري بالهداية التشريعية، بمعنى أن الله تبارك وتعالى يريد هداية أفكار البشر إلى العقائد والمعارف الحقة والأخلاق الكريمة الفاضلة والأعمال الحسنة الطيبة.
فالله سبحانه برحمته الواسعة لم يرد للإنسان أن يقع في حبائل الشياطين وينزلق في مهاوي الكفر والطغيان، وإنما خلقه في أحسن تقويم وأراد له الوصول إلى قمة السعادة والكمال الإنساني والقرآن الكريم رحمة لأنه يقود الإنسان إلى ذلك.

* تأثير الهداية في المحسنين
هنا قد يطرح سؤال وهو: حسب الآية الشريفة أنزل القرآن لهداية المحسنين، وفي آيات أخرى للمؤمنين والمتقين وأمثالهم، وفي المقابل جاء في سورة البقرة الآية 185: ﴿شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس كذلك في أول سورة الفرقان ﴿تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، وهذا يعني أنه لا يوجد اختصاص للكتاب الإلهي في هداية المحسنين والمؤمنين. السؤال: إذاً لماذا في هذه الآية المباركة (هدى ورحمة للمحسنين) خصَّ الهداية بالمحسنين؟

الجواب: الهداية في الأصل لجميع الناس والدعوة لا تختص بطائفة من الناس دون أخرى، ولكن التأثير يختص بالمؤمنين والمحسنين، بمعنى أنه باعتبار اتصاف هذه الطائفة بالإيمان والتقوى فإنها سوف تلتزم بالتعاليم الهادية للقرآن وبذلك يكون هدى ورحمة لهم، أما المنحرفون منهم خارجون عن دائرة هداية القرآن لعدم تقبلهم لها.

بناءً على ذلك، فالهداية عامة وأثرها خاص، يعني أن الدعوة للمجتمع البشري بأسره، والله تعالى أراد هداية كل البشر في كل زمان ومكان من خلال هذا القرآن (بعد نزوله)، ولكن الأثر الفعلي لهذه الهداية يختص بمن يتقبلها ولذلك قال تعالى: ﴿هدى ورحمة للمحسنين.

* من هم المحسنون؟
في الآية التالية يبيّن تعالى حقيقة المحسنين وهويتهم فيقول ﴿الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون.

* إقامة الصلاة
أول الصفات المذكورة للمحسنين أنهم يقيمون الصلاة، فما هو معنى الصلاة؟
1- الصلاة قد تأتي بمعنى التبعية والانقياد. وقد سميت الصلاة صلاة باعتبار أنها في البداية كانت قام على نحو الجماعة حيث يقف الإمام وخلفه عدد من المؤمنين يتابعونه في جميع حالات الصلاة وأفعالها، فيركعون حين يركع، ويسجدون حين يسجد، وهكذا. إذاً هذا العمل هو متابعة ويسمونه صلاة.

2- وقد تأتي الصلاة بمعنى التمجيد والثناء، بمعنى أن المصلى من خلال صلاته يحمد الله ويمجده ويصفه بالصفات الإلهية الحسنى وينزهه عما لا يليق بساحته المقدسة فيقول "الحمد لله رب العالمين" "الرحمن الرحيم" "مالك يوم الدين"... وكذلك يطلب الهداية والاستعانة منه تعالى دون سواه حينما يقول ﴿اهدنا الصراط المستقيم. فالصلاة هي حمد وثناء على الله سبحانه وتعالى.

3- ولو رجعنا إلى التعريف اللغوي نجد معنى ثالثاً للصلاة وهو إبعاد النار، عن النفس. فلو شب حريق في البيت مثلاً وكان الإنسان وسط اللهيب فإنه يحاول إبعاد شعلات النار عنه بكل حيلة ووسيلة، هذا العمل الدفاعي يسمى في لغة العرب صلاة والمصلي هو الذي يبعد النار عنه.
وبناءً عليه، فالمصلي هو الذي يبعد نيران الذنوب والمعاصي عنه، لأن الذنوب شرارات جهنم. فالصفات السيئة والأعمال القبيحة التي تصدر عن الإنسان في هذا العالم تظهر في عالم الآخرة على شكل لهيب وسعير في جهنم، والمصلي حال صلاته يقوم بعملية إطفاء هذا اللهيب وإخماده. ورد في الروايات أن أداء ركعتين بشكل صحيح وتوجه تام يمحو جميع الذنوب على الإطلاق.

* إيتاء الزكاة
الصفة الثانية من صفات المحسنين إيتاء الزكاة، والزكاة تعني التنمية والتكامل وبلوغ الرشد. إذ أن الإنسان عندما يقتطع مقداراً من أمواله وينفقها بعنوان الزكاة فإنه يوجد عدة حالات من التكامل، منها:
1- الشخص الذي يخرج الحقوق الشرعية من ماله يوجد البركة في بقية أمواله، وقد أوضحها الباري تعالى بشكل صريح في آية الربا ﴿يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم.

2- الزكاة تسبب الرشد الروحي والمعنوي للإنسان لأن الإنسان كلما أعطى من ماله وروحه يحصل له تكامل روحي، لأن كل عمل يقوم به الإنسان وفيه بعض المشقة والألم في سبيل الله فإن ذلك يؤدي إلى كمال النفس والروح. ولذلك ورد أن الأجر على قدر المشقة وأن "أحب الأعمال إلى الله أحمزها".

3- عندما يؤدي الناس حق الزكاة المفروض عليهم، فإن المجتمع المزكّي يصل إلى المستوى الاقتصادي ورفاهية العيش إلى مرحلة متطورة ومتقدمة جداً، وهذا بالطبع سوف ينعكس على وضع الفرد وحياته الخاصة أيضاً.

* المراد من الزكاة
قد يتصور البعض أن المقصود من الزكاة هو فقط تلك الأمور التي يتعلق فيها الزكاة الواجبة شرعاً مثل الشعير والحنطة والتمر والزبيب أو أنواع الحيوانات مثل الإبل والبقر والغنم أو بعض أنواع النقود كالذهب والفضة، لكن هذا غير صحيح.
صحيح أن هذه هي الزكاة الواجبة، لكن هناك أنواع أخرى من الزكاة أيضاً، فالإنفاق زكاة أيضاً كما عبّر في سورة البقرة ﴿ومما رزقناهم ينفقون. ويمكن أن يتعلق الزكاة بكل النعم الإلهية حتى المعنوية منها، كما ورد في الرواية الشريفة "زكاة العلم نشره". وعلى هذا يجب إيتاء الزكاة في العلوم والثروات الفكرية وكذلك في القوى والطاقات الجسدية تماماً كما تؤتى الزكاة في الأموال وغيرها.

* زكاة الخدمات
زكاة البدن هي الخدمات التي يقدمها الإنسان للمجتمع، فلو أن الطبيب يصرف بعضاً من وقته وجهده لصالح المستضعفين والمحتاجين فهو من أفضل أنواع زكاة الخدمات، وكذلك المهندس وكل شخص في المجتمع الإسلامي أن يعطي مقداراً من طاقته، وإمكاناته في خدمة الناس وخاصة المحتاجين والمستضعفين منهم.
في رواية عن الإمام الصادق عليه السلام أفضل الزكاة زكاة العلم. في الحديث أنه لو هدى الله تعالى رجلاً واحداً من خلالك فإنه خير لك من الدنيا.

* الإيقان بالآخرة
الصفة الثالثة من صفات المحسنين، طبقاً للآية الشريفة، أنهم يؤمنون بالآخرة على نحو اليقين والجزم.
الإنسان عبارة عن مسافر من عالم إلى آخر، لكن هناك ثلاثة عوالم يستقر فيها بشكل مؤقت حتى يصل إلى العالم الرابع حيث يقيم فيه بشكل أبدي ونهائي.
أما العالم الأول فهو عالم الرحم الذي يبقى فيه مدة تتراوح بين الستة أشهر والتسعة أشهر ثم يخرج إلى عالم الدنيا إلى أن يدركه الموت، حيث ينتقل إلى عالم البرزخ ويبقى فيه حتى قيام القيامة ﴿ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون.
القيامة هو العالم الأبدي الذي يعيش فيه الإنسان، والمحسنون هم الذين يوقنون بهذا العالم وليس لديهم أي شك أو تردد فيه.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع